مرة أخرى أثبتت سياسة ريال مدريد فشلها، وخرج فريق الملكي خالي الوفاض للموسم الثاني على التوالي. فعندما أتى فلورنتينو بيريز الرئيس "الخارق" على رأس إدارة ريال مدريد لولاية ثانية له خلفاً لكالديرون صيف العالم الماضي، ووعد بتأسيس مجرة نجوم أخرى على غرار تلك التي أسسها هو وضمت زيدان وفيغو ورونالدو وبيكهام يوم أن كان رئيساً في السابق، استبشر كل مشجعي الملكي خيراً بعد أن أتاهم بيريز بكوكبة نجوم على رأسهم أفضل لاعب في العالم لعام 2008 البرتغالي "الفذ" كريستيانو رونالدو، بالإضافة لصانع الألعاب البرازيلي المتألق وأفضل لاعب في العالم 2007 ريكاردو كاكا. إلا أن سياسة النادي الملكي بتجميع النجوم أثبتت فشلها مرة أخرى إذ لم يظهر الفريق بالمستوى الراقي المنتظر منه، فحل ثانياً في الدوري خلف غريمه الأبدي برشلونة، وخرج من كأس الملك على يد فريق ألكوركون من الدرجة الثالثة بنتيجة مذلة، أضف إلى كل ذلك خروجه من المسابقة الأحب على قلبه وهي دوري أبطال أوروبا من الدور الثاني والذي لم يتخطاه الفريق الملكي منذ عام 2003، علماً بأن النهائي هذه السنة أقيم على أرض ملعب سانتياغو برنابيو في مدريد وهو ما كان يتمناه الريال ليخوض النهائي على أرضه وأمام جماهيره. إذاً في ظل وجود كل النجوم المدعمة بها صفوف الفريق الملكي والتي دفع بها ريال مدريد ما يزيد عن 240 مليون يورو بغية تحسين نتائج الفريق وهو الشيء الذي لم يحدث، لا بد لنا من السؤال: "ما الذي يحصل داخل النادي الملكي وكيف يتم حل هذه المعضلة التي يمر بها الريال منذ سنوات خلت؟ المعضلة هي السياسات الفاشلة والطرق الغير سليمة التي يدار بها النادي، والحل هو بتكوين نهج فكري جديد في الإدارة يقوم على تفادي أخطاء الماضي ويرقى بالنادي إلى المرتبة التي يريدها هو ومشجعوه في كافة أصقاع المعمورة. وفيما يلي سنلقي الضوء على بعض النقاط الخاطئة والسياسات الفاشلة التي وقعت ضحيتها إدارة النادي الملكي على مدار حوالي 8 سنوات. عدم تخريج المواهب إحدى أكبر مشاكل النادي الملكي هي عدم قدرته على تخريج لاعبين شبان على أعلى مستوى من خلال مدارسه الكروية التي تهتم بالجيل الصاعد، فقد توقف الريال عن إنتاج لاعبين نجوم منذ قائده راوول غونزاليس وصانع الألعاب الموهوب خوسيه ماريا غوتييريز "غوتي"، الذين كانا آخر لاعبين بارزين تخرجهم مدرسة النادي الملكي الكروية. حتى أن الريال يقع بأخطاء كثيرة في هذا المجال، ففي حال بروز لاعب يقوم الريال ببيعه بدل الاستفادة منه ونذكر على سبيل المثال خوان ماتا الذي يلعب لفالنسيا وألفارو نيغريدو مهاجم إشبيلية فهذان اللاعبان هما من ناشئي ريال مدريد لكن النادي تخلى عنهم، فسياسة النادي الملكي العريضة تقوم على شراء اللاعبين من الأندية الأخرى، فكل لاعب بارز يطمح الريال لضمه دونما تفكير بأنه ليس من الضروري أن يبرز في مدريد في ظل كثرة اللاعبين الموهوبين في صفوف الفريق. وفي هذا المجال لا بد لنا