منذ أن توقفت الهجوم الإسرائيلي الكثيف على قطاع غزة يوم 26 أغسطس سنة 2014 بعد قتال استمر 51 يوما وخلف مقتل ألفين و140 فلسطينيا مقابل مقتل 71 إسرائيليا، والذي أطلقت عليه حكومة تل أبيب تسمية عملية "الجرف الصامد"، تكثف الحديث والجدل حول مفاوضات بين حركة حماس والحكومة الصهيونية بشأن التوصل إلى هدنة طويلة الأمد بين الطرفين تمتد ما بين خمس و 15 سنة. يذكر أنه خلال العدوان الإسرائيلي تضرر أكثر من مائة ألف منزل كليا او جزئيا وشرد 100 الف غزي من بين سكان القطاع البالغ عددهم 1.8 مليون. خلال السنة التي أعقبت العدوان الصهيوني تعددت الروايات حول المفاوضات وكذلك التأكيدات والنفي بشأن إجرائها. فمثلا ويوم الأربعاء 11 مارس 2015 قال القيادي في حركة "حماس″، موسى أبو مرزوق: إن الحركة رفضت مقترحات وأفكار نقلها ضباط في الجيش الإسرائيلي عبر تجار فلسطينيين ورجال أعمال وشخصيات مستقلة فلسطينية حول سماح إسرائيل ببناء مطار، وميناء بحري لقطاع غزة وفصله عن إسرائيل والضفة الغربية، مقابل تهدئة طويلة الأجل. وأشار إلى أن هدف إسرائيل من هذه الأفكار "ليس خدمة غزة ولكن فصلها عن الضفة الغربية ومن ثم الاستفراد بالضفة لابتلاعها". قبل ذلك ويوم الإثنين 9 مارس أكدت صحيفة "جورزاليم بوست" الإسرائيلية، نفي مسئولين إسرائيليين، ومسئولين من حركة حماس، تقريرا يشير إلى أن حماس عرضت على إسرائيل هدنة طويلة الأمد. بينما أكد باسم نعيم، المسئول البارز في حماس إن التقرير حول الهدنة غير صحيح، مضيفا أن حماس لم تناقش قضية أي هدنة مع أي شخص. وبعد أشهر ونهاية صيف 2015 جدد نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية رفض فكرة قيام دولة في قطاع غزة مقابل التخلي عن بقية الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. اتصالات "إيجابية" يوم السبت 22 أغسطس 2015 أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في مقابلة مع صحيفة "العربي الجديد" وجود اتصالات "إيجابية" من أجل إرساء تهدئة طويلة الأمد مع إسرائيل في قطاع غزة، وأضاف مشعل وهو أول قيادي في "حماس" يتحدث علنا عن اتصالات مع إسرائيل عبر "وسطاء"، حتى الآن لم نصل إلى اتفاق". ولفت مشعل إلى أن "الحديث يدور حول المشاكل الخمس التي يعاني منها القطاع، وهي: الإعمار ورفع الحصار وفتح المعابر، ومشكلة الخمسين ألف موظف، والميناء والمطار، وأخيرًا البُنى التحتية من مياه وكهرباء وطرق. وتقول مصادر بحركة حماس، من بينها القيادي أحمد يوسف، إنّ الاتصالات بين الحركة وإسرائيل حول تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة قد قطعت شوطًا طويلاً إلى الأمام، معتبرًا أنه سيتسنى قريبًا الإعلان عن تطور جديد خاص بالأمر. لكن مصادر أخرى بالحركة نفت إجراءها مفاوضات مباشرة مع إسرائيل عبر قنوات سرية، سواء بخصوص تبادل أسرى، أو لترتيب حل سياسي لغزة من خلال هدنة طويلة الأمد. ومع ذلك، تلفت تلك المصادر إلى أن ثمة رسائل متبادلة عبر وسطاء يعملون في هذا الاتجاه، وهو ما يتناغم مع الرواية