على بعد يوم واحد من تنصيبه رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، تتكاثر التساؤلات عما إذا كان باراك حسين أوباما قادرا على الوفاء بوعوده الانتخابية ورهانه المحوري على إحداث تغيير يطال أمريكا والعالم بأسره. هذه التساؤلات كانت محور نقاش أكاديمي دعا إليه واستضافه السفير صقر بن مبارك المنصوري، سفير دولة قطر بالرباط، في مجلسه بأهل الفكر والسياسة والإعلام مساء كل ثلاثاء. في تلك الأمسية الباردة، كانت خيمة السفير المنصوري واحة دافئة للفكر والنقاش واستشراف المستقبل. فبعد أن رحب بضيوفه وجلسائه، تناول الكلمة مقدما الدكتور محمد بن حمو، مدير المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، لإلقاء عرض استشرافي حول ولاية باراك أوباما وتأثيراتها المحتملة على السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية. ورغم أن الوقت المحدد للعرض لم يكن يسمح بالإطالة والتمحيص إلا أن الدكتور بن حمو استطاع أن يلامس بإيجاز غير مخل كل السيناريوهات المحتملة لولاية رئاسية تظل متميزة على امتداد التاريخ الأمريكي. ففي اعتقاده أن الحملة الانتخابية لأوباما شابها كثير من الغموض كما لو أنه تعمد إمساك العصا من الوسط تفاديا لمحاسبات لاحقة. وبصورة أكثر تحديدا فقد بدا تذبذب مواقف المرشح الديمقراطي ماثلا في ما يتعلق بوجود القوات الأمريكية في العراق. فبينما أعلن في بدايات حملته أنه سيعمل على خفض القوات، بات، بعد انتخابه، أكثر استعدادا لإعادة الكرة الى ملعب قادة البنتاغون. هذه الملاحظة كانت مدخلا لاستنتاج بديهي مفاده أن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما لن تختلف كثيرا عن سابقاتها بحكم أن الحفاظ على المصالح الأمريكية يشكل خطا أحمر لا يمكن تجاوزه بغض النظر عن الهوية الحزبية لسيد المكتب البيضاوي. ومع ذلك، فان عهد أوباما سيبدو مخالفا لسلفه بصورة شكلية لأن الديمقراطيين، تاريخيا، يفضلون «الاستيعاب» على «المواجهة» دون التفريط في المصالح الأمريكية الحيوية المتمثلة في ضمان أمن إسرائيل وإمدادات النفط ومواجهة تحديات الأمن القومي بعد هجمات 11 سبتمبر. ويرى د. بن حمو أن السياسة الخارجية لأوباما ستتجه، وفق تقاليد الحزب الديمقراطي، الى اعتماد خيار التحالفات الإقليمية كبديل للخيار الشمولي الذي يعتمده الجمهوريون لإدارة الأزمات كما لو كان العالم بأسره رقعة غير قابلة للتقسيم والتجزئة. واستطرادا، استنتج بن حمو أن يعمل أوباما على كبح جماح العسكريين في العراق بموازاة مع مخطط استيعابي يبدأ بفتح التحاور مع إيران وسوريا بهدف التقليل من ضغوط وتحكم البلدين في مجريات الأحداث في العراق وأفغانستان ولبنان. غير أن هذا الخيار سيطرح، برأي بن حمو، إشكالات ثانوية لأن مهادنة إيران، تحديدا، لن تجد قبولا في دول الخليج وخاصة لدى السعودية التي لن تقبل بالإنتقاص من أهميتها كقوة إقليمية بالإضافة إلى الإمارات التي تسعى الى تحرير جزرها المحتلةإيرانيا. ولعل أسوأ ما في هذا السيناريو أن يؤدي التنازل الأمريكي تجاه إيران الى تعزيز تهديدات طهران باللجوء الى إغلاق ممرات تصدير النفط في الخليج العربي. وبمقتضى سياسة التحالفات الإقليمية، يرى الدكتور بن حمو أن أمريكا أوباما ستعمل على تطويق خطر إرهاب القاعدة وطالبان عبر شبكة تحالف تضم باكستان والهند والاتحاد الأوربي. وقد يتسع هذا التحالف ليضم الصين أيضا في فترة لاحقة وفي سياق سياسي مغاير. أما بالنسبة لفلسطين فإن اشتغال الدبلوماسية الأمريكية، في العهد الأمريكي الجديد، على التهدئة وضبط النفس على الجانبين لن تشكل خروجا على المسلمات والبديهيات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط القائمة أساسا على حماية الوجوه الإسرائيلي وضمان تدفق النفط نحو الأسواق الأمريكية والعالمية. وبحكم أولوية هذه الانشغالات التي ستواجه إدارة أوباما، على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، ستظل منطقة المغرب العربي رقما ثانويا في الأجندة الأمريكية. وفي هذا السياق، يعتقد بن حمو أن انتظار دور أمريكي فاعل لحل نزاع الصحراء أو طي الخلافات المغربية الجزائرية سيكون سابقا لوقته بحكم أن واشنطن لن تغامر بالتخلي عن مصالحها في البلدين. ففي الجزائر ثمة نفط وغاز وقاعدة استخبارات عسكرية في تامنراست تزداد أهميتها بموازاة تزايد الحركات الإرهابية المتطرفة في المنطقة. وفي المغرب حليف استراتيجي في الحرب المعلنة على الإرهاب ونموذج ديمقراطي حداثي جدير بالاقتداء في العالمين العربي والإسلامي.