من إجراء مقارنة بسيطة بين الريال وبرشلونة لنوضح كيف أن سياسة برشلونة في هذا المجال هي الأفضل، إذ أن تشكيلة برشلونة الحالية والتي اعتبرها الكثيرون من نقاد الكرة أهم تشكيلة لاعبين في تاريخ النادي الكاتالوني والتي جلبت الأمجاد للنادي العام الفائت بإحراز سداسية ألقاب تاريخية، هي بمعظمها من لاعبي النادي. فمدرسة برشلونة الكروية هي التي خرّجت هؤلاء اللاعبين المميزين أمثال الحارس المتألق فيكتور فالديس والقائد كارليس بويول بالإضافة لجيرارد بيكيه في الدفاع، ثم هناك سيرجيو بوسكيتس و"الفنان" تشافي هرنانديز والمميز أندريس إنييستا في الوسط، وفي الهجوم يأتيك كل من اللاعب الهداف بيدرو رودريغيز والموهوب بويان كيركيتش بالإضافة للظاهرة الأرجنتينية ليونيل ميسي الذي أتى من الأرجنتين وهو ولد صغير فتبناه برشلونة وقام بالاهتمام به وبمشاكله الصحية التي كان يعاني منها ليصنع منه نجم متلألئ في سماء الكرة العالمية. إذاً هذه نقطة هامة تحتاج لإعادة النظر فيها من قبل النادي الملكي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن حالة الاستقرار في إدارة وسياسات نادي برشلونة لم تنسحب فقط على كرة القدم بل تعدت ذلك إلى ألقاب وبطولات في كرة السلة وكرة اليد أيضاً. تبديل المدربين وعدم الاستقرار الخطأ الثاني التي تقع فيه إدارة النادي الملكي هو سياسة تبديل المدربين وبكثرة مما يخلق حالة من عدم الاستقرار في النادي. فالنادي الملكي بدّل منذ آخر مدرب ناجح مع الفريق وهو فيسينتي دل بوسكي حتى اليوم 10 مدربين مختلفين، والمفارقة أن أغلب هؤلاء المدربين تم الاستغناء عنهم في أيام الرئيس الحالي للنادي فلورنتينو بيريز الذي تعتبر أهم هواياته إقالة المدربين حتى أن البعض ذهب ليطلق عليه اسم "مدمر المدربين". دل بوسكي كان ناجحاً بكل المقاييس مع النادي الملكي إذ حقق معه الدوري الإسباني مرتين ودوري الأبطال الأوروبي مرتين بالإضافة لألقاب أخرى خلال 4 سنوات، لكن مع المجيء بأول مجرة نجوم إلى النادي الملكي والتي كان مؤسسها بيريز نفسه وتذبذب المستوى تلك الفترة، تم الاستغناء عن دل بوسكي وكان بديله كارلوس كيروش البرتغالي. كيروش لم يصمد على مقاعد بدلاء الريال سوى موسم واحد دون القيام بما يُذكر شأنه بذلك شأن بديله خوسيه أنطونيو كاماتشو الذي لم يصمد سوى أشهر قليلة، تبعه بذلك ماريانو غارسيا ريمون لأشهر قليلة أيضاً. ثم بعد ذلك تم التعاقد مع البرازيلي فانديرلي لوكسومبورغو لكنه هو الآخر لم يصمد سوى موسم واحد وذلك موسم 2004/2005، ثم استغنى عنه النادي الملكي وأتى بخوان رامون لوبيز كارو الذي بدوره لم يحقق شيئاً وتم الاستغناء عنه بعد موسم فاشل. "المهزلة الكبرى" أما "المهزلة الكبرى" في عملية تبديل المدربين كانت عندما أتى الريال بالإيطالي المحنك فابيو كابيللو موسم 2006/2007 وقد أهداهم البطولة ولكن بالرغم من ذلك تم الاستغناء عنه بقرار متهور رغم نجاحه مع النادي وذلك