لقد شكلت الدورة الحادية عشرة للمنتدى العالمي للجهات الذي نظمته منظمة الجهات المتحدة ORU-FOGARبشراكة مع مجلس جهة الرباطسلاالقنيطرة، أيام الإثنين والثلاثاء 22 و23 أكتوبر الماضي بالرباط، مناسبة لمناقشة عدد من القضايا، التي تهم الجهات على المستوى الدولي، وعلى رأسها الأجندات الثلاث المتعلقة باتفاقية باريس للمناخ، وأهداف التنمية المستدامة 2030، والأجندة الحضرية الجديدة. وفرصة لإثارة النقاش حول مسألة الجهوية بالمغرب وباقي دول شمال إفريقيا ، وإعادة السؤال عن أي جهوية نريد؟ وكان اللقاء مناسبة أيضا لتسليم نسخة من “ميثاق تمازغا من أجل كونفدرالية ديمقراطية واجتماعية عابرة للحدود، مبنية على الحق في الحكم الذاتي للجهات”، الذي يتضمن تصور التجمع العالمي الأمازيغي لنظام فيدرالي محكم بشمال إفريقيا، إلى رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، ونسخة إلى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نزار بركة، ونسخة أخرى للصديق كارلوس يورانس، الكاتب العام لمنظمة الجهات المتحدة. وبالمناسبة فقد كان لصديق الأمازيغ كارلوس يورانس، الفضل في مشا ركة المؤتمر الذي نظمناه حول الجهوية السياسية بمدينة الحسيمة سنة 2008، والذي حضر فيه إلى جانب كارلوس، الصديق الكتلاني، جوان تارذا، المعروف بإسهاماته في ملف الغازات السامة، وملف الاستقلال الذاتي للجهات في جميع أنحاء شمال إفريقيا، كما أنه وجه مؤخرا سؤالا للرئيس الإسباني حول حراك الريف. وتتضمن هذه الوثيقة السياسية المشروع المجتمعي لشمال إفريقيا، الذي اعتمد من طرف "التجمع العالمي الأمازيغي" المجتمع في الملتقى العام التأسيسي ببروكسيل في ديسمبر 2011، والذي تمت الموافقة عليه في المؤتمر السابع لأمازيغ العالم بتيزنيت في ديسمبر 2013، كما أعيد النقاش عليه في مؤتمر إفران أواخر نونبر 2015. ويهدف هذا المشروع لإيلاء أهمية أكبر لسياسة التسيير الإداري الذاتي للجهات، والمعروفة باسم الديمقراطية التشاركية، وذلك باعتماد حكم ذاتي في جميع جهات تمازغا، مع احترام الحدود السياسية لكل دولة، سيرا في ذلك على نهج الاتحاد الأوروبي الذي يضمن لمواطنيه حرية التنقل والاشتغال في جميع دول الاتحاد. فبخلاف الاتحاد الأوروبي الذي يستمد قوته من 27 دولة، تشكل قوة اقتصادية وبشرية كبيرة، تقوم دول شمال إفريقيا المتشبعة في غالبيتها بالقومية العربية، بتشديد القبضة على الحدود السياسية الوهمية التي وضعها الاستعمار، بطريقة جيومترية، في إقصاء تام للمعطيات القبلية والعلاقات الإنسانية المشتركة بين شعوب بلدان شمال إفريقيا. بل أكثر من ذلك وصل الأمر بدولة الجزائر الجارة لتأييد قيام كياني بعثي عروبي على أرض شمال إفريقيا بالجنوب المغربي، مع العلم أن هذه العقلية البعثية للقومية العربية خلقت العديد من العراقيل للتنمية بالمنطقة في جميع مستوياتها، لا البشرية لا الثقافية ولا الاقتصادية، وهكذا ظل الاتحاد الأوروبي ينمو ويتطور أكثر فأكثر، مقابل تخلف بلدان شمال إفريقيا وتقهقرها، ودخول أبنائها في حروب أهلية، كما هو عليه الحال في ليبيا. وقد أدى هذا التباين الاقتصادي والاجتماعي بين ضفتي المتوسط، بكثير من سكان شمال إفريقيا إلى الهجرة بحثا عن شروط حياة أفضل، وذلك بالرغم من الثروات الهائلة التي تتوفر عليها بلدان هذه المنطقة، والتي باستطاعتها، إذا ما تم ترشيد استغلالها، أن تحقق إقلاعا إقتصاديا حقيقيا، ليس على مستوى شمال