كثيرة هي التعليمات الرسمية الواردة في مذكرات وزارية التي تعطل بالرغم من أنها نصوص تنظيمية ملزمة وواجبة التنفيذ دون أن يساءل أو يحاسب من يعطلها . وسأنشر سلسلة مقالات تكشف النقاب عن بعض تلك التعليمات والإجراءات التي صارت في خبر كان كما يقال مع أن المذكرات الوزارية التي تضمنتها لا زالت سارية المفعول لم تحين أو تعوض، ولم تلغ عسى أن يلتفت إليها المسؤولون خصوصا في ظرف تنزيل خطة الإصلاح . وأول مذكرة وزارية سأقف عند مقتضياتها المعطلة المذكرة رقم 86 الصادرة بتاريخ 29/05/1986عن مدير التعليم الثانوي بتفويض من وزير التربية الوطنية ، وهي في موضوع التفتيش التربوي، علما بأنه لم يصدر ما يحينها أو يعوضها أو يلغيها وهي التي ألغت المذكرة رقم 173 الصادرة بتاريخ 10/09/1976 في نفس الموضوع . وتتضمن المذكرة في تصديرها اعترافا بالدور الفعال للتفتيش التربوي ، وهو دور لم تعد جهات كثيرة تكترث به أو تقر بأهميته بل صار التفتيش التربوي عرضة لتجاسر البعض . ومن الإجراءات الواردة في هذه المذكرة والتي تم تعطيلها ما يتعلق بطريقة تكليف المفتشين منسقي المواد في التعليم الثانوي الذين كانوا يكلفون من طرف المصالح المركزية فتخلت عن ذلك وعاد أمر التكليف بالتنسيق الجهوي إلى المفتشين فيما بينهم ، يتراوح بين تكليف على أساس التراضي أو الانتخاب وبين تمريره من سابق للاحق أو حتى تنصيب البعض نفسه منسقا أمام صمت زملائه إما زهدا في التنسيق أو تجنبا للخلاف أو حسما له علما بأن التكليف الذي كانت تقوم به المصالح المركزية كان يعتمد معايير معينة لم تعد تراعى حين صار التكليف بالتنسيق محض مجاملة أو تهافت عليه من طرف البعض .وكان الأجدر بالوزارة أن تعيد للتنسيق اعتباره كما كان وما أظنها فاعلة وهي التي ألغت تنسيق التفتيش التربوي المركزي في إطار الإجهاز على هذا الجهاز الذي ظل متشبثا بضرورة استقلاليته على غرار استقلالية القضاء ليمارس مهمة حماية وصيانة للمنظومة التربوية التي قد يكون سبب اختلالها وفشلها سوء تدبير مسؤولين لا ترضيهم فكرة استقلالية جهاز التفتيش الذي يراد له أن يكون مجرد تابع ينفذ التعليمات حتى لو كانت لغير صالح المنظومة التربوية . ومن الإجراءات المعطلة تنصيص المذكرة على إسناد توحيد طرق التفتيش للمنسقين الشيء الذي جعل كل مفتش يمارس مهامه وفق تصوره الخاص ودون الاحتكام للجان التنسيق . ومن المهام المعطلة للمفتش المنسق توحيد عمل المرشدين علما بأن الإرشاد نفسه صار معطلا مع أن النصوص المنظمة له لا زالت سارية المفعول . ومن الإجراءات المعطلة بالنسبة للمنسقين والمنصوص عليها في هذه المذكرة أيضا إسناد توحيد منهجية تدريس المواد لهم في المؤسسات ومراكز التكوين. ومن الإجراءات المعطلة أيضا بالنسبة للمنسقين تنصيص المذكرة على مشاركتهم في لجان حركة رجال التعليم وهي مشاركة لم يعد لها أثر . ومن الإجراءات المعطلة أيضا بالنسبة للمنسقين تأطير الطلبة المفتشين في تداريبهم الميدانية ، وكذا تأطير المفتشين الجدد ومصاحبتهم عند الاقتضاء ومراقبة التقارير التي ينجزونها خلال عامهم الأول . ولم أكن شخصيا أتوقع أن يحدث في يوم من الأيام ما حدث في الجهة الشرقية حيث قام مفتش جديد خلال سنته الأولى من التفتيش بتأطير طالب مفتش في تدريبه الميداني بالرغم من وجود مفتش منسق ، ولم يبد المفتش الحديث عهد بالتفتيش أدنى إشارة تدل على ندمه على ما صدر منه من تطاول على مهمة ليست من اختصاصه بل صدر منه ما يشي بالتطاول على زملائه الذين يفوقونه خبرة وأقدمية . ومن الإجراءات المعطلة أيضا بالنسبة للمنسقين تنصيص المذكرة الوزارية على دورهم في استعمال الأساتذة على الوجه الأصلح وتكوينهم وإعادة تكوينهم حيث لم يعد المنسقون يستشارون إطلاقا في استعمال الأساتذة على الوجه الأصلح خصوصا في زمن صار استعمالهم الغالب هو الاستعمال على الوجه الأطلح بما في ذلك تشغيلهم في غير أسلاكهم وفي غير مواد تخصصهم وبعد طول عهدهم بتدريس موادهم وسادت فكرة ما يسمى بالمواد المتجانسة أو المتآخية والحقيقة أنه لا إخاء ولا تجانس بل الشام شام والعراق عراق كما يقال عند أهل الاختصاص إلا أن الشام قد يصير عراقا عند غير أهل الاختصاص الذين لا يخبرون الشأن التربوي الخبرة المطلوبة . ومن الإجراءات المعطلة بالنسبة للتفتيش التربوي تنصيص المذكرة على صلاحية المفتشين في البث في عدد الحصص اللازمة لكل فئة من فئات المدرسين ، وفي كيفية توزيعها على أيام الأسبوع ، وفي توزيع الأقسام بين المدرسين ، إلا أن هذه الإجراءات صار بعض رؤساء المؤسسات ينفردون بممارستها وكأنها ليست من اختصاص المفتشين وفق منطوق مذكرة التفتيش التربوي المشار إليها أعلاه والتي لم يصدر ما ينسخها لحد الساعة . والملاحظ أن تعطيل إجراءات هذه المذكرة يلحق ضررا كبيرا بالمنظومة التربوية ، فهل ستلتفت الوزارة إلى هذا الأمر وتتداركه في غمرة ما تتوخاه من إصلاح للمنظومة التربوية ؟