منذ الاعلان عن إجراء استفتاء في بريطانيا حول استمرار أو خروج المملكة المتحدة من مجموعة الاتحاد الأوروبي وألمانيا ينتابها قلق كبير من احتمال تصويت البريطانيين لفائدة الخروج. ومن خلال قراءة لخبراء وسياسيين ومسئولين اقتصاديين في ألمانيا حول مغادرة بريطانيا المحتمل للاتحاد، تلتقي الأغلبية على ضرورة استمرار المملكة داخل التكتل لمكانتها وموقعها الهام في أوروبا وفي تحقيق التوازن السياسي والاقتصادي. وكانت المستشارة أنغيلا ميركل ، أول المحذرين من هذا الخروج المحتمل إذ أكدت أن البريطانيين سيخسرون الامتيازات التي تمنحها لهم العضوية في الاتحاد وسيعاملون على أنهم بلد من خارج الكتلة في المفاوضات المستقبلية. وأشارت ميركل إلى أن بريطانيا الصوت القوي داخل الاتحاد ستخسر في حال مغادرتها الامتيازات في التجارة والمصالح المتبادلة المرتبطة بالسوق المشتركة والرخاء المشترك بين دول الاتحاد . نفس الرأي عبر عنه وزير المالية فولفغانغ شويبله ، الذي شدد على أن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سيحرمها من مزايا عضوية السوق الأوروبية الموحدة التي تضمن حرية تنقل الأشخاص والسلع داخل أوروبا . وأكدت أن على البريطانيين إذا اختاروا البقاء بالاتحاد أن يقبلوا بمزاياه وأيضا بعيوبه ، وأن يعلموا أن ثمن خروجهم من الاتحاد سيكون مكلفا لهم " فهو خروج من أكبر منطقة تجارية في العالم بما يحمله ذلك من عواقب على الوظائف وحركة التجارة ". من جهته، اعتبر وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير أن تصويت البريطانيين لصالح الخروج سيكون "صدمة " لأوروبا معتبرا أن ذلك قد يؤدي الى تفكك الاتحاد وانهياره والإجهاز على عملية اندماج دامت لعقود. ويرى أن على الاتحاد بذل جهود كبيرة لضمان تماسكه والحفاظ على التكامل الذي تطلب بناؤه سنوات عدة. ويعتبر المحللون الاقتصاديون أن ألمانيا قلقة من خروج بريطانيا إذ تسعى إلى الحفاظ على التوازن بين مصلحتها الخاصة عبر حماية تجارتها مع بريطانيا وبين المصلحة العامة في حماية المشروع الأوروبي، عبر الحفاظ على السوق الموحدة حيث تستفيد صناعتها من الحدود المفتوحة وحرية تنقل الأشخاص والسلع والخدمات. كما أن ألمانيا تعد أكبر شريك تجاري لبريطانيا في الاتحاد وتعتبر البريطانيين محركا قويا للسوق الداخلية في الفضاء الأوروبي وفي حرية التجارة وأنهم يتميزون بدبلوماسية جيدة ولهم جيش قوي. ويرى الخبراء أيضا أن برلين ولندن متقاربتان ويجمعهما تحالف طبيعي ويشكلان قيادتين هامتين في شمال أوروبا إلا أنه بعد أزمة اللاجئين برز اختلاف في المواقف خاصة بين ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ، إذ دعت ميركل في بداية تدفق اللاجئين إلى نهج سياسة الأبواب المفتوحة فيما عبر كاميرون عن رفضه الكامل لعبورهم مرفأ كالي للوصول إلى بريطانيا. ورغم ذلك ظلت ألمانيا متشبثة بحليفتها بريطانيا وبضرورة استمرارها في الكتلة الأوروبية ، وهو ما أكدته العديد من الدراسات من ضمنها دراسة للمركز الألماني لأبحاث الاقتصاد الأوروبي ، الذي توصل إلى أن خروج المملكة ستكون له تداعيات سلبية على اقتصادها وعلى اقتصاد الاتحاد أيضا. وذكر المركز أن أهمية بريطانيا تكمن في موقعها داخل الكتلة إذ أن سكانها يمثلون نسبة 13 في المائة من سكان أوروبا كما أنها تمثل نسبة 17 في المائة من القوة الاقتصادية للقارة. وحتى المواطنون الألمان كان لهم رأي في الموضوع إذ عبر 78 في المائة ممن شاركوا في استطلاع للرأي أجري حديثا عن رغبتهم في بقاء بريطانيا داخل الاتحاد، وهي أعلى نسبة بالمقارنة مع خمس دول أوروبية أخرى بما في ذلك بريطانيا. ورغم هذا القلق في ألمانيا إلا أن هناك بالمقابل فريق سيكون مرتاحا إذا أسفرت نتائج تصويت البريطانيين عن خروج بلادهم من الاتحاد وسيشكل فرصة ذهبية له لإثارة النقاش حول مستقبل أوروبا ، هذا الفريق يمثله حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للأورو وأنصاره المشككين في فعالية الاتحاد الأوروبي.