سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
+الخطة الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030 رؤية أم رؤيا: الغايات المتوخاة من الإصلاح لم يطرأ عليها أي تغيير أو تقدم رغم تغير الزمن وتطور المجتمع 1-2.. بقلم // الدكتور الوارث الحسن
1-منطلقات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح المقترحة : يكمن جوهر الرؤية الاستراتيجية التي أعدها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي ، سنة 2015 م في إرساء مدرسة جديدة ، قوامها الإنصاف و تكافؤ الفرص مع الجودة للجميع و الارتقاء بالفرد و المجتمع ، و هي أسس و خيارت كبرى تأسست من خلال الخطب الملكية ،خصوصا خطاب ثورة الملك و الشعب لعامي 2012 و 2013 و افتتاح الدورة التشريعية الخريفية لعام 2014 م و قد شكلت مدخلات الإصلاح و قدمت خارطة طريق نحو التغيير المنشود للتعليم لمواكبة التحديات و رهانات المستقبل وتجديد المنظومة التربوية من خلال : -التنشئة الاجتماعية و التربية على القيم -التعليم و التكوين و التأطير -البحث و الابتكار -التأهيل الكفيل بالاندماج الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و كل ذلك تحت شعار : من أجل مدرسة الإنصاف و الجودة و الارتقاء . وهي رهانات بقيت إرهاصاتها قائمة في المدرسة المغربية ، و لم تتمكن من تجاوزها عبر مختلف محطات الإصلاح السابقة ، و لنا في مجالات الميثاق الوطني للتربية و التكوين و دعائمه ، و مشاريع البرنامج الاستعجالي ، ما يساير هذه الرؤية لخدمة خطة العمل . فالميثاق الوطني ، قام على دعامة أساسية ، و هي الخطاب الملكي لصاحب الجلالة محمد السادس، في افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية الثالثة المتعلق بالتعليم في 08 أكتوبر 1999م ، و الذي جاء فيه :( إن غايتنا هي تكوين مواطن صالح ، قادر على اكتساب المعارف و المهارات ، مشبع في نفس الوقت بهويته التي تجعله فخورا بانتمائه ، مدركا لحقوقه وواجباته ، عارفا بالشأن المحلي و التزاماته الوطنية و مما ينبغي له نحو نفسه و أسرته و مجتمعه ، مستعدا لخدمة بلده بصدق و إخلاص و تفان و تضحية ...و نريد من مؤسساتنا التربوية و التعليمية أن تكون فاعلة و متجاوبة مع محيطها . و يقتضي ذلك تعميم التمدرس و تسهيليه على كل الفئات و بالأخص الفئات المحرومة و المناطق النائية التي ينبعي أن تحظى بتعامل تفضيلي ، و كذلك العناية بأطر التعليم التي نكن لها العطف و التقدير و التي هي في أمس الحاجة إلى مزيد من العناية بها و التكريم... ) . فكان أن تم تصميم الميثاق على مرتكزات أولية لنظام التربية و التكوين ، قوامها : -التعبئة الوطنية -اكتساب المعارف و المهارات -تعميم التعليم -التكوين البيداعوجي أما مرتكزات البرنامج الاستعجالي 2009-2012 ، و الذي جاء على أنقاض الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، 2000-2007 ، فقد جاء تطبيقا للتوجيهات الملكية المتضمنة في خطاب افتتاح الدورة الخريفية لسنة 2007-2012 من أجل تسريع وتيرة إصلاح منظومة التربية و التعليم ، حيث وضعت وزارة التربية و الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي ، برنامجا استعجاليا ، اعتمد في صياغته على التقرير الوطني الأول حول حالة منظومة التربية و التكوين و آفاقها الذي أصدر سنة 2008م ، من طرف المجلس الأعلى للتعليم ، حيث حدد المبدأ الجوهري لهذا البرنامج في جعل المتعلم في قلب المنظومة التعليمية ، من خلال تحقيق أهداف ، تدخل في إطار : -إلزامية التمدرس -ترسيخ بيداغوجيا الإدماج -تحسين جودة التعليم -تشجيع التفوق و ذلك تحت شعار : جميعا من أجل مدرسة النجاح . هكذا ، نلاحظ من هذا و ذاك و تلك ، أن الغايات المتوخاة من الإصلاح ، لم يطرأ عليها أي تغيير أو تقدم ، و كأن عجلة هذا الإصلاح في إرساء مدرسة جديدة ناجحة و منصفة لم تبدأ بالدوران و ظلت ثابتة في مكانها ، رغم تغير الزمن و تطور المجتمع ، حيث بقي الرهان متوقفا على إلزامية التعليم و التمسك بالثوابت الدينية و الوطنية و المؤسساتية و الهوية الوطنية و قيم المواطنة و المساواة و امتلاك المعارف و الكفايات و المهارات و اكتساب التحصيل و الخبرة و ملاءمة وظائف المدرسة مع متطلبات المشروع المجتمعي الديموقراطي ، لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة . إن التغيير المنشود في هذه المنطلقات واجب ، و استنساخ الدعائم و المجالات و تحويلها في الرؤية الاستراتيجية إلى فصول و رافعات جدير بالارتقاء إلى مستوى أفضل ، يواكب التحولات الاجتماعية و العلمية و التكنولوجية و المعرفية التي شهدها المجتمع المغربي ، فكان لزاما التخلص من التبعية لهذه المنطلقات المستهلكة التي تجاوزها الزمن و تعزيزها بالمكتسبات التي حققتها المدرسة المغربية على أهميتها،و دعمها بمدخلات جديدة تندرج ضمن تموقع المغرب الحديث في تحولاته و مستجداته الراهنة لا العودة إلى المنطلق الأول للإصلاح كقاعدة أساسية لرسم التوجه العام للرؤية الاستراتيجية . فالمغرب الحديث ، يتموقع في مصاف البلدان الصاعدة ، و تنظيم الرؤية الجديدة للتعليم يحتم أن ينطلق من أين نحن الآن ، في مجتمع المعرفة و التكنولوجيا الحديثة و في مجالات العلوم الإنسانية و الفكر الحديث. 