لا أحد يمكنه أن ينكر دور التعليم المهني في الرقي بالمنظومة بل وفتح سوق الشغل أمام الحاصلين عل شواهد من هذا النوع ، كون التكوين فيه يهدف إلى تسهيل انتقال الشباب من المدرسة إلى سوق الشغل، ومن شأنه أن يسهل كذلك اندماج حاملي شواهد الباكالوريا في هذا السوق ، مع إمكانية مواصلة دراساتهم العليا. هذا هو المنطقي والمفروض والذي نتمنى أن يتحقق بتجربة الباكالوريا المهنية التي انطلقت منذ موسمين وهذا موسمها الثالث، موسم نتمنى ان يشكل محطة للتقييم قبل فوات الأوان، والسؤال المشروع والذي يطرح نفسه بإلحاح : هل الباكالوريا المهنية وبالصيغة والطريقة التي نزلت بها نجحت ، وهل هي كفيلة بإخراج المغرب من واقعه التعليمي الكارثي أم ستزيده سوءا ؟ وجاهة السؤال تنطلق من متابعتنا لطريقة التنزيل الاستعجالي دون اعداد العدة البيداغوجية واللوجيستيكية بل وحتى البشرية ، علما أن الهندسة البيداغوجية لهذه البكالوريا تعتمد على ثلاثة مكونات تتعلق بتعليم عام يتابعه التلاميذ في الفصول الدراسية ودروس وأشغال تطبيقية يتم إنجازها في مراكز التكوين المهني، وتداريب مهنية يستفيد منها التلاميذ داخل المقاولات. إذن هل تم تكوين الأساتذة الذين ينزلون المشروع كان في المستوى أم أن تلاميذ هذا التخصص تلقووا نفس التعليم الذي تلقاه زملاؤهم في التعليم العادي؟ وهل مراكز التكوين المهني الحالية كفيلة باستقبال التلاميذ ؟ ودن الحديث عما تتوفر عليه من معدات وآليات ، أما التداريب المهنية فالكل يعرف طبيعتها والمتحكم فيها وما يجري خلالها. إن البكالوريا المهنية تتطلب إبراز نوع الشعبة بوضوح وتحديد الاختصاصات والمواد والبرامج ونظام الامتحانات وتكوين الأساتذة والأطر المشرفة وحاجيات سوق الشغل وأصحاب المهن... لا فقط اعتبارها معبرا بين منظومتي التكوين المهني والتعليم العالي خصوصا وأن قانون التعليم العالي لا يسمح بالدخول إلى الجامعة إلا لمن كان حاملا لشهادة البكالوريا. مشكلة المسؤولين في التعاطي مع مشاكل التعليم هو التخبط بين النماذج دون الاستفادة من أي نموذج والأخذ به مع مراعاة الخصوصية من جميع نواحيها بطبيعة الحال . فالنماذج التعليمية في العالم أربعة: نموذج الفصل و يرتكز على مبدأ الفصل بين التلاميذ والفرز المبكر لهم بحيث يوجه غالبية التلاميذ بعد نهاية التعليم الابتدائي حسب نتائجهم الدراسية إلى مسارات وتخصصات تعليمية موازية كالتكوين المهني وتمثله ألمانيا، و نموذج الإدماج وفق الخريطة البيداغوجية: وتمثله الولاياتالمتحدة، كندا...ويقترح هذا النموذج تعليما مشتركا بشكل نسبي إلى غاية السن السادسة عشر، ويتم تسيير التنوع والاختلاف بين التلاميذ في مرحلة التعليم الابتدائي وفق نظام المستويات، أما في مرحلة التعليم الثانوي فيتم تسيير تنوع التلاميذ وفق مستواهم التعليمي بصفة عامة أو حسب المواد الواجب دراستها. والنموذج الثالث هو الإدماج الموحّد وأبرز من يمثله فرنسا وإسبانيا، ويعتمد على نظام الجذع المشترك، ويعتبر فيه الترسيب أو إعادة السنة التعديل الوحيد للفصل بين التلاميذ من حيث المستوى التعليمي، ثم نموذج الإدماج الفردي وهو النموذج المتقدم جدا وتأخذ به في دول أوروبا الشمالية إذ يعتمد على المتابعة الفردية باستفادة كلّ تلميذ من متابعة خاصة ومشاركة في أعمال ضمن مجموعات صغيرة. نظامنا التعليمي يأخذ بنسبة كبيرة بنموذج فرنسا، الادماج الموحد باعتماد الجذع المشترك والترسيب، ويأخذ من نموذج الخريطة البيداغوجية بطريقة مشوهة باعتماد نظام المستويات في التعليم الابتدائي، الآن وبعد ارساء الباكالوريا المهنية أراد الأخذ بنموذج ألمانيا في التعليم المهني ، لكن الأخذ بطريقة مشوهة كذلك ، فباعتمادها هذا النموذج تعمد ألمانيا إلى الفرز المبكر للتلاميذ بحيث يوجه جلهم بعد نهاية التعليم الابتدائي حسب نتائجهم الدراسية إلى مسارات وتخصصات تعليمية موازية ومنها التعليم المهني، مع عدم اعتمادها على مؤسسات التكوين المهني فقط، بل أشكال كثيرة من المدارس المهنية، لكلّ منها مهمة محدّدة. و بعد الانتهاء من مرحلة التمدرس الإلزامية يتابع ثلث التلاميذ تكوينا مهنيا بالتناوب أو ما يسمى بالتعليم الثنائي لمدة تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات ونصف، يتلقون خلالها مواد التخصص النظري في المدارس المهنية والتدريب العملي أو التطبيقي في مكان العمل أو الورشات المخصّصة للتدريب، مع أن التمويل يتمّ من قبل المؤسسات الاقتصادية التي تقوم بتدريب التلاميذ ودفع أجورهم. إذن هل تم مثل هذا عندنا أم أننا أخذنا بالقشور فقط؟ نتمنى تقييما موضوعيا للتجربة حتى لا يضيع جيل بأكمله.