تصر الحكومة الجزائرية وربيبتها جبهة البوليساريو الإنفصالية على رفض إجراء أي إحصاء للمواطنين الصحراويين المقيمين في مخيمات الرابوني بتندوف، ورغم أن مجلس الأمن طالب بذلك في العديد من المرات، ورغم أن هذا الطلب لم يغب يوما عن تقارير الأمين العام للأمم المتحدة الدورية، ورغم أن منظمة غوث للاجئين ألحت مرارا على هذا الطلب، ورغم أن الإتحاد الأوربي كرر هذا المطلب مرارا، ورغم أن هيآت ومنظمات أهلية كثيرة أعلنت غير ما مرة ضرورة تحقيق هذا الطلب، فإن المسؤولين في قصر المرادية وفي الرابوني تشبتوا برفضهم وكان لهم ما أرادوا بحيث لم يجر هذا الإحصاء لحد الآن. لماذا كل هذا الرفض وبهذه الصفة القطعية؟ طبعا الجواب سيسلط الأضواء الكاشفة على هذه القضية البالغة الأهمية. ننطلق في البداية بالقول بأنه لو كان إحصاء هؤلاء المواطنين يخدم الطرح الجزائري وربيبتها البوليساريو لكانت السلطات الجزائرية من المتحمسين لإجرائه، ولذلك فإن رفضها له الآن يعني أن الجزائر وربيبتها مقتنعتان ومتيقنتان أن إجراء هذا الإحصاء لن يخدم مصالحهما، بل يعني أيضا أن إجراءه سيكشف عن فضيحة من العيار الثقيل قد تكون سببا مباشرا في طي ملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. إن السلطات الجزائرية وربيبتها البوليساريو يدعيان بأن عدد المواطنين المقيمين في تلك المخيمات البئيسة يصل إلى 140 ألف شخص، ولعل هذا الرقم يسمح لقادة الجبهة الإنفصالية باستقبال مساعدات مالية وعينية مهمة. والحقيقة أن عددهم يقل عن نصف هذا العدد حسب مجموعة من العائدين وحسب ممثلي هيآت دولية وأهلية اشتغلوا في الجوانب الإنسانية في تلك المخيمات، ومن الطبيعي الاستنتاج بأن الكشف عن حقيقة أعداد المقيمين في هذه المخيمات سيكون له تأثير على حجم المساعدات وستكون له تداعيات على مضمون النزاع المفتعل لأن المطالبة بإنشاء دولة لمجموعة أشخاص لا يتعدى عددهم سكان حي في الرباط أو في الجزائر سيكون محل سخرية من طرف الرأي العام الإقليمي والدولي. من حقنا أن نشك في مصداقية وساطة يقودها مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة لم ينجح حتى في فرض إحصاء مواطنين قد يكونون في وضعية احتجاز في الرابوني.