سيناريو مرعب ذاك الذي يلوح في الأفق جراء التهديدات الإرهابية التي يشنها متطرفون على منطقة شمال إفريقيا،ومنها المغرب، بعد تمكن ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من إيجاد موطئ قدم له داخل التراب الليبي،وهو ما خلف استنفارا واسعا لدى الدول المعنية لمواجهة هذا الخطر الداهم. ومما يزيد الأمر خطورة هو التحذيرات المتوالية من تمكن الميليشيات المسلحة الموالية لهذا التنظيم من امتلاك أسلحة الدمار الشامل،ما سيقلب رأسا على عقب التوازنات العسكرية القائمة ويهدد بكارثة من شأنها أن تشكل تهديدا حقيقيا ومباشرا لدول منطقة شمال إفريقيا وعلى رأسها المغرب. وفي هذا الصدد، حذر المغرب المنتظم الدولي من مغبة امتلاك الإرهابيين لأسلحة نووية وإشعاعية، وذلك على هامش اجتماع مجموعة العمل المكلفة بتقييم وتنفيذ المبادرة الشاملة لمكافحة الإرهاب النووي، التي نظمها المغرب ما بين يومي الاثنين والأربعاء المنصرمين بتعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا،راعيتي هذه المبادرة. وكان ناصر بوريطة، الكاتب العام لوزارة الخارجية والتعاون، قد دعا ،على هامش هذا اللقاء، المنتظم الدولي إلى ضرورة «اليقظة إزاء الخطر الذي قد يشكله الإرهابيون في حال إذا ما تمكنوا من الاستيلاء على أسلحة الدمار الشامل، ولاسيما الأسلحة النووية والإشعاعية»، مؤكدا على التزام المغرب في مجال مكافحة الإرهاب النووي، وهو الالتزام الذي يتجلى، بشكل خاص، في دعم الجهود المتعددة الأطراف لمواجهة التحديات المرتبطة بالأمن النووي، والحفاظ على التوازن بين الوقاية من تهريب المواد النووية، من جهة، والحق في الاستعمال السلمي للطاقة النووية، من جهة أخرى. ولم يخف محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، في تصريح للعلم، احتمالية وجود تهديد نووي يمكن أن يشنه المتطرفون رغم صعوبته، مشيرا إلى تهديد أكثر قابلية للتحقق وهو المتعلق بهجوم نوعي تستخدم فيه أسلحة بيولوجية وكيماوية من طرف هذه الجماعات. وقال بنحمو إن التهديد قادم فعلا ويمكن أن يكون محدقا، وذلك أمام تزايد المخاوف من احتمال قيام الجماعات المتطرفة بأعمال إرهابية غير تقليدية، خصوصا أنها دخلت في مرحلة تنفيذ عمليات نوعية تؤكد من خلالها على قدراتها وخبراتها العالية في المباغتة والمفاجأة بجميع الوسائل،وذلك في سياق محاولاتها الحثيثة للإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا في عمليات نوعية ذات وقع إعلامي ودعائي كبير. وقال رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية أن احتمالات التهديد الإشعاعي والبيولوجي والكيميائي قائمة بقوة وتشكل تهديدا حقيقيا للعديد من الأسباب، من ضمنها تمكن هذه التنظيمات التي توصف بال «جهادية» من وضع اليد على العديد من المواقع التي كانت تخزن أو تحضر مواد من هذا القبيل،أساسا في سورياوالعراق وليبيا، مضيفا أن المعطيات المتوفرة بهذا الخصوص تؤكد أن هذه الجماعات تتوفر على ترسانة مهمة من هذه المواد، كما أنها لم تكتف بذلك بل طورت العديد من القدرات في هذا الجانب، وتتوفر على كفاءات تشتغل على الجانب البكتيري والإشعاعي،ويمكنها استخدامها في أي وقت باعتماد وسائل غاية في البساطة والسهولة. وأضاف بنحمو أن الوضع اليوم ينذر بكثير من التطورات خصوصا إذا استحضرنا معطيات من قبيل تمكن هذه الجماعات من السيطرة على قواعد عسكرية وجوية كما هو الشأن في ليبيا وسورياوالعراق واليمن. ومن جهته، أكد عبد الفتاح الفاتحي، الباحث في شؤون الإرهاب، أن انتشار الأسلحة النووية يعد أكبر تحدي للأمن الدولي، لاسيما في ظل تزايد الجرائم المهولة للجماعات المتطرفة وتزايد حقدها وكراهيتها للإنسانية مما لا يجعلها تتوانى ولو للحظة عن إزهاق أكبر عدد ممكن من الضحايا وبأي وسيلة كانت. وقال الفاتحي في تصريح للعلم، إن قدرة الجماعات المتطرفة على حشد الآلاف من المقاتلين وإجماعهم على تنفيذ جرائم فظيعة بل واستمرارهم في التباهي بابتكار أساليب التنكيل بضحاياهم والحرص على إزهاق أكبر عدد ممكن من الضحايا يزيد من جدية التحذير المغربي للمجتمع الدولي من خطر امتلاك الجماعات المتطرفة لأسلحة كيماوية وإشعاعية، منوها إلى أن الوضع القائم اليوم يفرض مزيدا من التنسيق الأمني والعسكري بين دول منطقة الساحل والصحراء التي تعرف مزيدا من تنامي الجماعات المتطرفة، وتتوفر على مجالات جغرافية واسعة تتيح لها إمكانية التحرك بشكل أكبر لتنفيذ عملياتها ضد أمن دول المنطقة، فضلا على أنها تستفيد من العقيدة العسكرية الساعية إلى بسط الهيمنة على المنطقة كما هو الحال بالنسبة للجزائر التي لا زالت تصر على عرقلة أي تنسيق أمني وعسكري ملح بين دول منطقة الساحل والصحراء. وفي سياق متصل، أفادت مصادر من وزارة الدفاع الأمريكية عن اعتزام الولاياتالمتحدةالأمريكية إنشاء وحدات خاصة «كوماندوس» ستطلق عمليات مركزة ضد ما أسمته رموز التيارات الجهادية في بلدان المغرب، الجزائر، وتونس، بعد تطور الأوضاع في ليبيا، حيث من المرتقب أن تشكل القاعدة العسكرية الأمريكية في «مورون» جنوب إسبانيا محل تمركز لهذه القوات. وفي الوقت الذي عزا فيه مسؤولون أمريكيون إنشاء هذه الوحدات العسكرية إلى دعم جهودهم في حماية رعاياهم داخل المنطقة،تؤكد نفس المصادر أن الغاية من إنشاء هذه الوحدات التي ستكون مزودة بوسائل التنقل السريع وأسلحة خفيفة وقذائف هاون، بالإضافة إلى معدات تسهل الاشتباك السريع، هي القيام بتنفيذ عمليات محدودة ومركزة ضد من تصفهم واشنطن بالمتطرفين داخل المنطقة المغاربية.