إفريقيا فحسب، وإنما على مستوى القارة الإفريقية بأكملها. إلا أن ذلك لا يمكن تحقيقه في ظل هذه الأنظمة المركزية، اليعقوبية، التي تحكم بلدان شمال إفريقيا، بل ولتحقيق ذلك يجب تمتيع كل جهة بحكمها الذاتي، وأحسن مثال على ذلك نموذج الجهوية السياسية الألمانية، كما كان قد أشار إلى ذلك الملك الراحل الحسن الثاني، حيث عرفت ألمانيا تقدما كبيرا على مستوى الديمقراطية التشاركية، والإشراك الفعلي للمواطنين في تدبير أمورهم. ومن أمثلة ذلك أيضا، النموذج البلجيكي، هذه الدولة التي عرفت في فترة سابقة عجزا عن تشكيل حكومة وطنية بسبب خلافات حزبية، إلى أن ذلك لم يأد إلى توقف المصالح الحيوية للدولة، وذلك بفضل نظامها السياسي المبني على الحكم الذاتي للجهات، حيث ظلت الحكومات الجهوية تدبر شؤون المواطنين في جميع المجالات. وكذلك مثال الدولة الإسبانية، التي كانت إلى عهد قريب في وضعية ليست أفضل من المغرب، أيام حكم الجنرال فرانكو، إلا أنه بفضل الديمقراطية التي دافع عنها المواطنون الإسبان، وانتزاعهم لدستور ديمقراطي يضمن للجهات تسيير أمورها بنفسها، وتشكيل حكومات جهوية، حققت هذه الدولة الجارة قفزة تنموية كبيرة في كل المجالات. إن فكرة الحكم الذاتي هذه ليست وليدة اليوم، وإنما هو مطلب ظل الأمازيغ يدافعون عنه لعقود، ففي حوار لي مع جريدة “العصر”، يعود لسنة 2002، قلت بضرورة تحقيق الحكم الذاتي للجهات الأمازيغوفونية، وهو المطلب الذي تبناه تنظيم التجمع العالمي الأمازيغي، الذي كان يسمى آنذاك، “الكونغريس العالمي الأمازيغي”، في مجلسه الفيدرالي، أبريل 2002. ويستند مشروع “التجمع العالمي الأمازيغي” بخصوص الحكم الذاتي للجهات بشمال إفريقيا، إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك على إعلان الأممالمتحدة لحقوق الشعوب الأصلية، الذي ينص على أنه يحق للشعوب الأصلية أن تحكم نفسها بنفسها وأن تكون لها استقلالية سياسية، في إطار فيدرالي يراعي الفصل 48 الذي يمنع المساس بالحدود السياسية بين الدول. ويستند هذا التصور الفيدرالي للتجمع العالمي الأمازيغي، أيضا على الموروث المشترك لقبائل شمال إفريقيا، التي كانت تنتظم على شكل كونفدراليات للقبائل، بحيث كان لكل واحدة من هذه الكونفدراليات “إزرفان” أو قوانين خاصة بها، وصلت حدة الاستقلالية الذاتية حتى في القضاء. ونجد أنه حتى عندما أرغم المقاوم الأمازيغي عسو بسلام من كونفدرالية قبائل آيت عطا على الاستسلام للمستعمر الفرنسي، وضع كشرط لذلك احترام الأعراف التي كانت تحكم بها القبائل الأمازيغية نفسها بنفسها، حيث أن هذه الأعراف الأمازيغية تبقى صالحة إلى اليوم، مع إدخال بعض التعديلات من أجل مواكبتها لمستجدات عصرنا الحالي. “ويستند ميثاق تامزغا على المعاش التاريخي للمجتمعات الأمازيغية وإرثها الجماعي. وإدراكا منها لتراثها الروحي والأخلاقي والديني والثقافي، فضلا عن ما يميزها من تعدد وتنوع ووحدة حتمية، فإن حركة تامازغا تستند على القيم الكونية للكرامة الإنسانية والحرية والمساواة والتضامن التي لا تقبل التجزؤ، كما تستند على مبدأ الديمقراطية التشاركية الفعالة والحقيقية، وعلى مبدأ تكريس واحترام سيادة القانون. إن حركة تامزغا تضع الفرد في صلب عملها لإرساء مواطنة تامزغا والعمل من أجل بناء فضاء للحرية، والتعايش، والسلم والتسامح والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها” . *رئيس التجمع العالمي الأمازيغي