على المرء أن يفكر في أن يدلي في كتاباته بالإعتراف، وليكن اعترافه فضيلة تبيح له قول الأفعال التي يراها جميلة أو تحسن من صورته أمام الناس، إذ لا يجدي بأي حال من الأحوال أن يعترف المرء بسلوك شيطاني سلكه في حياته أو يعترف بذنب يؤجج النار في من حوله ليرضي هو ضميره، أو ليقلد نفسه نياشين البطولة في الصراحة والجرأة… ولا بد أنك كغيرك من الناس قد تعرضت إلى الكثير من الألم والحزن، وجابهت الكثير الصدمات التي كلما تذكرتها أدمت قلبك وجعلته ينزف من جديد… وقد تجده أمراً غير مبالغ فيه إذا قلت بأن الأوجاع التي يسببها لك من تحب هي أحب الأوجاع لقلبك، ألا تراه لا ينفك ينساها حتى يذكرها من جديد ! أليس هذا حباً، ولو كان بتقبل وتذكر الجرح ! وقد تجده وإن جاز لك أن تسميه اعترافاً، هو أن هذا القلب لم يقدر على إخراج من دخله وعاث فيه فساداً، لقد كان عجزه عن نسيان من أحب أعظم بكثير من عجزه عن نسيان تلك الإساءة التي أتت ممن يحب، وأن كل ساعات الظلام التي عاشها تتلاشى بمجرد أن يمر من يحب مبتسماً ولو في خيال الذاكرة، ولا أدري هل حدث وأن اتهم أحدهم ذاكرته بالعبثية أو بالكذب! أجل سمعتهم مرة يقولون في الذاكرة الإنتقائية، وهي أن تتمسك الذاكرة بما تحب وتدع ما لا تحب، لكن ما يجوب في القلب ليس من باب الإنتقائية فنقاء قلبك لم يترك مساحة لما لا يُحب بعدما أحب البستان بوروده وأشواكه، فتساوى عنده الجرح بالطيب، وتساوى عنده الحضور بالمغيب، وتراك تخاطب نفسك قائلاً بأنك تتوقع دائماً الأسوء، وبالرغم من هذا لا يفاجئك الأسوء إذا وقع، بل ما يقع في نظرك هو الأحسن والأفضل على الإطلاق، وإن أبدى الناس من حولك عكس ذلك، وإن نظروا إليك نظرة تتهمك بالبرود المطلق وبالجمود الجامح، إلى أنك راض عن أي مصير متقبل أي حدث… وللإشارة فبعض منشورات هذا العالم الأزرق كالدواء الذي يذهب العلة، ويعيد للبدن قوته ومناعته من بعد ضعف ووهن، وكما أن بعض الدواء لا يصلح أن يعطى لأي مريض، فكذلك المنشورات لا تصح أن توصف لأي قارىء، لو عالج الطبيب جميع المرضى بنفس الدواء لمات معظمهم… ولا يتوجب على كل من قرأ منشوراً أن يتجرعه، إلا بعد أن يتأكد من أنه الدواء المناسب الذي يصح به العقل، ويتفتح به الفكر، وتنضج به المعاني، عندها فقط يحق له شرب هذا الدواء، واثقاً من نيل المنفعة وتمام الشفاء.