أنا لا أسترحمكم … لا أستذر الدموع من عيونكم … ولا أخاطب فيكم قلوبكم… لقد ترهلت قلوبُكم… جفت دموعُكم وماتت الأحاسيس الجميلة غضة بين جوانحكم. لقد تعلمت في مدرسة الدهر ،لوحدي، دروسا كثيرة.وتعلمت في كتاب مأساتي حكما و كلمات بليغة ،تغنيني عن سفسطاتكم وثرثراتكم في النوادي والصالونات على الأرائك المخملية،تجترون نفس الأسطوانات المشروخة،وترددون كلاما لا ينطلي إلا على السذج الذين لم يختبروا بعد هذه الحياة… تعلمت أن المجتمع قليلا ما يرحم المهمشين والمستضعفين والعوانس والقاصرات والسائرات على درب الفقر والكدح وغير المحظوظين.وهذا المجتمع نفسه،بكل فئاته،يثني على من بيدهم القوة بكل أصنافها.. يثني على ذوي المال والنفوذ حتى وهم يمتصون دماءه،ويثني على كثير من الساسة الأغبياء وهم يحتقرون ذكاءه،ويثني على تجار السوق السوداء،أولئك الذين يتاجرون في كل أصناف المحرمات بدءا بالمخدّْرات ( بالدال مكسورة )وليس انتهاء ببنات جنسي المخدَّرات ( بالدال منصوبة). هذا المجتمع الذي لا يرحم ولا يعرف إلا الخضوع للأقوياء،لا يكف فقهاؤه ووعاظه عن جلدي كل يوم ومن كل المواقع بخطبهم التي تحمل بين طياتها كثيرا من التحقير ولا تدل على حل حقيقي لمأساتي ،أنا والآلاف من الغارقات في بحر اليأس من بنات حواء .وحين يسكت الخطباء والوعاظ، تنطلق ألسنة المتخصصين وأشباه المتعلمين ،يناقشون مواضيع تهمنا نحن ،لكنهم يفعلون ذلك ببرودة وحياد قاتل.يرددون كلاما قرؤوه بين طيات الكتب،ويتحدثون عن نظريات وحلول معلقة في الهواء.يفعلون ذلك بشكل آلي كأنهم يتحدثون عن طيور البطريق في القطب الشمالي، أو عن الفيلة في طريقها للانقراض في أدغال إفريقيا.أما الساسة فربما طلبوا،في غمرة حملاتهم الانتخابية،أصواتنا كي يصلوا إلى قبة البرلمان،لكنهم أبدا لا يسمعون أصواتنا التي تختنق كل يوم تحت ضغط النظرات ولسعة الكلمات القاسية. لا أسترحمكم … لا أطلب الدخول إلى الجنة بشراء صكوك الغفران من حوارييكم … ولا أدوس على كرامتي تحببا لكبرائكم وسياسييكم وعلية القوم بينكم. ولكن تعلموا فقط ،إذا ما يوما في شأني تكلمتم،أن تزنوا بميزان الذهب كلامكم.تعلموا أن تعدوا بدقة كل كلماتكم ومفرداتكم.تعلموا أن القواميس الجامدة لا تسعفكم.وأن الخطب الجافة ،في عيني ،لا ترفعكم.وأن العبارات المسكوكة والممجوجة من كثرة ما رددتموها دون تمحيص لا تخفي جهالتكم،ولا تستر عوراتكم. تعلموا بكل أدب وتواضع أن جراحاتي ،التي تنزف صباحا ومساء،لا تصلح حبرا لتدبيج مقالاتكم.وأن آهاتي في السر والعلن لا تستقيم ألحانا في مقطوعات أغانيكم وتراتيلكم.وأن دموعي تروي ظمأ الأرض العطشى،لكنها لا تلامس نخوتكم ،ولا تحرك يوما مشاعركم ،ولا تدغدغ أبدا عواطفكم. شكرا لكم،لا أستجدي حلولا على مقاس نظرياتكم البهلوانية .ولا أنتظر فتوحات على صهوات جيادكم المهجنة.أنا أواجه قدري بشرف ، أواجه مصيري ولا أنخدع بكل مظاهر الجاه بين أيديكم .. وزيف الترف.