وجه جلالة الملك محمد السادس الأحد الماضي رسالة إلى المشاركين في ندوة تحالف الحضارات في الفضاء العربي الإفريقي والإيبرولاتينو أمريكي التي تنظمها جامعة المعتمد بن عباد الصيفية في دورتها الثالثة والعشرين ضمن فعاليات الدورة الثلاثين بموسم أصيلة الثقافي. ونوهت الرسالة الملكية بجهود جعل الثقافة رافعة أساسية للتنمية وجسرا للتواصل الحضاري والحوار البناء، حيث شكل المغرب عبر العصور ولايزال جسرا للقاء بين الثقافات ونموذجا لتفاعل الحضارات المتتالية من تاريخه العريق، من أمازيغية وفينيقية ورومانية وإفريقية ومتوسطية وأوروبية. وقد تمازجت فوق ربوع المغرب مكونات وروافد هذه الحضارات في هوية مغربية متميزة بلغت أوجها بانفتاحها على الحضارة العربية الإسلامية، وما جسدته في رسالتها من إيمان وعقيدة والتزام بالقيم المثلى مما مكن النسيج الحضاري المغربي من الانتقال صوب ثلاثة اتجاهات كبرى. أما الأول فنحو أوروبا عبر شبه الجزيرة الإيبيرية، وكانت الأندلس المشتل الذي ترعرعت فيه حضارة غنية بعلومها وفنونها وآدابها وعمرانها نهلت منه أوروبا ثم العالم الجديد. وكان الاتجاه الآخر نحو العمق الإفريقي حيث انتشرت ببلدان الساحل عبر التجارة والتصوف مظاهر الحضارة المغربية التي استقبلتها حضارات أخرى فتفاعل المحلي بالوافد وتواصلت الدورة الحضارية جاعلة من المغرب ملتقى للشمال بالجنوب والمشرق بالمغرب. وكان المسار الثالث في اتجاه أمريكا اللاتينية حيث تلاقحت حضارتها العريقة بالحضارات الإفريقية والعربية، من خلال جالية مشرقية وأوروبية إيبيرية لتفرز تراثا حضاريا غنيا تمثل في أشكال الإبداع والآداب والفنون، كما هو شأن أدب المهجر بأمريكا الجنوبية. ودعا جلالة الملك المشاركين إلى الانكباب على إنجاز دراسات معمقة وإجراء مسح شامل للفضاء الحضاري العربي الإفريقي والإيبرولاتينو أمريكي، وقيام مؤسسة تعنى بتعزيز النهوض بتحالف الحضارات، وتعميق البحث المقارن في هذا الشأن انطلاقا من قاعدة الرابط المعرفي، وتحقيق الهدف الجماعي الذي هو انبثاق مواطنة كونية، ونظام عالمي منصف ومتعدد الأطراف.