الإسرائيلية الأخيرة، التي تتحدث عن اتصالات شخصية بين الجانبين عبر وسطاء، من بينهم توني بلير، عضو اللجنة الرباعية الدولية السابق. ويعتقد خبراء مركز القدس للشؤون العامة أنه على الرغم من النزعة المؤيدة للاتفاق مع إسرائيل بين قيادات حماس فهناك خلافات خارجية، مصادر داخل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان تشير إلى وجود مؤيدين ومعارضين، فهناك جناح يعارض مثل هذه الخطوة، اعتمادًا على أن الاتفاق بين الحركة وبين إسرائيل، سيضر بوضع التنظيم الذي تمزقت أذرعه في العالم العربي، وفقد أرضيته الشعبية ولا سيما في مصر. ومع ذلك، لا يستبعد المركز وجود خلافات داخل حماس، وهو ما دفع قيادات بالحركة للزعم بأن الجولات التي يقوم بها خالد مشعل لا تمثل الحركة. وكانت تقارير فلسطينية، قد أشارت إلى أن إسرائيل وافقت على إنشاء ممر بحري، يربط قطاع غزة مع قبرص، مقابل هدنة تمتد عشر سنوات. كما أشارت إلى أن إسرائيل وافقت على رفع الحصار عن القطاع، ولكنها ترفض إعادة بناء مطار غزة الدولي، رافضة عرضًا قطريا لإنشاء مطار جديد في إسرائيل، مقابل موافقة إسرائيل على إعادة إنشاء مطار غزة. كشف المحلل السياسي المشهور في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شيمعون شيفر، في عدد الصحيفة الصادر يوم الأحد 23 أغسطس، النقاب عن أنه برغم المزاعم الإسرائيلية الرسمية بعدم وجود مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس، وبين إسرائيل، فإن مصادر رفيعة المستوى في تل أبيب أكدت على أن المفاوضات جارية، دون أن يكشف تفاصيل أخرى. وشدد شيفر على أنه شخصيا يؤمن لرواية حماس ولرئيس الدائرة السياسية في الحركة، خالد مشعل، الذي أكد وجود مفاوضات بين الطرفين. وتساءل المحلل الإسرائيلي لماذا لا تقوم إسرائيل بمنح الفلسطينيين في قطاع غزة ببناء ميناء ومطار، يكون تحت رقابة مشددةٍ من الجيش الإسرائيلي؟. ولفت إلى أن هذه الخطوة، يجب أن تبادر لها إسرائيل مقابل الحصول على تهدئة طويلة الأمد مع حركة حماس، على حد تعبيره. وكان عوفير غيندلمان، الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، قد نفى وجود أية محادثات، بشكل مباشر أو غير مباشر مع حركة حماس. تكريس الإنفصال في رد فعل على أخبار المفاوضات، اتهمت السلطة الفلسطينية حماس بالتفاوض مع إسرائيل سرا، والسعي إلى تكريس الانفصال بين الأراضي الفلسطينية. وقال أحمد عساف المتحدث باسم حركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس أن توني بلير، الممثل السابق للرباعية الدولية في الشرق الأوسط، هو أحد وسطاء المفاوضات. وأضاف في تصريحات لإذاعة صوت فلسطين أن "اتفاق حماس بلير هو خروج عن الإجماع الوطني والشرعية الفلسطينية وتكريس للانقسام وفصل لقطاع غزة عن بقية أراضي الدولة الفلسطينية"، واعتبر أن "ما تريده حماس هو نيل الاعتراف الإسرائيلي بها على حساب المشروع الوطني الفلسطيني". وأشار إلى أن الحركة "غير مخولة ولا تمتلك الحق بالتحدث أو التفاوض باسم الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن نتائج مفاوضاتها مع دولة الاحتلال لن تلزم أحدا خصوصا أنها تضرب عرض الحائط بالثوابت الوطنية والحقوق الفلسطينية المعترف بها دوليا". وأضاف المتحدث باسم "فتح" أن اعتراف خالد مشعل بإجراء هذه الاتصالات مع إسرائيل يؤكد المعلومات التي تتوفر لدى السلطة بأن هناك مفاوضات تتم عن طريق قناتين، القناة الأولى تتمثل في المفاوضات المباشرة، والتي تتمثل في التنسيق الأمني، حيث تم الاتفاق على وقف أي إطلاق للصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل وضبط الحدود مع الدولة الإسرائيلية، كما أن حماس تلتزم باعتقال أي شخص يقوم بإطلاق هذه الصورايخ على المدن الإسرائيلية. وأوضح "عساف" أن القناة الثانية تتمثل في المفاوضات غير المباشرة وهي المفاوضات السياسية عن طريق الوسطاء مثل توني بلير مبعوث الرباعية الدولية وغيرهم بهدف إقامة دولة حمساوية في قطاع غزة. وفي رده على سؤال عما فعلته منظمة التحرير للتخفيف عن فك الحصار في قطاع غزة، قال عساف، إن "حركة حماس منعت منظمة التحرير من التدخل بقضايا القطاع، وفرضت سيطرتها على المعابر ووضعت الكثير من العراقيل، ما مهد للقيام بهذه الصفقة التي تقوم بها الآن". وطالب عساف من كل الأطراف "المتواطئة" في هذه المؤامرة على التراجع فورا عن هذه المفاوضات، وأكد على أن الحكومة الفلسطينية ستفعل ما بوسعها لإيقاف المفاوضات في سبيل الحفاظ على مطالب الشعب الفلسطيني بحدود ال67 والقدس عاصمة لدولته المستقلة. التسوية مصلحة إسرائيلية كتب المحلل الصهيوني يوئيل ماركوس يوم 21 أغسطس 2015 في صحيفة "هآرتس": ليس في احيان قريبة يتاح لنا ان نقول كلمة طيبة عن نتنياهو، ولكن هذه المرة سنقول كلمة ثناء لرئيس الوزراء. صحيح فعل إذ يبحث عن تسوية لزمن طويل مع حماس في غزة. نقول هذا رغم أنه تقع علينا منذ الان اللذعات الدائمة، من نمط منذ متى يوجد لنتنياهو ايديولوجيا. فليست الايديولوجيا هي التي تحركه، بل مصلحته في أن يجلب الهدوء للجنوب. فلا يعقل ان في كل صيف ثان تكون حرب في غزة وكل ثنائي حماسي يقصف بلداتنا في الجنوب متى يروق لهما. وها هو طوني بلير، العطش على أي حال لجائزة نوبل للسلام، يتجول بالصدفة في المنطقة ويجلب لنا البشرى في أنه في ظل عدم وجود تسوية دائمة، حسن تفعل اسرائيل ومملكة غزة اذا ما توصلتا الى تسوية جزئية. سطحيا هذه فكرة لامعة في شهر يبشر بموسم الخيار. لا تحتاج اسرائيل الى حرب اخرى مضرجة بالدماء ك "الجرف الصامد"، تجري تقسيما للنزاع. فالتسوية ليست فقط مصلحة اسرائيلية بل وايضا مصلحة خالد مشعل وعشرات الاف سكان غزة ممن تبقوا بلا مأوى ومصدر رزق. ابو مازن سيغضب، فليغضب. فبأي حال هو في مراحل الاعتزال. وها هو يفقد السيطرة في نطاق السلطة حيث كل فرد يفعل ما يراه مناسبا. لقاءه مع بوجي كان باعثا على الشفقة. فالمضيف نسي حتى ان يرفع علم اسرائيل احتراما لزيارة أمير السلام من بيت هرتسوغ. صحيح أن رئيس السلطة يفي بالتزاماته لاسرائيل، ولكنه لا يمنع بما يكفي الارهاب الذي