بصرف النظر عن أدبيات رمي حذاء صحفي عراقي في وجه الرئيس بوش، وتهليل وتصفيق واعتذارات أدبية من مراكز رسمية أو صحفية ، فالحادثة ليست الوحيدة في مثل هذه المواقف... فقد تعرض المستشار الألماني السابق «غيرهارد شرويدر»، الى صفعة من رجل عاطل عن العمل عفا عنه المستشار بعد فهم طبيعة غضبه، والرئيس الفرنسي شيراك تعرض لمقذوفات الطماطم والسحب من مكانه من قبل معارضين اسرائيليين، ولم يحتد أو ينفعل، والرئيس بوش كان ذكيا في التبرير عندما رد «هذا ثمن الحرية» وقد نستغرب كشرقيين مشاهدة أمريكي يضع قدميه فوق مكتبه أو على كرسي مجاور يجلس عليه ضيف أو صديق، بمعنى أن الرمزية التقليدية بمفهوم الحذاء والتهديد به أو قذفه، تختلف عن ثقافة الغربي الذي لايعيرها أي اهتمام.. قد يكون الفاعل مدفوعا بواقع ما شاهده وعاشه في بلده، وهو يغرق بالفوضى والقتل المتعمد والتشريد لملايين العائلات، وهي مرارة تفقد أي إنسان توازنه إذا ما شعر أن المتسبب رئيس دولة عظمى جاء يستشهد بإنجازاته التي هي مجرد أوهام عن ترسيخ الديمقراطية وتأمين الحريات وسط فوضى قد لايتعافى منها العراق إلا خلال سنوات طويلة.. في نفس الوقت ندرك أن الحادثة لو جرت أمام رئيس دولة في العالم الثالث، لربما قتل الفاعل فوق كرسيه، وهذا لايعني أن بوش لم يفاجأ بقذائف الصحفي وكلماته النابية، على اعتبار أن ما جرى يمكن وصفه، وفق العقلية الأوروبية ب «المزحة الخشنة»، لكن الدلالة ان انفعالات تلك الشعوب لاتتحرك سريعا مثل دماء الشرقيين الفائرة والتي تغلي لأي سبب بسيط حتى لو يمكن معالجته بأسلوب الحوار، والحذر وأدبيات العلاقات العامة.. ومثلما أطلقت النيران على زعماء وقادة بحكم عداوات أو تجاوزات في قضايا سياسية او اجتماعية، قتل البعض ونجا البعض الآخر، فالذي جرى لبوش هو تعبير عن غبن شرقي بكل ما تعنيه حقيقة هذا التصرف، ولم يجد إلا الحذاءين يقذف بهما، وهنا لابد من مداعبة القارئ، إذا ما اشترطت وسائل الأمن العالمية، أن يتجرد الحضور لحفلات أو مؤتمرات صحفية، أو أي اجتماع حساس من أحذيتهم، (وعقلهم) وجوالاتهم، وكل ما يمكن استخدامه وسيلة لمعترض على أي شخصية مهمة يقذف بها في وجهه، أوقبالته.. المراسل الصحفي العراقي منتظر الزيدي أصبح حديث العالم، لان المفاجأة جاءت لتداعب أفكار المحتجين الذين باركوا تصرفه، وآخرون وجدوا فيها خطأ «سلوكيا» وغيرهم مخاشنة عاطفية، وكل تفسير له دلالة معينة تتحدث عن مكنون خاص فردي أو جمعي والرئيس بوش قد لايكون معنيا «بالحادثة في مظهره العام، أثناء مؤتمره الصحفي، لكنه لم يكن يتوقع ان يصل التعبير لمعترض الى هذه الحدة، وخاصة عندما يفهم ما تعنيه النعال كمصادر للاحتقار والنجاسة في عرف الرجل الشرقي...