هذا جزء من حوار أجراه المفكر عبد الله العروي مع الزعيمين الاتحادي الراحل عبد الرحيم بوعبيد، والاستقلالي علال الفاسي في سبعينيات القرن الماضي، ضمّنه كتابه الصادر مؤخرا بعنوان "اLe Nationalisme Marocain" وتولى الصحافي اسماعيل بلاوعلي ترجمته وإعداده للنشر في العدد الأخير من مجلة "زمان". العروي: لنتحدث عن حرب الريف، ماذا كان وقعها على باقي البلاد؟ بوعبيد: كنت ما أزال طفلا عندما سمعت اسم عبد الكريم (الخطابي). كان يقال إنه لا يُهزم، وأنه هزم بقواته، منفردة، جيشي اسبانيا وفرنسا مجتمعين. العروي: هل كان بوسعه أن ينتصر بالنهاية؟ بوعبيد: كلا. لو دخل إلى مليلية لكان بإمكانه المقاومة لوقت أطول. كان بإمكانه أيضا ، بدون شك، أن يدخل فاس. لكن حرب عصابات من هذا الحجم لا يمكن أن يتحقق لها النصر دون مساعدة خارجية هامة. العروي: هل كانت آخر سيبة، أو أول حرب تحرير؟ بوعبيد: عبد الكريم حالة متميزة، نسبيا، لأنه كان يعيش تحت السلطة الاسبانية. لم يختزل في الطاعة كما كان الشأن بالنسبة لموحا أوحمو وباقي قادة القبائل الذين كانوا يعيشون على هامش الأراضي التي تمت تهدئتها. معركة الهري، مثلا، كانت عبارة عن فخ نصب للغزاة، أما عبد الكريم فقد استطاع إبعاد الإسبان الذين كانوا مستقرين سلفا. العروي: كيف تفسر الهزيمة النهائية؟ بوعبيد: كان ثمة توزيع لمناطق النفوذ بين القوى الاستعمارية، وانتصار عبد الكريم كان من شأنه أن يعيد النظر في هذا التوزيع. كان الانجليز سيهبون لنجدة الجيش الفرنسي إذا وجد نفسه في ورطة، كما هب الفرنسيون لإنقاذ الإسبان رغم المآخذ التي كانت لهم عليهم. العروي: ماذا كان بوسعك أن تختار ريف حر ومستقل أو مغرب موحد وخاضع للحماية؟ بوعبيد: رغم كل ما قلت أعلاه، كان عبد الكريم فيوداليا. لست مقتنعا بالجمهورية الريفية. ليست سوى كلمة لتغطية بنية جد تقليدية. لو انتصر عبد الكريم، لأسس سلالة جديدة، كما فعل السعديون. العروي: لكن لنتحدث بصفة عامة، هل يمكن أن تعيش جمهورية في المغرب؟ بوعبيد: بكل تأكيد، تستطيع العيش. ——————————————— ——————————————— العروي: كيف تُعرِّف الأمة المغربية، هل تعتقد أن أمة مغربية ووعيا وطنيا مغربيا وجدا على الدوام، كما يؤكد ذلك البعض، أم أنهما ثمرة التاريخ، يولدان في لحظة معينة ويمكن أن يذوبا أو يختفيا يوما ما؟ الفاسي: عبرت عن وجهة نظري بخصوص هذا الموضوع في مقال نشر في مجلة "دراسات متوسطية" قلت إن الوطنية بالنسبة للمغاربة هي بكل بساطة حب فطري يحملونه تجاه الأرض التي ولدوا فيها، والمغمورة بدماء أجدادهم. إنها نوع من التعلق السحري، يمكن مقارنته بما يوجد لدى بعض القبائل الإفريقية. كل مغربي متعلق بقبيلته، لكن جميع المغاربة متعلقون وبنفس القوة بأرضهم المغربية. لا علاقة لهذا بأطروحة الماركسيين التي تربط ميلاد الشعور الوطني بالانتماء لسوق وطني. هذا تأويل مادي لا يرضيني. العروي: هل هكذا تفهم المقاومة القبلية للاختراق الاستعماري. هل لديك نفس الحكم على حرب الريف بقيادة محمد بنعبد الكريم، الذي عرفته في القاهرة؟ الفاسي: ليس ثمة شك في أن عبد الكريم كان رجلا عظيما، لكن طباعه كانت متقلبة ومطبوعة بنوع من الازدواجية. قال لي محمد بنعلال، الذي حارب، رفقة والده، في حرب الريف، إن أسباب الحرب ليست تلك التي تقدم عادة. عبد الكريم بدأ بالوقوف إلى جانب الاسبان، كان يرتدي القبعة ويأكل الخنزير كأي جندي إسباني بما أنه كان يتولى وضيفة قاضي عسكري، في تلك الفترة، جاء المتمرد بوحمارة إلى الريف وكسب تعاطف بعض الأفراد، بينما رفضته أغلبية الساكنة وفاءً للسلطان، رمز وحدة واستقلال البلاد. في تلك الأثناء، كان عبد الكريم يعتبر نفسه من الرعايا الإسبان ولم يكن على علاقة جيدة بوالده. بعد ذلك جاءت الحرب العالمية الأولى. كان الألمان باتفاق مع السلطان السابق مولاي عبد الحفيظ، يسعون لإثارة قلاقل في المنطقة فاستخدموا العتابي وعبد المالك، أما الإسبان الذين كانوا موالين لهم، فكلفوا عبد الكريم بالتوسط بين عبد الملك والألمان الذين كانوا يوفرون أسلحة وتموينا. عندما انتهت الحرب، أنكر الإسبان أية علاقة لهم بهذه القضية وحملو عبد الكريم كامل المسؤولية. ذهبوا إلى حد رميه في السجن ليُظهروا للفرنسيين حسن نيتهم. اعتبر عبد الكريم أنه تلقى أسوأ جزاء على الخدمات التي قدمها للإسبان، هرب من السجن، وتعرض في ذلك لكسر في إحدى رجليه، وقرر الثأر من تلك الخيانة. هذا هو أصل كل القضية الريفية.