يزحف الى داخل اسرائيل من مناطق الضفة. من ناحيتنا ابو مازن ليس سائدا في المسيرة السلمية، باستثناء تعاون رمزي. فالسكاكين والحجارة من شأنها أن تتطور الى انتفاضة اجرامية في داخل اسرائيل. وكلما سفك الدم اليهودي فإن الأوضاع كفيلة بان تبدأ اسرائيل في أن تأخذ على محمل الجد اقتراح بلير للتعاطي مع غزة كدولة بين هلالين. ولن يكون مفر للمسيطرين فيها غير الوصول الى طاولة المفاوضات. قد يكون بوسع الجهاز العسكري لحماس ان يعيد بناء نفسه، ولكن هناك حاجة حقيقية ايضا لاعادة بناء عاجلة للبنى التحتية ولتحسين الوضع الاقتصادي. في هذه اللحظة نجد ان الاستياء في اوساط السكان كبير لدرجة امكانية التمرد ضد القيادة المسيطرة. إيران، التي تتذوق من جديد طعم المال الكبير، لم تسارع الى سكب الملايين اللازمة لاعمار غزة. المقطع الاكثر اثارة للاهتمام في مبادرة بلير هي دور تركيا، وللدقة اردوغان، في فكرة انقاذ غزة. وبعد أن اشرنا الى ذلك، يجدر بنا أن نأتي هنا بالنفي المتكرر الذي يتطاير عندنا كطيور الخريف. "لا علاقة مع تركيا في موضوع حماس″، نشر النفي من القدس. وهل ثمة سبب يدعونا الى تصديق النفي؟ ربما. من جهة، في الشهر الماضي فقط طرد رجل حماس من أنقرة، من جهة اخرى منذ زمن غير بعيد حل هناك مشعل ضيفا على اردوغان. في كل الاحوال، برأي خبير عليم، هذه هي اللحظة التي يتعين على اسرائيل فيها ان تصلح العلاقات مع تركيا. وبالتأكيد اذا كانت الفكرة عن النهج الجديد تجاه غزة سيحتل خيالنا الشرقي. تعبير "لا يوجد مع من يمكن الحديث" افلس. تحدثنا مع السادات، تحدثنا مع الاسد، تحدثنا مع عرفات. وعلى أي حال لا بد لاحقا سنتحدث ايضا مع نصرالله، مع خامينئي. ربما حتى مع اوباما. وبالتأكيد مع حماس. من يدري؟ ربما في النهاية نصل الى ثلاث دول للشعبين. في واقع الامر، اربع دول، إذ ان فتيان التلال ايضا يريدون واحدة. نتائج الجرف الصامد يوم 18 أغسطس 2015 كتب البروفيسور إيال زيسر في "اسرائيل اليوم": اتفاق مع حماس اذا تحقق، سيكون نتيجة مباشرة لعملية الجرف الصامد، التي مر عام على انتهائها في هذه الاثناء والتي سمعت الانتقادات من جميع الجهات حول طريقة ادارتها وانجازاتها. ولكن في امتحان النتيجة بعد عام، يجب الاعتراف أن العملية حققت هدفها وأدت الى التزام حماس بشكل كامل لم نعرف له مثيلا في السابق، بالحفاظ على الهدوء المطلق على طول الحدود. حماس فقدت شهيتها للتصعيد في مواجهة اسرائيل، ويبدو أنها فهمت بشكل متأخر أن المشكلة الرئيسة التي يجب عليها الاهتمام بها ليست اسرائيل بل داعش، التنظيم الذي يحاول الاضرار بها بالذيل في القطاع. لقد اتضح لحماس أن المواقف المتطرفة في مواجهة اسرائيل ليست بضاعة ناجحة، وسيكون داعش دائما أكثر تطرفا من حماس، لهذا يجب محاولة شراء الغزيين بواسطة تحسين ظروف حياتهم وليس بواسطة التصعيد. بخلاف حزب الله الذي نجح في أن يقيم في لبنان ليس فقط بنية عسكرية ملفتة، بل ايضا بنية اجتماعية واقتصادية ناجعة. ولكن حكومة حماس في القطاع هي فشل ذريع. توجد