بدأ العد التنازلي للانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقرر لها أن تجرى فى ابريل القادم، وقد بدأ المرشحون المحتملون في جمع التوقيعات اللازمة لعملية الترشيح، ومنذ أن أصدر الرئيس الأسبق، اليمين زروال، بيانا يؤكد فيه أنه اعتزل الحياة السياسية، والحملة الانتخابية تسير ببرود ، بما يؤكد أنها ستتم من دون تنافس جدي. حيث أصبح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، هو المرشح الجدي الوحيد تقريبا ، ولم يتقدم منافس حقيقي للحصول على أوراق الترشيح ، وأعلنت أحزاب كبرى ورئيسية أنها لن تتنافس فى الانتخابات المقبلة. وقد قرر أيضا كبار قادة المعارضة الجزائرية غير الحزبية عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية ، واعتبروا أن كل شيء مهيأب لفوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالمنصب. وأصبح الآن هناك حديث داخل أروقة أحزاب وقوى المعارضة حول مقاطعة الانتخابات ؛ فمع تبقي اقل من شهرين فقط قبل الانتخابات الرئاسية في الجزائر، تبدي الأحزاب السياسية ، سواء المؤيدة منها أو المعارضة ، مخاوفها من احتمال حدوث مقاطعة واسعة النطاق لصناديق الاقتراع. بعدم المشاركة في الانتخابات، في الوقت الذي يحاول فيه أنصار الرئيس تعبئة ملايين الناخبين. وأثيرت مسألة المقاطعة الشعبية لأول مرة بعد تعديل الدستور يوم 12 نونبر 2008. فقد عُدلت المادة 74 بهدف إلغاء تحديد فترات نيابة الرئيس في ولايتين. وهذا الأمر يكتسب جدية ، خاصة ان كان الخبراء السياسيون الجزائريون يبدون عدم تفاؤلهم بشأن نسبة مشاركة الناخبين. فعلى سبيل المثال يتوقع رئيس الحكومة الأسبق، احمد بن بيتور، ألا تتجاوز هذه النسبة 10% بالنظر إلى المشاركة الهزيلة في الانتخابات التشريعية 2007. وقال إن الجزائريين محبطون بسبب الهوة بين الحكام والشعب. فالمواطن العادي منشغل بمشاكله اليومية ، ولا يرى جدوى من الانتخابات. وبالطبع فان عدم وجود مرشحين جديين منافسين للرئيس بوتفليقة ، سيؤدي الى برود الحملة الانتخابية ، وهو ما سينعكس سلبا على المشاركة الشعبية فيها. وهذا الوضع يعني أن الانتخابات ستدور على محورين : الأول مطالبة أحزاب المعارضة الرئيسة والكبرى الناخب الجزائري بمقاطعة العملية الانتخابية، وكل ذلك حتى تطعن في شرعية الرئيس المنتخب ، وهو على الأرجح عبد العزيز بوتفليقة، ومنافسة شكلية بين الرئيس ومنافسين شكليين من دون قاعدة انتخابية قوية وراسخة، حتى يبدو أمام العالم أن الرئيس فى منافسة جادة ، وحتى يستند الى ذلك في مرحلة ما بعد الانتخابات فى خطابه السياسي ، خاصة فيما يتعلق بشرعيته أمام احزاب المعارضة ، وأيضا أمام المؤسسة العسكرية. وهذا الأمر سيعني أن المرشحين لهذه الانتخابات سيكون عليهم مهمتان : الأولى إقناع الناخب بأهليتهم لصوته، والثانية إقناعه بالذهاب الى صندوق الاقتراع، وهو ما يعني أن مرحلة الحملة الانتخابية ستكون الأصعب مقارنة بحملات سابقة لنفس المرشحين، حتى الرئيس بوتفليقة ، الذي يبدو أن نجاحه مرجحا ، سيكون عليه مهمة جذب الناخبين الى الصناديق . وذلك حتى لا يشكك أحد في شرعيته السياسية فى مرحلة ما بعد الانتخابات. وهذا الأمر سيكون مهما للرئيس لوكان يريد أن يصدر قرارات مهمة فى فترة رئاسته الثالثة، وهو أمر متوقع، لأن الرئيس، خلال السنوات الماضية من رئاسته ، غير بصورة كبيرة من البنية السياسية للدولة كما تسلمها من سلفه الرئيس اليمين زروال. ومن خلال المؤشرات، التي تبدو لنا فى مرحلة ما قبل الترشيح للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة، فان المهمة الملقاة على الرئيس ليست سهلة ، لأن هناك حالة من عدم الرضا تبدو سائدة فى صفوف قوى سياسة واجتماعية، على رأسها القوى الأمازيغية، التي رفضت الأحزاب الممثلة لها أن يترشح ممثلون عنها فى الانتخابات، خاصة حزبي «جبهة القوى الاشتراكية» التي يتزعمه حسين ايت احمد ، و«التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية» الذي يتزعمه سعيد سعدي. حيث اعتبر الاثنان أن نتيجة الانتخابات معروفة ، وهو الأمر الذي يعني أن الرئيس وحكومته فى مرحلة ما بعد الانتخابات يمكن أن يواجهوا توترات مع الامازيغ الذين توترت علاقتهم بالدولة الجزائرية خلال حكم الرئيس بوتفليقة، وبالطبع ، فان قرار الزعيمين الحزبيين ليس منقطع الصلة عن توقعات لديهم بأن الامازيغ سيتخذون موقفا سلبيا من هذة الانتخابات، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر على شعبيتهما لأن المناطق التي يعيش فيها الامازيغ هي القواعد السياسية والجغرافية للزعيمين الحزبيين. وهناك من يعتقد أن الجزائر يمكن أن تعيد إنتاج أزمتها السياسية مرة أخرى، لأن عدم تداول السلطة فيها سيحدث احتقانا سياسيا يمكن أن ينعطف على الأزمة الاقتصادية التي ستنتج عن تراجع أسعار النفط والغاز الطبيعي ، وهما المصدر الأول للدخل بها، وهو ما يمكن أن يؤثر على الفترة الثالثة من حكم الرئيس. والسؤال المهم فى هذه الفترة هو: هل ستنجح المعارضة الجزائرية في إقناع مرشح جدي بان يخوض الانتخابات لمنافسة الرئيس، أم أنها ستكتفي بالاستراتيجية السلبية الخاصة بالمقاطعة لكي تنال من شرعية الرئيس في المرحلة المقبلة ، مع العلم بان هذه الإستراتيجية تعد بمثابة اللعب بالنار، لأنها يمكن أن تجعل قوى خارجة عن الدولة تشكك في شرعية الدولة ذاتها، وهو الأمر الذي يهدد الدولة ذاتها. ونعتقد أن اختيار المعارضة لهذه الإستراتيجية يرجع أساسا الى أنها لم تجد مرشحا قويا يستطيع أن ينافس الرئيس، ويمكن أن تتكتل وراءه.