عنوان هذه الورقة، هو عنوان الكتاب الجديد للأستاذ محمد أديب السلاوي الذي صدر أخيرًا بتقديم للدكتور الجيلالي الكدية والأستاذ محمد السعيدي، ويحتوي على اثنتي عشرة (إضاءة) وهي الفصل. ففي الإضاءة الحادية عشرة تحت عنوان (من يعمل على إنقاذ لغة الضاد؟)، يقول المؤلف : (إن استعمال اللهجات العامية واللغات الأجنبية في المجال الإعلامي العربي، وإن أصبح أمرًا عاديًا بالنسبة للعديد من الإعلاميين، ولا يثير أية مشكلة لدى الكثير منهم، فإنه بالنسبة للثقافة العربية، يعد إشكالية مترابطة مع التحديات الحضارية الراهنة، فإذا ما ولدت العولمة صراعًا بين الحضارات، وتنافسًا شرسًا على البقاء والهيمنة العالمية ثقافيًا، فهذا في صميم هذا الصراع، لذلك فإن العاميات واللغات الأجنبية في نظر العديد من المفكرين والفلاسفة، هو ما يهدد بقاء اللغة العربية، بل هو عدوها الثقافي الأشرس، لأنها تنتصب حليفًا موضوعيًا للكونية الغازية. ويستند المؤلف في هذه الفقرة إلى حديث للمفكر اللغوي التونسي للدكتور عبد السلام المسدي. ويرى المؤلف أن الدفاع عن اللغة الأم/اللغة العربية، قضية مصيرية وصراعٌ من أجل البقاء، وإن دعاة تبني العاميات أو اللهجات المحلية لا يمكن إلا أن يفضوا بما يدعون إليه، إلى تشتيت الأمة العربية برمتها، والعودة إلى أسطورة برج بابل، وإلى الفوضى وانعدام الحوار والتفاهم. ويعرض المؤلف لحال اللغة العربية اليوم، فيقول إن الضعف ليس في اللغة العربية، ولكن في نفوس العرب الذين استسلموا دون شروط للصراع الحضاري والهيمنة الثقافية الغربية ولغاتها. وتحت عنوان (الفصحى، هل تخسر معركتها مع أعدائها؟)، وهي الفصل/الإضاءة السابعة، يقول المؤلف إن اندماج اللغة العربية الكلي في شبكة الانترنت على نطاق واسع، وظهور آلاف المواقع والمعاجم الإلكترونية واعتماد التدقيق الإملائي والترجمة الآلية من وإلى اللغة العربية، يؤيد بألف دليل على متانة وقوة موقع هذه اللغة العلمي الذي يجعل منها لغة العصر الحديث، كما كانت لغة العصور الغابرة، رغمًا على كل الصراعات والمؤامرات. ويطرح المؤلف سؤالا ً محوريًا تدور حوله الأسئلة الملحة التي تساق في هذا المجال، فيقول : (هل يتطلب انخراطنا في الحداثة أن نفرض على مناهجنا التعليمية اللغة العامية، بما تحمله من أهداف ومصالح وأنماط وسلوكات، وهو ما يؤدي إلى تشويه لغتنا الأم/اللغة العربية، وسحق شخصيتها وإبادة وجودها؟. وبعد أن يفسر كيف أن فرض العامية في المناهج التعليمية وهو ما يمثل مشكلة سياسية في المقام الأول، يتساءل : هل نضع مسؤولية مواجهة هذه المؤامرة على كاهل النخب السياسية وحدها، أم أن الأمر يتعلق بكل المجتمع، وخاصة المجتمع المدني، لأنه لا يمكن فرض أية لغة على التعليم/على الأجيال المغربية الصاعدة، خارج المنطق، إذا لم تجد في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإيديولوجية الداخلية، ما يتيح استقبالها وتقبلها، بل واستنباتها وتوظيفها اجتماعيًا وإداريًا وتربويًا على أرض الواقع، لا يمكنها أن تعيش، ولا أن تبقى. فأثر اللغة الدارجة لا يتميز إلا في الحقل السائد المعبر عن بنيته السائدة. وهذا رأي حصيف بالغ القيمة عبر عنه المؤلف بصراحة تحمد له. ولم يكتف المؤلف بإبداء الرأي السديد حول هذه المسألة الحساسة، بل توجه بالخطاب إلى عموم المجتمع، فقال : ((لأجل ذلك نجدنا ندعو الحكومة والأحزاب والمجتمع المدني، وكل المثقفين بصراحة، إلى مواجهة الأمر بصرامة ووضوح، وأن نضع مسؤولية اللغة على أصحاب المسؤولية، لأن اللغة ليست مجال مساومة أو حسابات سياسيوية (حبذا لو غير المؤلف هذه العبارة) خرقاء، فاللغة هي لباس الإنسان، وهي اللسان الذي به يؤكد وجوده ويحرص على خصوصياته الثقافية والحضارية التي حدثت في سياق هذا اللسان، وبه تمت كل المعارف التي هي اليوم تراث الأمة ورأسمالها الرمزي)). وعلى هذا النمط وبهذه الروح يمضي المؤلف الغيور المثقف العاقل الرصين، في الإضاءات الإثنتي عشرة تحت العناوين التالية : العربية من النهضة إلى التراجع، الصناعة المعجمية العربية تكشف للعالم هويتنا العلمية، المصطلح العلمي في لغة الضاد : قضية لا مشكلة، من يكشف لنا عن واقع هذه اللغة؟، واقعنا اللغوي في زمن العولمة، هل يكشف لنا أسباب التراجع؟، الفصحى والعامية .. أي صراع لأية غاية؟، الفصحى : هل تخسر معركتها مع أعدائها؟، البدايات الأولى لقضية التعريب في المغرب، أسئلة التعريب ورهاناته بالتعليم العالمي في البلاد العربية، المغرب والفرانكفونية .. إلى أين؟، من يعمل على إنقاذ لغة الضاد؟، اليونسكو تعترف بلغة الضاد في زمن العولمة. أيها الأخ الزميل الصديق الأستاذ محمد أديب السلاوي، بوركت، وشكرًا وهنيئًا لك.