2-رافعات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 و إعادة إنتاج التجارب السابقة : تنتظم الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي ، كما هو معلوم ،في 23 رافعة ، ضمن أربعة فصول ، و هي كالآتي : -الفصل الأول : من أجل مدرسة الإنصاف و تكافؤ الفرص -الفصل الثاني : من أجل مدرسة الجودة للجميع -الفصل الثالث : من أجل مدرسة الارتقاء بالفرد و المجتمع -الفصل الرابع : من أجل ريادة ناجعة و تدبير جديد للتغيير و قبلها انتظم الميثاق الوطني في قسمين ، الأول منهما تضمن المبادىء الأساسية التي تضم المرتكزات الثابتة لنظام التربية و التكوين و الغايات الكبرى المتوخاة منه ، و حقوق وواجبات كل الشركاء و التعبئة الوطنية لإنجاح الإصلاح . أما القسم الثاني فيحتوي على ستتة مجالات للتجديد موزعة على تسع عشرة دعامة للتغيير تقوم على : -نشر التعليم و ربطه بالمحيط الاقتصادي -الرفع من جودة التربية و التكوين -الموارد البشرية -التسيير و التدبير -الشراكة و التمويل و بذلك ، جاءت دعامات التغيير في صيغة مقترحات عملية مقرونة كلما أمكن ، بسبل تطبيقها و آجاله . ثم جاء البرنامج الاستعجالي بأربع مجالات أولية، تتمثل في : -المجال 1: التحقيق الفعلي لإلزامية التمدرس إلى غاية 15 سنة -المجال 2: حفز روح المبادرة و التفوق في المؤسسات التعليمية -المجال3 : مواجهة الإشكالات الأفقية للمنظومة التربوية -المجال4: توفير وسائل النجاح من تم ، تبقى ما يقترحه المجلس في الرؤية الاستراتيجية ، من رافعات للتغيير، مصاحبة لكل المحاولات السابقة للإصلاح ، حيث الحضور الصريح أو الضمني ، لمختلف الإشكالات التي ظلت عالقة و متداولة ، و لم تتمكن على ما يبدو من وضع قطيعة معها ، من خلال ابتكار أفكار جديدة و إنتاج خطة بديلة لمنطلق الإصلاح و اتجاهاته ، توطيدا للمكتساب المحرزة و استدراكا للتعثرات الحاصلة ، قوامها الحسم في الإشكالات العرضانية العالقة ، دون الخوض في غمارها مجددا ، بعيدا عن الاجترارو الإطناب في إصلاح الإصلاح. فلا يختلف إثنان ، في كون المنهجيات المعتمدة ، في هذه الإصلاحات جميعها ، تقوم على تصور شمولي للمنظومة ، يخضع لتوصيات جاهزة سبق الخوض فيها، من قبيل : التعميم / الجودة / المدرسة العمومية / التعليم الخاص / إلزامية التعليم / التعليم الأولي / التأطير البيداغوجي / لغات التدريس / البحث العلمي / التكوين المهني / ...، و بذلك ، اتضح للجميع ، أفرادا و مؤسسات وطنية و دولية أن الإصلاح التربوي المأمول ، إلى حدود نهاية البرنامج الاستعجالي ، لم يحقق الأهداف التي وضعت له . و بالتالي ، بات السؤال مشروعا و ملحا و ضروريا ، عن السبيل لبناء نظام تعليمي يليق بمغرب الألفية الثالثة ؟ و يكون جديرا بتجاوز الإشكالات التي ساهمت في فشل كل الإصلاحات السابقة ؟. و تجنبا للخوض في تقديم إجابات جاهزة ، عن هذا الجانب ، نعتقد أن جملة من التقارير و التوصيات الصادرة عن اللقاءات التشاورية و المنتديات التربوية التي انفتح عليها في البداية المجلس الأعلى للتعليم خلال السنة الدرسية 2014-2015 ، باعتبار ذلك محطة أساسية في سيرورة متكاملة لبلورة مشروع تربوي جديد ، يعكس بحق ، تصور إصلاح المدرسة المغربية الجديدة ، لكفيل بأن ينظر إليها كمنطلق أساسي و جدي لأي رؤية استراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية الراهنة ، لأن فيها ما فيها من اقتراح حلول ناجعة ، قادرة على تأسيس مشروع تربوي يجسد طموح المجتمع المغربي في منظومته التعليمية باعتبارها صادرة عن الفاعلين التربويين أنفسهم و شركائهم في المنظومة التعليمية . لقد شكلت تلك اللقاءات التشاورية ، فرصة تاريخية للتداول حول القضايا التربوية ، تهم الصورة الحقيقية للمدرسة المغربية و أسسها المنشودة و على أهميتها كان من الأجدر الاقتداء بتوصياتها و مشاريعها ، و الوقوف عند اقتراحاتها العملية ، بدل تهميشها واجترار ما تم تداوله من إصلاحات في شكل إعادة إنتاج التجارب السابقة و إصدار نسخة ثانية منها والتي أثبتت فشلها و لا تستجيب لمتطلبات المدرسة المغربية الحديثة ، فلا إصلاح ناجح من دون تشخيص واقعي ، تشخيص من منظور المستهلكين لخدمات قطاع التعليم ، و ليس من منظور المسيرين له و المتنفذين فيه ....(يتبع) *- أستاذ باحث