أثارت خيبات الأمل المتواصلة للرياضة المغربية خلال سنة 2008 , التي شكلت امتدادا للسنوات العجاف, الكثير من الجدل والتساؤلات تدعو إلى ضرورة إعادة هيكلة معمقة لهذا القطاع. وهكذا كانت سنة2008 غنية بالنقاشات, التي تجاوزت المشاكل السطحية والجدل الظرفي, والهادفة إلى وضع الأصبع على المعيقات التي تعترض قطاعا يعتبر رافعة اقتصادية وأداة للتربية على المواطنة والديمقراطية. وشكلت الرسالة الملكية, التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة (الصخيرات في24 و25 أكتوبر الماضي), خطوة حاسمة لتشخيص الحالة التي توجد عليها الرياضة الوطنية حاليا, كما اعتبرت خارطة طريق مست المشكل في العمق. واعتبرت الرسالة الملكية أن »من التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي, ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية من لدن بعض المتطفلين عليها للإرتزاق أو لأغراض شخصية«. وقدم جلالة الملك أيضا نموذجا للتنظيم والممارسة الرياضية بالمغرب »يعتمد على تدخل العديد من الفاعلين مع غياب التنسيق في ما بينهم, فضلا عن كون أغلبهم يمارسون نشاطهم ضمن إطار جمعوي يقوم أساسا على مبدأ العمل التطوعي والهواية«. ودعا جلالته »إلى وضع نظام عصري وفعال لتنظيم القطاع الرياضي يقوم على إعادة هيكلة المشهد الرياضي الوطني وتأهيل التنظيمات الرياضية للاحترافية ودمقرطة الهيئات المكلفة بالتسيير«. وطالب جلالة الملك »بإعادة النظر في نظام الحكامة المعمول به في تسيير الجامعات والأندية وملاءمة الإطار القانوني مع التطورات التي يعرفها هذا القطاع ووضع استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد للنهوض بهذا القطاع الحيوي«. وشكلت المناظرة الوطنية للرياضة, التي شارك فيها كل الفاعلين في القطاع الرياضي (الحكومة والبرلمان والجامعات والأندية الرياضية واللجنة الوطنية الأولمبية المغربية ...) تحت شعار«رؤية متقاسمة, مسؤولية مشتركة«, فرصة أجمع فيها المشاركون على التعاون من أجل إنقاذ الرياضة الوطنية وإعادتها إلى سابق توهجها. وأكد ممثلو الأمة, في هذا الإطار, انخراطهم التام والقيام بدورهم في المراقبة وتقديم الاقتراحات خاصة بعد إقصاء المنتخب المغربي في الدور الأول لكأس إفريقيا للأمم لكرة القدم الأخيرة بغانا. وتطرقت مداخلات البرلمانيين خلال المناقشات, حول المسؤولية المباشرة عن هذا الإخفاق, إلى القضايا البنيوية كغياب التنافسية, التي تعاني منها كرة قدم المغربية ومراقبة الحسابات والحكامة الجيدة للهيئات المسيرة للرياضة الوطنية بصفة عامة والتنسيق بين المؤسسة التشريعية في إطار المهمة المنوطة بها في المراقبة. كما تمت الإشارة إلى غياب سياسة واضحة المعالم تساعد على إبراز المؤهلات الوطنية وضعف مستوى البطولة الوطنية وغياب الشفافية في التسيير داخل الجامعات الرياضية باعتبارها الأسباب الكامنة وراء هذه الوضعية. ودعا البرلمانيون خلال مختلف الاجتماعات, التي جمعتهم داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب, مع المسؤولوين عن الشأن الرياضي إلى وضع الوسائل اللوجيستيكية والإطار القانوني الضروريين لتشجيع ممارسة كرة القدم على أعلى مستوى وكذا وضع مخطط استعجالي لإنقاذ الرياضة الوطنية والرفع من قيمة الميزانية المخصصة للقطاع وعقلنة التدبير ورد الاعتبار للرياضة المدرسية والجامعية. وكانت الرياضة الوطنية أكبر مستفيد من كل هذه الاجتماعات والندوات التي تمحورت حول إيجاد السبل الكفيلة بالخروج بالقطاع من النفق الضيق لتنهي بالتالي السنة برؤية أكثر وضوحا. ويشكل إحداث اللجنة الأولمبية الوطنية لإعداد رياضيي النخبة, التي جاءت بمبادرة من وزارة الشباب والرياضة واللجنة الوطنية الأولمبية المغربية, خطوة هامة نحو تجسيد كل هذه الاقتراحات على أرض الواقع. وتتشكل هذه الهيئة, التي عقدت أول اجتماع لها يوم12 دجنبر الجاري, من ممثلين عن اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية ووزارة الشباب والرياضة ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي. وتتمثل الأهداف الرئيسية للجنة في إيجاد آليات تتوفر فيها الشروط الضرورية لضمان الإعداد الجيد للرياضيين المغاربة في أفق المشاركة في الاستحقاقات الدولية. والأكيد أن الجدل والنقاشات, التي أثارتها الوضعية الراهنة لمختلف الرياضات الوطنية والإخفاقات بالجملة التي حصدتها هذه السنة,سلطت الضوء على مكامن الخلل وساهمت إلى حد كبير في إيجاد الحلول الناجعة لتخطي الأزمة.