أفردت قاعة العروض "فنون سحرية" بالدائرة الباريسية السابعة ضيافة متميزة لمدة أسبوع كامل (من 10 إلى 16 أبريل الجاري) للرسام الفلسطيني سهيل المجدولي الذي تمكن بلمساته الإبداعية المتفردة من محاكاة معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر، واستحضار مأساة القدس الناجمة عن العدوان الإسرائيلي والتخاذل العربي والدولي. وبالرغم من الوجوه المتناثرة في فضاءات القدس، وسياسة الاستيطان بجوار المدينة، وبالرغم أيضا من علامات الأسى المرسومة على وجوه أطفال فلسطين، يبقى الأمل المشرق بالنصر والتحرر، السمة الغالبة في لوحات الرسام المجدولي الذي وضع عمله تحت شعار "مأساة القدس هي طعنة في قلوب العرب والمعرض علاج لها". ويختزل المعرض المسار المتميز لهذا الرسام المقدسي النشأة الذي قرر بعد سنوات من النضال السياسي والفني أن يوطن مرسمه بعمّان بعد مسيرة كوسموبولية قادته إلى تركيا وماليزيا والصين جاعلا من المأساة الفلسطينية مكونا أساسيا في أعماله الفنية. ويضم المعرض حوالي ثلاثين لوحة مستقاة من صميم البيئة الفلسطينية برموزها وألوانها وأزيائها وأيضا بمآسيها وتمزقها. وقد استعمل فيها الرسام تقنية اللوحة /لوبورطري/ أوما يسمى بالحداثية الدالة على واقعية مفرطة اقتبسها من النهضة الإيطالية والإسبانية، وهي واقعية ترفض بشكل قطعي تمثل الشخصيات أو تخيلها. وقد كشف ل"العلم" أن التحرر من سلطة المرجعيات التشكيلية وممارسة فعل التغيير في النسق الإبداعي، هي السمة الأساسية التي ميزت أعماله المتموضعة بين فضاءين..حسي يشغل العين كحاسة أساسية في التقاط التفاصيل وتركيبها بما يتيح إنتاج شبكة من الأمكنة والعلائق والوجوه، وواقعي يرقب الحركات والأشياء ليعيد تركيبها في قالبها ونشأتها الأصليتين. ورغم أن المجدولي يقول إن الفنان يمكنه أن يكون فى الوقت ذاته حداثيا واستشراقيا، إلا أنه يرفض كل قرابة مع الفنانين الاستشراقيين فى القرن التاسع عشر، إذ يعتبر أن رسامي هدا القرن و حتى الكبار منهم من أمثال دولاكروا وفرومنتان أولوا اهتماما مفرطا للتفاصيل على حساب القيمة الجمالية و الفنية لأعمالهم. وترصد اللوحات اللونية المعروضة التي التقط الرسام بعض مشاهدها من الفضائيات العربية إبان المذبحة الأخيرة التي اقترفتها قوات الاحتلال بغزة، الحياة الفلسطينية بمآسيها المختلفة من حصار وتجويع وتقتيل، والتي يشكل الفن والثقافة "كهفها الحصين"، على حد قوله. كما تتناول الواقع الفلسطيني عبر مسالكه الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. وإلى جانب هذه اللوحات التي تختزل القدرة الخلاقة للرسام على التقاط التفاصيل و توظيفها في تقنية /لوبورطري/ التي أكسبته شهرة واسعة، يعرض المجدولي مجموعة من الأواني الخزفية الناذرة التي جمعها في أنحاء مختلفة من فلسطين بصبر وتأن وذوق متميز. وتعود أول نجاحات المجدولي إلى سنة 1994 عندما عرض لوحاته بصالونات برلين حيث كان حينئذ متأثرا بالرسامين بيكاسو وسالفادور دالي وبالمدرسة السريالية . وخلال العشرين سنة الماضية عرض المجدولي المزداد بجنين سنة 1957، عدة مرات بنيويورك ولندن و موناكو وباريس. وكان آخر معارضه برواق مارلبيرو بنيويورك في نونبر من سنة 2012.