خلق الله سبحانه الانسان على الفطرة ، وخلقه في احسن تقويم، اي ، ان الانسان خلق على الصراط المستقيم ، والطريق الصحيح ، وخلق كاملا متكاملا ، ولكن في نقص ، لانه مخلوق مفعول به وفيه ، بالتالي يتفرد الله بالكمال المطلق ، بينما المخلوق/ الانسان يكمل في نقصانه. ياتي نقصان الانسان في مقارنته مع الخالق ، ويظهر كماله في مقابل باقي المخلوقات ، ولعل اهم واسمى ميزة ترقى به الى حسن التقويم هي العقل ، ولهذا فالله سبحانه يخاطب في الانسان تلك الميزة لا غير…. للعقل مدخلات ومخرجات ، بالتالي يتعامل الخطاب القراني في كثير من صيغه مع مدخلات العقل ، السمع والبصر والاحساس، ذلك من اجل محاورة الانسان والتواصل معه ، ويخاطب مخرجاته التي تتاسس على مدى وكيفية استثمار المدخلات. دعونا فقط نشير الى ان العقل غير الدماغ ، وليس موطنه بالضرورة في الدماغ ، انما تظهر تجلياته في كل جوارح الانسان. ولعل البصيرة اجل واوسع من العقل ، مقرها القلب ، وهي قبس من نور تسري اشعته في سمت العقل فيستنير بها الدماغ ، ذلك المحرك المحلل المنفذ ، ليس الا… الحديث هنا عن كل ، وعن جوهر، الكل هنا هو الدماغ، ولكن جوهره هي البصيرة. اذن ، كيف نسمح لانفسنا بالتواصل مع غير البصيرة ؟ اطرق باب البصيرة ليفتح ، وساهم في منعها من ان تصاب بالعمى فتقفل ، بالتالي ، لن تستطيع ان تبرمج المنفذ / الدماغ على فعل الصواب ، هذا الصواب ، تختلف اوزانه واوتاره وفق ما يعتبره العقل صائبا. سبيل نجاح الانسان مع العقل ، ومن خلاله مع البصيرة ، استعمال الحكمة ، هي راس مال كل متواصل ، من تجلياتها ، الكلمة الطيبة. الكلمة لها وزنها الكبير والقوي في تحديد مصائر الناس والعالم ، بالكلمة يعلو قوم وينخفض اخرون، بها يرقى الانسان للجنة او يهوي لقعر النار ، بها تجمع وتفرق ، بها تقام الحروب والهدنة ، بها يحقق السلام وينشر . اكاد اقول ، على الكلمة وبالكلمة تدور الدوائر . ولو قدر الانسان الكلمة حق قدرها ، لكان يتكلم قليلا ويصمت طويلا ، ولهذا نجد الحكماء كثيري الصمت ، وان تحدثوا او نطقوا ، اتوا بمجامع الكلام. في القول كفاية ، وفي الصمت بداية ، فهل الصمت سكوت عن الكلام المباح ، ام هو حياة تتفاعل بها ” حويسيات ” العقل ؟ الا يمكن اعتبار الصمت موت ونهاية وتوقف عن الفاعلية؟ ام انه بداية بناء وتفكر وتامل ، يضع صاحبة فوق المجهر لا تحته ؟ أحمد بوستة، حوار الداخل، البصيرة. ابن جرير في 19 غشت 2018