وجه جلالة الملك محمد السادس رسالة سامية إلى الملتقى الأول لمغربيات العالم، الذي افتتحت أشغاله يوم الجمعة بمراكش. وفي ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلتها السيدة زليخة نصري مستشارة جلالة الملك « الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه. حضرات السيدات والسادة، يطيب لنا أن نتوجه بعبارات الترحيب والتقدير، إلى المشاركات والمشاركين، في الملتقى الأول لمغربيات العالم. ونود التنويه بمبادرة مجلس الجالية المغربية بالخارج ، المتمثلة في التئام نخبة متميزة من نساء المهجر، على أرض وطنهن الأم. وهي مناسبة، لنجدد التأكيد على إرادتنا الراسخة في جعل النهوض بحقوق المرأة، حجر الزاوية في بناء صرح مجتمع ديمقراطي حداثي، وتحقيق ما ننشده من مُواطنة كاملة، لكافة المغاربة، حيث ما كانوا، بدون تمييز أو استثناء. ومن ذلك ما تضمنته مدونة الأسرة من إصلاحات، بقصد المساواة بين الرجل والمرأة، وتحقيق التوازن والتآزر الأسري. وهي إصلاحات لم يرد منها أن توتي ثمارها داخل المغرب فقط، ولكن كذلك لتمتيع المرأة المغربية بمكانة حقوقية، تضاهي مكانة النساء، في قوانين الدول المتقدمة، وفي المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وفي نفس الإطار، تندرج مراجعة قانون الجنسية، بما يمكن الأم المغربية من نقل جنسيتها الأصلية إلى ذريتها ، كيفما كانت جنسية زوجها. وهو إصلاح يوطد أواصر ارتباط أبنائها بالمغرب، ويمنحهم ، باعتبارهم من الأجيال الجديدة الناشئة في المهجر، الضمانة القانونية لاستمرار صلتهم بوطنهم الأم. كما يشكل حافزاً قوياً على تشبثهم بقيمه الثقافية والحضارية. وبصفة عامة، فقد أقدمت بلادنا على إنجاز إصلاحات جريئة، ووضع قوانين متقدمة، فضلا عن ملاءمة تشريعاتها الوطنية، مع مقتضيات المعاهدات الدولية، التي انخرطت المملكة في مواثيقها العالمية . غايتنا المثلى، النهوض بالوضع الاجتماعي والحقوقي، والمؤسساتي للمرأة ، بوجه عام، ومغربيات المهجر، بصفة خاصة. وفي ذلك، تأكيد متجدد لتشبثنا بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، المنسجمة مع هويتنا الدينية والحضارية. كما أننا ما فتئنا نعمل على التمكين المؤسساتي والديمقراطي للمرأة المغربية، عبر تشجيع مشاركتها في الحياة الوطنية ، ومختلف الوظائف العامة، بدون تمييز، وكذا التمتع بنسبة متنامية من التمثيلية المنصفة داخل الحكومة والبرلمان، والجماعات المحلية، وكافة مراكز القرار . ونظراً لما هو معهود في المرأة المغربية، من كفاءة وجدية، وغيرة وطنية، وحس اجتماعي، فإننا عازمون على تعزيز مساهمتها الفاعلة، في البناء الديمقراطي والتنموي، إسوة بأخيها الرجل. وهو ما يجسده جعل مقاربة النوع، والعناية بشؤون مغربيات المهجر، حاضرة في كل مهام مجلس الجالية المغربية بالخارج. وتفعيلا لهذا التوجه، فإن الحكومة تعتمد في مختلف السياسات العمومية، هذه المقاربة. وعلى أهميتها، فإن تحصين المكاسب الحقوقية للمرأة المغربية، يظل رهينا بالارتقاء بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولهذه الغاية، جعلنا في صدارة برامج وأوراش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، النهوض بأوضاع النساء، وخاصة القرويات منهن، باعتبارهن من الفئات الأكثر هشاشة. حضرات السيدات والسادة، إننا ندعم هذا التوجه الشامل، بنهج سياسة خاصة، تجاه مغربيات المهجر، سواء فيما يتعلق برعاية حقوقهن ومصالحهن، في بلدان الإقامة، وحمايتهن من كل أشكال التمييز، أو فيما يتعلق بإسهامهن في تنمية وطنهن الأم، وكذا ضمان مشاركتهن في حياته الديمقراطية، وفي الحكامة الجيدة لشؤونه، محليا وجهويا ووطنيا. وننتهز هذه المناسبة، لنعبر عن اعتزازنا بالحضور الفاعل والنجاح المتميز لمغربيات الخارج، في شتى مراتب المسؤولية المشرفة في بلدان الإقامة، عن جدارة واستحقاق، وهو ما يشمل كافة القطاعات والمؤسسات، من سياسية حكومية ونيابية أو اقتصادية واجتماعية، أو ثقافية وفنية وعلمية. كما يمتد إلى مختلف المحافل والمنظمات الدولية، الحكومية وغير الحكومية. وإنه لمسار جدير بكل الاهتمام والعناية والتحفيز بكل الوسائل المتاحة، ومن بينها تبادل التجارب، وتوسيع شبكات الاتصال، والعمل المشترك، والتنظيم الحر الفاعل ، وذلك ما نتطلع إلى أن يسهم هذا الملتقى الأول لمغربيات العالم في ترسيخه. وتظل المشاركة المواطنة للنساء المغربيات، في كافة المجالات، رهينة بتعزيز مد جسور التواصل والتآزر، بين فعاليات المجتمع المدني النسوي، على أرض الوطن، وفي المهجر. كما ندعو، إلى إقامة وتطوير علاقات للتبادل والشراكة، بين منظمات مغربيات العالم ومثيلاتها الأجنبية، لتعزيز إشعاع وطننا بين الأمم، والدفاع عن قضاياه العادلة. وفي هذا الصدد، ندعوكن، مواطناتنا العزيزات بالمهجر، للعمل على المزيد من التعريف بعدالة قضية وحدتنا الترابية ، ولاسيما بالتنديد، في سائر المحافل والمنتديات، وبكل ما لديكن من مؤهلات، بالوضعية اللاإنسانية، للمغاربة المحتجزين بمعسكرات تندوف. ونهيب بكن، بالأخص تجسيد تضامنكن مع أخواتكن المغربيات، وأطفالهن، من خلال التحرك الفعال لدى المجتمع الدولي، لوضع حد لما يتعرضن له، في خرق سافر لكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، من امتهان لكرامتهن، وعنف وحرمان من التجمع العائلي، ولمّ الشمل، داخل وطنهن الأم، المغرب الموحد والديمقراطي. وختاما، ندعو لهذا الجمع المبارك بالنجاح والتوفيق، بما يخدم انخراط مغربيات العالم، في الإسهام الفاعل في تنمية المغرب وتقدمه وتحديثه وتوسيع إشعاعه الجهوي والدولي. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته»