يمكن اعتبار وصول الاشتراكيين إلى الحكم علامة مشئومة في مجال الترحيلات القسرية التي تجاوزت سنة 2014 عتبة ال30 ألف مطرود. وقد تصدر المغاربة قائمة المرحّلين مغاربيا وإفريقيا بحصولهم على 2982 قرار ترحيل حسب ما أعلنته وزارة الداخلية، أول أمس، في بيان أكدت فيه على أن هذه الترحيلات تمت "في إطار من الاحترام الدقيق للإجراءات المعمول بها في هذا المجال". وعلى سبورة المرحلّين، يأتي الجزائريون في المرتبة الثانية بفارق ضئيل (2876)، والسينغاليون (2262) والصينيون (2018) ثم التونسيون (1982)... وانفرد الرومانيون كما حال السنوات السابقة بالصدارة بعد ترحيل 16400 شخص معظمهم من النساء والأطفال. ومن بين المغاربة المرحّلين من دخل فرنسا عبر مراكب الموت وشبكات تهريب الأشخاص والبضائع، ومنهم من اختار البقاء بها بعد أن انتهت صلاحيات التأشيرات التي حصلوا عليها لمتابعة الدراسة. ويكلف ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الدولة الفرنسية حوالي 232 مليون أورو سنويا، أي 12000 أورو (حوالي 13 مليوم سنتيم) لكل حالة طرد حسب وزارة الداخلية، فيما تقدر الجمعيات الحقوقية تكلفة الترحيل ب 27000 أورو لكل حالة. وقد دافعت وزارة الداخلية عن رقمها القياسي الجديد بالتأكيد على أن الأولوية الآن هي "توخي الصرامة المطلقة مع الهجرة السرية المصحوبة بالبطالة والفساد والانحراف". وكشفت أن عدد المرحّلين سجل ارتفاعا بنسبة 11 في المئة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، وهو ما يعني "حرصنا على محاربة الهجرة السرية بكل ما نملك من وسائل"، مع العمل على رفع عدد بطاقات الإقامة الممنوحة لأسباب مهنية والتي سجلت تحسنا خلال نفس الفترة بنسبة 16 في المئة". وحينما سئل في حوار تلفزي مع القناة الفرنسية الثانية عن الانعكاسات الكارثية لسياسة الهجرة على سمعة فرنسا وتاريخها الحقوقي، بدا وزير الداخلية غير عابئ بالوضع الاجتماعي والإنساني للمهاجرين مبديا بعض التحفظ بشأن سياسة الإبعاد التي اتبعها حزب ساركوزي، الاتحاد من أجل حركة شعبية، واصفا إياها بسياسة "الحزم والإجحاف معا"، لأنها شابتها، على حد قوله، "عدة تجاوزات نعمل على تلافيها حتى تتم العملية في جو من العدالة والإنصاف". وتُكذّب وزير الداخلية المعطيات التي نشرتها "شبكة التربية بلا حدود" والتي أكدت فيها بالأرقام على أن الترحيلات المهينة في حق أشخاص ذنبهم أنهم فروا من التهميش والبطالة المتأصلة في بلدانهم، تتم في أجواء من التنكيل والرعب، عبر عمليات تصيّد يقوم بها البوليس أمام المدارس الابتدائية والمؤسسات التعليمية المختلفة لاستنطاق التلاميذ عن أوضاع آبائهم واقتيادهم بعد ذلك إلى مقر سكناهم لاعتقالهم تمهيدا لترحيل الجميع أطفالا وآباء إلى موطنهم الأصلي.. أمثلة بالمئات جسدت ولا تزال أقسى حالات الإهانة في بلد يتباكى على إسبانيا لأنها أقدمت في خطوة خجولة على تسوية بعض ملفات الهجرة السرية.. بلد يتحسر مسئولوه على إيطاليا لأنها لا تتعامل، على حد قول الرئيس فرانسوا هولاند، بما يلزم من صرامة مع الهجرة السرية. بلد ألقى بكل ثقله لجعل الاتحاد الأوربي يفرض على المهاجرين السريين حالة حصار، ويتبنى لتجسيد ذلك عقوبة حبسية نافذة لمدة 18 شهرا في حق كل من وطأت قدماه التراب الأوربي وقاوم العودة إلى بلده الأصلي. ومن المفارقات أن نسبة كبيرة من الفرنسيين تؤيد تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين (68 في المئة من المؤيدين ومعارضة 24 في المئة فقط والباقي بدون رأي). والملفت أن مؤيدي التسوية لأسباب إنسانية واقتصادية، ينتمون بنسب عالية إلى حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، أي حزب اليمين التقليدي، إذ تبلغ نسبة المؤيدين من بين هؤلاء 82 في المئة، بينما لا تتعدى 58 في المئة لدى مناصري الحزب الاشتراكي الحاكم. وتأتي حصيلة الترحيلات التي تتباهى بها وزارة الداخلية وسط توقعات اقتصادية مثيرة للقلق، حيث الأوضاع الاجتماعية متدهورة والقدرة الشرائية متدنية والبطالة في ارتفاع متزايد والاقتصاد يعيش نكسة غير مسبوقة بعد أن تراجع الناتج الداخلي الخام بنسب قياسية..وكل شيء ينذر بسنة اقتصادية صعبة بالنسبة للحزب الاشتراكي الذي قد يلجأ في الشهور القليلة القادمة إلى تعديل وزاري لتلميع صورة الحكومة التي لم تحقق أي اختراق في الملفات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى. وتدافع الأوساط الاشتراكية عن سياسة الترحيلات بالتأكيد على أن أزيد من 65 في المئة من مهاجري شمال إفريقيا إلى كندا والولايات المتحدة، يحملون شهادات عليا، بينما 78 في المئة من مهاجري الفئة نفسها في أوروبا لم ينهوا دراسة ابتدائية أو ثانوية مما يعني أن الأكثر كفاءة يذهبون إلى غيرنا ونحن نحتفظ بالأقل كفاءة ومردودية. وترى أن تزايد الهجرة غير الشرعية القادمة من البلدان المغاربية التي تتصاعد فيها الأصولية الإسلامية، هي من أكبر التحديات التي تواجه فرنسا والتي يتعين التغلب عليها بما يخدم المصالح الاقتصادية والاجتماعية الفرنسية. وترى أيضا في قرار الترحيلات الذي تبناه البرلمان الأوروبي في ربيع 2011 بأنه "مهم جدا" كونه يضع سقفا زمنيا لمدة احتجاز المهاجرين غير الشرعيين بثمانية عشر شهرا، مما يعني أن ضبط الهجرة السرية يسير، على حد زعمها، في الاتجاه الصحيح. والغائب في حصيلة الترحيلات أن معظم العمال غير الشرعيين لديهم كشف رواتب ويصرحون عن ضرائبهم ويسددون التعويضات الاجتماعية ومستحقات الضمان الصحي والتقاعد، ولا يستفيدون أبدا من كل هذا بسبب عدم امتلاكهم وثائق الإقامة. ومعظم هؤلاء يعملون لدى أرباب عمل يدركون أنه ليس بحوزة موظفيهم أوراق إقامة ويستغلون ذلك دون خجل.