تحت غطاء المطالبة بالكرة الجميلة، لكن الموضوع كان بأن الريال كان قد أجرى اتفاقاً مسبقاً مع الألماني برند شوستر الذي برز في تلك الفترة مع خيتافي للإشراف على الفريق. أتى شوستر موسم 2007/2008 وأهدى الريال اللقب الثاني على التوالي في الدوري إلا أن ذلك لم يشفع له إذ تمت إقالته في نصف الموسم الثاني له مع الفريق بسبب تدني المستوى وتصريحاته "الانهزامية" ليخلفه خواندي راموس مؤقتاً لنهاية الموسم دون تحقيق ما يُذكر فتمت إقالته وتعاقد الريال بعدها مع مدرب فياريال المتألق التشيلي مانويل بيليغريني إلا أن خروجه في الموسم الحالي خالي الوفاض وخصوصاً من دوري الأبطال عجّل في رحيله، إذ خلفه في تدريب الريال المدرب البرتغالي "الفذ" جوزيه مورينيو الذي قاد إنتر للقب دوري الأبطال الموسم الحالي وهو من سيقود دفة الريال في المواسم المقبلة. إلا أنه لا بد من الإشارة إلى الخطأ التي تقع فيه إدارة الريال إذ يأتون بالمدرب المتألق مع فريقه، لكن ذلك لا يعني أنه سينجح مع الريال بالإضافة إلى أن الريال لا ينتظر ولا يمهل المدرب الوقت الكافي لبناء منظومة كروية سليمة في الفريق بل أنه يبحث دائماً عن البطولات والألقاب السريعة. التخلي عن اللاعبين الناجحين يعتبر هذا الموضوع "آفة" النادي الملكي إذ أنه غالباً ما يخطئ في استقدام اللاعبين كما يفعل أخطاء فادحة باستغنائه العشوائي عن اللاعبين الناجحين مع النادي. فكلنا نذكر كيف دفع الريال ثمن الاستغناء عن الفرنسي ماكيليلي غالياً إذ حتى يومنا هذا لا زالوا يتحسرون عليه لأنه عندما غاب غابت البطولات عن الملكي. ثاني فضائح النادي، الاستغناء عن البرازيلي روبينيو الجناح المميز الذي لم يكن له حل عندما يخترق الدفاعات والذي لطالما كان منقذ الريال في الكثير من الأحيان. ثم كان الجميع على موعد مع آخر القرارات العجيبة لإدارة الريال مطلع الموسم الماضي، إذ تم الاستغناء عن الهولنديين ويسلي سنايدر وآريين روبن دون سبب وهما اللاعبان الذان كانا ولا يزالا متألقين. ومن سخرية القدر، كل لاعب من هؤلاء صعد بفريقه إلى نهائي دوري الأبطال وكان الاثنان يلعبون النهائي على أرض فريقهم السابق الجريح ريال مدريد في البرنابيو. مشاكل الموسم الحالي كل ما فعله فلورنتينو بيريز هذا الموسم لبناء مجرة نجوم تعيد للنادي أمجاده الأوروبية بشكل خاص، ومئات الملايين التي دفعت بخيرة نجوم العالم من أجل الألقاب، ذهبت كلها أدراج الرياح إذ أن الفريق المدجج بالنجوم لم يتحصل على أي شيء هذا الموسم، كل ذلك وكما سبق وذكرنا آنفاً مرده أن الأسس التي عُمل بها هذا الموسم كما كل مرة هي أسس غير متينة على الإطلاق والتي حاولنا أن نلخصها في الآتي. أولاً: التفكير بطريقة إقتصادية لا كروية ريال يفكر بالمال قبل أي شيء إذ أن كل هم الإدارة يتمحور حول كيفية المجيء بمردود مادي للنادي، فبدل أن يتم بناء فريق فعال كروياً مع أو بدون نجم، يقوم الريال بالتعاقد مع عدد كبير