بتاريخ 05/06/2018، و في العهد الجديد، و في شهر رمضان، كنت أنا و زميلة لي في العمل، نتواجد بمنزل في مدينة الرباط لنتفاجأ ب"البوليس" الذين تجاوز عددهم أكثر من عشرة أفراد، يحاولون اقتحام المنزل، و لهول الصدمة، و بما أننا لا نعرف ما الذي كان يحدث خلف الباب، و جراء ماتعرضنا له من تعذيب نفسي من خلال المطاردات البوليسية قررنا أنا و زميلتي ألا نفتح باب الشقة انزوينا في إحدى غرفها، في الوقت الذي كانت تصلنا أصداء و أصوات "البوليس" من خلف الباب، و هم يهددوننا بقطع الماء و التيار الكهربائي عن المنزل، و قد تم ذلك. بعد 10 دقائق نتفاجأ بأن شخصا نجح في فتح الباب بدون عنف ولا قوة، إذ أحضروا صانعا للمفتاح أشرف على عملية فتح الباب بطريقة غير قانونية، ما مكنهم من ولوج المنزل، و بما أنهم قطعو التيار الكهربائي أصبح المنزل معتما، ما جعلهم يستعينوا ب"بروجيكطورات" الكاميرات و هم يحاولون إحضارنا بالقوة و إخراجنا من المنزل بأية طريقة، و من هول الصدمة مرة أخرى، أغمي على زميلتي و جهشت بالبكاء. وضع زميلتي أربك "جيش" البوليس، مما اضطرهم إلى استدعاء سيارة إسعاف على الفور، حينها طلبت منهم أن أرافقها إلى المستشفى، لأكون بجانبها و مساعدتها أو لأن أتصل بعائلتها، لكن شخصا قصير القامة جدا، يدعى "الرئيس" هكذا سمعت رجال الأمن ينادونه، انتفض في وجهي كالبركان قائلا: "نتي بالضبط غاتمشي فالواشمة…"، و كما يعرف المغاربة جميعا أن الواشمة يقصد بها في لغة "البوليس" "الصطافيط". صعدت "الصطافيط" فعلا في اتجاه ولاية أمن الرباط، بعد محاولات متعددة لاستلام مفاتيح الشقة التي كنا فيها، و التي كان الهدف من استلامي لها إخفاء جريمة اقتحام المنزل عن طريق صانع المفاتيح و أنني أنا التي فتحت الباب طواعية. منتصف الليل لنفس اليوم: وصلت باب محكمة الإستئناف بمدينة الدارالبيضاء، أمام جحافل من صحافة التشهير التي كانت لديها تعليمات بأن يتم تصوير إحضارنا بالقوة خارج القانون، و في انتهاك جسيم لحرمة الدستور، لكن لم يكن يهمهم هذا فلقد كان في ذلك إشارة مباشرة لكل النساء اللائي سيرفضن أن يتم اقحامهن في قضايا إعدام الأقلام الحرة و الشخصيات السياسية المعارضة منها، و ربما الغير معارضة مستقبلا. ولجت قلب المحكمة لأجد في انتظاري "اليوسفي قدور" ، أقصد القاضي المعزول محمد الهيني، شابكا يديه وراء ظهره و عيناه تشعان فرحا و سرورا بهذا الخرق السافر الذي طال امرئتين من هذا الشعب الجريح، و زملائه الذين لم يتوانو بنعتي بشاهدة الزور و العاهرة و هذا كله كان نتيجة أني رفضت أن أكون ضحية من ضحايا الصحفي "توفيق بوعشرين" المفترضات. دخلت القاعة لأتحول إلى شاهدة بأمر من رئيس الجلسة و الذي حذف صفة الضحية عني و ألبسني رداء شاهدة، لينهض ممثل النيابة العامة من مقعده مخاطبا القاعة: هادي شاهدة الزور.. أنا شاهدة الزور لأنني طعنت في محضر الفرقة الوطنية وأنا شاهدة الزور لأنني خرجت عن الإجماع و لأنني رفضت أن تنسب إلي أقوال لم تأت على لساني. هذه ليلة واحدة من ليال عشتها خلال محاكمة القرن و التي عاش مثيلاتها في سياق آخر صديقي الصحفي المعتقل سياسيا و تعسفيا سليمان الريسوني و عاشها الصحفي المعتقل سياسيا و تعسفيا أيضا عمر الراضي و الأكاديمي الأستاذ المعتقل سياسيا و تعسفيا المعطي منجب. كتبت هذا النص تفاعلا مع اعترافات المعتقل السياسي المغربي السابق جمال بن عمر الذي نزلت كلماته كالصخر على عظامنا و يالتطابق معاناته مع معاناتنا، بالإضافة إلى تصريح الأستاذ محمد الساسي الذي عبر لنا عن إحباطه التام على الضمانات التي كان يحاول اليسار بمعتقليه أن ينتزعه من أدراج النظام السياسي. إنه مهما طال الزمن لا يسامح المظلوم ظالمه و إن السجن وصمة عار على جبين السجان ، و أمارة على جسد الجلاد. صحافة في السجون، متظاهرون في السجون، مدونون في السجون، و أنا في المنفى.