لحماس قوة عسكرية قادرة على ردع اسرائيل، وقوة أمنية تمكنها من السيطرة الدكتاتورية على السكان في غزة. لكن لا يوجد لها انجاز في مجال رفاهية السكان. سباق مع الزمن يوم 17 أغسطس ذكر موقع "رأي اليوم": فعليا بدأت حركة حماس ترتيباتها الخاصة لعقد اجتماع موسع لقيادتها في غزة والموجودة في الخارج، لدراسة الأفكار التي سلمت إليها بشكل رسمي من قبل توني بلير الوسيط الذي يتحرك بين إسرائيل والحركة لإبرام اتفاق هدنة طويلة الأمد، وهي المرة الأولى منذ بداية الاتصالات التي تتسلم فيها حماس بنود مكتوبة، ولمعرفة آخر اتصالات تركيا في هذا الشأن بعد أن حظيت هذه البنود بموافقة غالبية قيادة الحركة في غزة. ما يدور في الكواليس وتخفيه حركة حماس حتى اللحظة عن غالبية الفصائل الفلسطينية هو أنها تسلمت فعليا بنود التهدئة التي تريد إسرائيل ودول غربية إرسائها في غزة، وبموافقة دول عربية وإسلامية، حيث شرعت الحركة منذ لقاء بلير بخالد مشعل في الدوحة مؤخرا، بعقد سلسلة لقاءات داخلية لبحث البنود والخروج بموقف موحد. ما أوصله بلير من بنود وافقت عليها إسرائيل ودول غربية بعد عدة لقاءات عقدها مع قيادات إسرائيلية وغربية وأخرى من حماس، يحمل موافقة إسرائيلية على إنشاء خط بحري "ممر مائي" يربط قطاع غزة بجزيرة قبرص، على أن يخضع هذا الممر المخصص لنقل السكان والمسافرين لرقابة من حلف الناتو، بمعرفة إسرائيلية. ويكشف مصدر مطلع من حركة حماس في غزة أن قيادة الحركة عقدت لقاء موسعا شمل أعضاء المكتب السياسي وقيادة الحركة في غزة، وكذلك أعضاء مجلس الشوري، وقيادة الذراع المسلح كتائب القسام، تم خلاله مناقشة أفكار التهدئة المعروضة لعدة ساعات، خرج الحضور بعد ذلك برأي حمل الموافقة من غالبية الحضور، مع بعض الاستفسارات والضمانات على الاتفاق، كالإشراف على الممر المائي، وكيفية تنفيذه. وهناك تذكر تقارير أن من بين قيادات حماس الذين وافقوا على المقترح كان الدكتور محمود الزهار والدكتور خليل الحية. المصدر المطلع في حماس قال أن نتائج الاجتماع نقلت على الفور إلى قيادة حماس في الدوحة، فاتخذ مشعل من هناك قرارا بزيارة تركيا للقاء المسؤولين الأتراك لمعرفة كيفية تطبيق أهم بند في الاتفاق وهو "الممر المائي". في أنقرة تباحث مشعل مع الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، حول دور تركيا في الممر المائي، خاصة وأنها من الدول التي ستشرف على مراقبته كونها عضو في حلف الناتو. كذلك تباحث مشعل مع أردوغان في بنود الهدنة المعروضة من بلير، وأطلعه على موقف حركة حماس في غزة، ومن تركيا جرى اتخاذ قرار عقب اتصالات أخرى أجراها مشعل مع قائد حماس في غزة ونائبه إسماعيل هنية، بأن يخرج من غزة وفد قيادي من حركة حماس على رأسه هنية وأعضاء المكتب السياسي، وأخرى من مجلس الشورى، لعقد اجتماع موسع لقادة حماس لمناقشة ملف التهدئة بشكل موسع على مستوى قيادة الحركة، لمعرفة آخر اتصالات تركيا بشأن الممر المائي، وأخذ تعهدات على عدم نقض الاتفاق من قبل إسرائيل، قبل تسليم رد حماس النهائي إلى بلير. ويؤكد المصدر المطلع في حركة حماس بغزة أن تركيا من الدول الرئيسية التي تتوسط في ملف التهدئة، وأن قطر تدعم الاتفاق ويؤكد أيضا أن مصر على علم بكل اتصالات التهدئة الجارية، وأن وفد حماس في غزة رسميا بعث قائمة بأسماء وفد الحركة الذي ينوي مغادرة غزة وعلى رأسه إسماعيل هنية، إذا أتيحت الظروف من معبر رفح للقاء مدير المخابرات المصرية، ومن ثم التوجه إلى قطر ومن هناك إلى تركيا. وتشمل بنود التهدئة المعروضة من بلير موافقة إسرائيل على إنشاء ممر بحري تحت مراقبتها لتسهيل حركة المسافرين من غزة، وكذلك رفع الحصار، والسماح لخروج عمال للعمل في مدن إسرائيل، وتوقف حماس عن كل الأعمال العسكرية بما فيها حفر الأنفاق وتطوير الصواريخ، على أن تمتد الهدنة لعشر سنوات. وعلى الأغلب لا تعلم السلطة الفلسطينية بكل تفاصيل ما يجري من مباحثات بين حركة حماس وإسرائيل، وهنا يردد مسؤولون كبار في السلطة أن إسرائيل تريد إبرام اتفاق مع حماس لتحييد قطاع غزة في الفترة المقبلة، وأن إسرائيل تريد إبرام الاتفاق بشان الهدنة الطويلة قبل أن يتخذ الرئيس محمود عباس "أبو مازن" أي قرارات سياسية جديدة، خاصة وأنه يستعد لعقد اجتماع للمجلس الوطني يكون اجتماعا عاما، ينتخب قيادة جديدة للمنظمة. عودة مشروع "غزة أولا" كتب وزير الثقافة الفلسطيني السابق والإستاذ في جامعة غزة د. إبراهيم أبراش قبل أشهر وبالضبط يوم 15 مارس 2015: بعد اثنين وعشرين عاما على الطرح الإسرائيلي لخطة "غزة أولا" والذي تم رفضه من الراحل أبو عمار ومن الكل الفلسطيني، يعود الشعار اليوم كتسوية ممكنة بل وأمر قائم يحتاج فقط لمن يقرع الجرس، ولكن هذه المرة كمطلب من جهات دولية وبعض الفلسطينيين، متساوقا مع جهود حثيثة لنزع غزة من سياقها الوطني وإقامة دولة غزة تحت ذريعة الظروف الإنسانية القاسية، أيضا قد تكون هذه المرة "غزة أولا وأخيرا". منذ أن طرح شارون خطته رسميا للانسحاب من غزة عام 2004 ونحن نحذر من خطورة ما يحاك لقطاع غزة، حتى اتهمنا البعض بأننا مهووسون بنظرية المؤامرة. واليوم وبعد النكران المطلق والصمت المريب للنخب السياسية الفلسطينية حول حقيقة ما يحاك لصناعة دولة غزة، وبعد وصول حل الدولة المستقلة في الضفة وغزة إلى طريق مسدود، بدأ البعض يحذر بوضوح من دولة في غزة تقوم على حساب وأنقاض المشروع الوطني الفلسطيني، وآخرون لا يتحدثون مباشرة عن دولة غزة ولكنهم يعملون من خلال الممارسة والخطاب المدسوس والتحريضي على كي وعي الشعب الفلسطيني وخصوصا أبناء قطاع غزة لقبول دولة غزة. تكرار العدوان على قطاع غزة، استمرار الحصار وتشديده، إعاقة كل سبيل يمكن أن يؤدي للمصالحة، بث ثقافة الكراهية والحقد بين فتح وحماس وبين أهلنا في قطاع غزة وأهلنا في الضفة الغربية، المبالغة والتهويل في الحديث عن الأخطار والمآسي التي يتعرض لها أبناء القطاع من فقر وجوع وحصار وانتشار الأوبئة ومشاكل الكهرباء والماء، انغلاق أفق المستقبل والتحذير من أن قطاع غزة موشك على الانفجار وبات مكانا غير صالح للحياة الخ. تضخيم وتهويل خطورة الوضع الإنساني والأمني يهدف إلى تهيئة الرأي العام الفلسطيني وخصوصا في القطاع لقبول أي حل حتى وإن كان تجريد قطاع غزة من وطنيته ونزعه من سياقه الوطني، مقابل ميناء ومطار ورفع الحصار. مشروع دولة غزة فكرة قديمة، ولكن الحرب الأخيرة على غزة كشفت كثيرا من الأوراق وعجلت من انضاج المشروع وخصوصا بعد المؤتمر الدولي حول غزة الذي تم عقده في باريس يوم 26 يوليو 2014 وضم وزراء خارجية أمريكا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتركياوقطر وتم استبعاد الفلسطينيين أصحاب الشأن، حيث ناقش المؤتمر سرا موضوع رفع الحصار وبناء ميناء وقيام كيان في غزة، مقابل نزع سلاحها أو هدنة طويلة المدى، وفك ارتباط غزة بالضفة و بالمشروع الوطني. بصمت استمر الاشتغال على الموضوع. السيد موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يصرح في مقابلة مع قناة القدس يوم الحادي عشر من سبتمبر 2014 و هو ما كتبه أيضا على موقعه على الفيس بوك، أنه "لا مانع لدى حماس من التفاوض مع إسرائيل، لأنها قد تجد نفسها مضطرة للتفاوض مع إسرائيل بضغط من شعبها في غزة "، وأن "القضايا التي كانت في الماضي تعتبر من المحرمات يمكن أن يتم تسويتها اليوم". هذه التصريحات تنسجم وتتعزز عمليا مع فشل كل جهود المصالحة الفلسطينية وإصرار حركة حماس على أن تبقى حاكمة لغزة حتى وإن تركت الحكومة مقولة السيد إسماعيل هنية " لقد تركنا الحكومة ولم نترك الحكم". لم يقتصر الأمر على حركة حماس، فقد كتب الدكتور سلام فياض في مقال له يوم 9 من مارس 2015 مقالا تحت عنوان "سعي الفلسطينيين للدولة يبدأ من غزة" ، وفي ظني أن هذا المقال يحتاج لتوضيح حتى لا يثير توقيته الريبة. أيضا التصريحات الحديثة لممثل الأممالمتحدة روبرت سري في يوم 2 مارس 2015 حيث طالب في تصريحه: "باعتماد استراتيجية غزة أولا، وأن غزة هي مشكلة سياسية ويجب معالجتها كجزء من إنهاء الاحتلال وتحقيق حل الدولتين، ولن يكون هناك سلام دون معالجة احتياجات غزة أولا، وسوف أطلع مجلس الأمن في أواخر شهر مارس للمرة الأخيرة وسوف أؤكد على ضرورة إعطاء الأولوية لغزة "، وبما هو قريب من هذا المعنى تحدث ممثل اللجنة الرباعية طوني بلير خلال زيارته الأخيرة لقطاع غزة. إذا ربطنا ذلك بما سربه موقع "والا" الإسرائيلي عن عرض قدمته حركة حماس عبر روبرت سري والقنصل السويسري مفاده القبول بهدنة طويلة المدى مقابل رفع الحصار وبناء ميناء ومطار، ولم تنف حركة حماس وجود اتصالات معها بهذا الشأن، وإن قالت إنها ليست المبادِرة لها ولكن أطرافا أجنبية عرضتها عليها وهي محل بحث، وأن يتزامن ذلك أيضا مع خطاب نتنياهو يوم الأحد 8 مارس عندما تنكر لخطابه في جامعة بار إيلان عام 2009 والذي وافق فيه بالاعتراف بدولة على حدود 1967 ضمن شروط ، وأعلن في خطابه الأخير رفضه قيام دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية ... كل ذلك يؤكد أننا في الربع ساعة الأخيرة لقيام كيان غزة رسميا. إقبار الوطنية الفلسطينية للمرة الألف نعيد التأكيد