من النجوم والهدف الأول من ذلك يكون إيرادات الدعاية والإعلانات، ما من شأنه أن يوثر سلباً على الفريق وهذا ما سنفصله لاحقاً. لكن لا بد من أن نضيف أنه وبالرغم من طريقة التفكير تلك فإن النادي الملكي واقع تحت عجز مادي كبير في الفترة الأخيرة ولا ينفك يهدر الأموال في ظل تلك الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. ثانياً: كثرة النجوم وتأثيره على الفريق إن كثرة النجوم في فريق واحد لا يجعل منه فريقاً لايقهر، بل أنه في حال عدم توظيف ذلك بصيغة جيدة من شأنه قهقرة مستوى أي فريق كان، لأن نجوم الكرة كل منهم كان معتاداً ذات يوم على حمل مسؤولية فريق على أكتافه وهذه حال كل من كاكا مع ميلان وكريستيانو رونالدو مع مانشستر وبنزيمة مع ليون، أما الآن فأين هم هؤلاء مع الريال؟ الوحيد الذي أثبت فاعليته هو رونالدو إذ دخل في منظومة الفريق الملكي وأصبح أبرز لاعب، أما كاكا فإن أداءه اختلف كثيراً منذ أيام ميلان حتى الآن إذ أنك تشعر بأنه فقد الكثير من قدراته وربما السبب يعود إلى اختلاف طريقة اللعب عليه نوعاً ما، كما أن الإصابات لم ترحمه هذا الموسم، أما بنزيمة الهداف الفرنسي فهو أمضى كل الموسم في مقاعد البدلاء مما أدى لتدني مستواه وعدم استدعائه إلى المنتخب في المونديال. كخلاصة لهذا البند نقول، إلى متى سيبقى الريال مقبرة للاعبين البارعين، إذ أنها ليست المرة الأولى التي يأتي فيها لاعب مميز من فريق ما إلى الريال ويتراجع مستواه، ذلك إن دل على شيء يدل على أن هناك الكثير من العيوب في النادي الملكي وخاصة على المستوى الإداري والتنظيمي. فالريال فريق بلا عقل أو بلا محرك، أو يمكن القول أنه فريق نجوم ليس فريق كرة قدم، إذ أنه قائم على سياسة تجميع النجوم دون الأخذ بعين الاعتبار التفكير بالمنظومة الكروية الجماعية في الفريق والتي هي مفتاح البطولات. فسحة أمل فسحة الأمل هذه لجماهير الغالاكتيكوس تأتي من خلال التعاقد مع المدرب الأبرز على الساحة في الوقت الحالي البرتغالي جوزيه مورينيو. مورينيو المعروف بشخصيته الفذة والقوية يمكن أن يكون هو الحل الأمثل للريال إذ أنه "حاصد ألقاب". وبالإضافة لذلك معروف عن مورينيو أنه يكره تدخل الآخرين بعمله مع الفريق لا سيما إدارة النادي، ما من شأنه أن يخفف الكثير من عيوب وأخطاء إدارة الريال عن فريق كرة القدم، إذ أن مورينيو سيكون هو الآمر الناهي في ما يتعلق بمجيء اللاعبين أو رحيلهم عن القلعة البيضاء وسيكون صاحب الرأي الأخير في ذلك. هذا وقد وعد مورينيو ببناء فريق متين يحصد الألقاب للنادي الملكي في المواسم القادمة، وهو ما يتوقع حصوله مع هذا المدرب الداهية خاصة في ظل الإمكانيات البشرية والمادية الهائلة التي يمتلكها النادي الملكي "نادي القرن". فكل الجماهير تتطلع قدماً نحو مورينيو وكلها أمل بأن يعيد لها هذا المدرب بسمة كانت قد فقدتها في يوم من الأيام، فهل يكون مورينيو من ينقذ الريال من تخبطاته وكبواته؟