تزدهر في المدن المغربية الكبيرة تجارة جديدة لم يألفها الناس مع توسيع منظمي حفلات الزفاف حقل نشاطهم ليشمل "دفن الموتى" بسبب الأرباح التي تحققها إجراءات غسل الميت إلى الصلاة عليه في المسجد ونقله للمقبرة في توابيت فاخرة وتنظيم تقبل العزاء. وتشهد "تجارة الموتى" رواجا في الرباط والدار البيضاء وأكادير ومراكش مع تزايد اتجاه العائلات الثرية إلى الاعتناء بقبور وتوابيت موتاها، الأمر الذي دفع الشركات المتخصصة في حفلات الزفاف إلى التوجه نحو دفن الموتى. وأكد محمد مفليح، صاحب شركة خاصة لدفن الموتى، أن الشركات العاملة في هذا المجال في تزايد سبب انتشارها وإتقانها لعملها بالإشراف عن كثب "على استصدار التصاريح والتراخيص الواجبة في الدفن من الجهات المسؤولة، ومتابعة غسل الميت ونقله للمسجد للصلاة عليه ثم نقله بسيارة الشركة إلى المقبرة ليُوارى جثمانه هناك". وأوضح أن نشاط هذه الشركات لا يتوقف عند نقل الموتى ودفنهم، بل يتعداه إلى صناعة التوابيت لموتى المسلمين والمسيحيين أيضا، مضيفا أن "أسعار هذه التوابيت تختلف وفق طلبات الزبائن. وشرح مفليح أن هناك توابيت فخمة يصل سعرها إلى حوالي 40 ألف درهم (نحو 3500 يورو)، فيما يصل أقلها ثمنا إلى 5 آلاف درهم (نحو 450 يورو)، وذلك تبعا لشكل التابوت وتزيينه ونقشه وعدد الفتحات المتواجدة فيه، وحسب جودة الخشب المصنوع به. وقال إن الأسر الثرية كثيرا ما تسعى "إلى التعاقد مع شركات الدفن الخاصة من أجل صناعة توابيت من الصنف الممتاز لموتاهم والعناية بهم".
مقابر خاصة وبموازاة نمو "تجارة الموتى"، انتشرت في مدن كبرى بالمغرب قبور خاصة لعائلات ثرية، اقتنتها بمبالغ مالية باهظة. وعمدت عائلات ثرية في بعض المدن الكبرى إلى شراء "مقابر عائلية" خاصة، تتجاوز أسعارها أحيانا 80 ألف درهم (نحو 7000 يورو)، كي تضم رفات موتاها في مستقبل الأيام بعيدا عن مقابر "عامة الناس". وذكر مشرف على أحد المقابر للعربية.نت أن بعض القبور الخاصة، التي يقتنيها الأغنياء وتحمل أسماء عائلاتهم، تظل في بعض الأحيان فارغة لأشهر وسنوات "إلى حين أن يزور ملك الموت أحدهم"، على حد تعبير المتحدث.
منظمو أعراس وجنازات وساهمت تجارة "دفن الموتى" في تخصيص جزء رئيسي من نشاط منظمي مناسبات الزفاف والأعراس لتنظيم وتموين مناسبات العزاء لدى العائلات الثرية. واستدعت عائلة كمال السميطي أكبر منظمي الحفلات بمدينة مراكش لتنظيم وتموين تقبل العزاء في وفاة الجد، فهيأت شركة تنظيم الحفلات مختلف الأكلات الفاخرة والمشروبات المتنوعة والكراسي الوثيرة للمدعوين في أجواء أشبه بالعرس منها إلى الجنازة. وقال كمال للعربية.نت إن عائلته قررت إحضار شركة تنظيم الحفلات على غرار باقي العائلات التي تنتمي إلى مستوى مادي مرتفع. وبرر ذلك بأن الشركة "ستقوم بكل ما يتعلق بتفاصيل ومهام استقبال المعزين والاحتفاء بهم والاهتمام بأكلهم وشربهم، ما يتيح للعائلة بعض الاطمئنان والراحة من مشاق الاستقبال والتنظيم الذاتي".
"ثقافة غربية" ورأى الباحث الاجتماعي عبد الرحيم عنبي أن هذا التوجه نحو البهرجة حتى في طقوس الموت من دفن وقبور خاصة وبذخ في حفلات العزاء، يرجع إلى "تبني للمنظومة الثقافية الغربية، وبالرغبة في التميز الاجتماعي عن باقي الطبقات الاجتماعية سواء الفقيرة منها أو حتى التي في مستواها المادي". واعتبر عنبي أنها "سلوكيات مستوردة في أغلبها، ودخيلة على الثقافة الأسرية والاجتماعية للمغاربة"، وأضاف أن حب التظاهر المادي انتقل من مظاهر الحياة ومناحيها ليتكرس في طقوس الجنائز المتعلقة بالموت.