على والتحذير من: 1- كانت إسرائيل أول من رفع شعار "غزة أولا" في بداية مسلسل التسوية، حيث كانت إسرائيل تريد أن يقتصر الانسحاب على قطاع غزة، وهي وإن عدلته لاحقا في إطار اتفاق القاهرة يوم الرابع من مايو 1994 في إطار المناورة السياسية إلى " غزة وأريحا أولا"، ثم سلطة حكم ذاتي مرحلي أوسع، إلا أن إسرائيل لم تتخل عن هدفها الرئيس بقصر الانسحاب على قطاع غزة فقط. لذا عطلت تفعيل الممر الآمن بين قطاع غزة والضفة المنصوص عليه في اتفاقية أوسلو، وفصلت بين هوية أبناء القطاع وهوية أبناء الضفة، ثم كان الانسحاب من القطاع 2005. 2- إن معركتنا الرئيسة في الضفة والقدس إن لم يكن في كل فلسطين، وليس في قطاع غزة، وإن الذين يرفعون شعار "غزة أولا" يعملون، بقصد أو بدون قصد، على حرف الأنظار عن المعركة الحقيقية في الضفة والقدس، ودفع الفلسطينيين ليتقاتلوا أو يتلهون بقطاع غزة وترك الضفة والقدس للإسرائيليين. 3- إسرائيل لا تتخوف من أي تجمع فلسطيني مثلما تتخوف من قطاع غزة، حيث تتم تصفية الحالة الوطنية في خارج فلسطين. قطاع غزة وحده هو المؤهل لاحتضان الوطنية الفلسطينية وشحذها واستنهاضها كما كان منذ 1948 حيث كان القطاع وحده من حمل الهوية الوطنية الفلسطينية. لذا فإن الهدف من وراء فصل غزة وحصارها هو حصار الحالة الوطنية التي تمثلها غزة، وجعل غزة مقبرة للوطنية الفلسطينية. 4- فشل النظام السياسي بكل مكوناته خلال سنوات السلطة في الحفاظ على وحدة الثقافة والهوية الوطنية والضمير الجمعي بين أبناء الوطن وخصوصا في الضفة والقطاع، والذي كان يسود خلال عقود الثورة والكفاح المسلح. فالسلطة قَصرت في حماية الهوية والثقافة الوطنية، وحركة حماس لا تعترف بهما حيث لها مفهومها الخاص للثقافة والهوية، وهذا الأمر أدى لغياب حالة من الصدمة أو الإحساس بالخطر عند جموع الشعب بسبب الانقسام أو قيام كيان في غزة. 5- التلويح ، سواء من أطراف فلسطينية أو من طرف إسرائيل، بحل السلطة "سلطة الحكم الذاتي حسب اتفاقية أوسلو" والموجودة عمليا في الضفة فقط، مع استمرار الحديث عن دولتين لشعبين أو مطلب الدولة الفلسطينية، سيؤدي إلى صيرورة قطاع غزة الخاضع عمليا لسلطة حماس إلى الدولة الفلسطينية الممكنة، وهذا ما يتوافق مع خطة خارطة الطريق التي تحدثت عن دولة ذات حدود مؤقتة. 6- هناك أطراف فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية مستعدة للتعامل مع كيان قائم بذاته في غزة تحت حكم حركة حماس، ولكن ضمن شروط هي اليوم محل بحث بعيدا عن الأضواء. 7- في حالة التسليم بالأمر الواقع والإقرار بصعوبة انسحاب إسرائيل من الضفة في ظل موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية الراهنة، وأن لا إعمار للقطاع ولا رفع للحصار إلا من خلال تكريس فصل غزة عن الضفة وإقامة دولة غزة، فإن دولة في غزة تحت سيطرة حركة حماس التي هي فرع من جماعة الإخوان التي لا تعترف بالمشروع الوطني وربما لا تؤمن به، سيؤدي لإقبار الوطنية الفلسطينية، وهنا مكمن الخطورة. عمر نجيب [email protected]