سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أكاديميون وباحثون وإسلاميون يرصدون خرجات الرجل ويعتبرونها مثيرة للفتنة: الريسوني يخوض في وحل الفتاوى "السائبة" ويحرم مشاركة المغرب في التحالف الدولي ضد "داعش"
يبدو أن فتوى الفقيه المقاصدي المعروف،أحمد الريسوني، لا زالت تلقي بظلالها القاتمة على الحقل الديني ببلادنا، وتطرح أكثر من أي وقت مضى سؤال الفتوى الشرعية وكيفية ضبطها حتى لا تتحول إلى أداة لتصريف مواقف وطروحات سياسية أكثر منها شرعية. فلم تكد تخمد نار الفتوى التي أشعلها في هشيم المجال الديني المغربي حول عدم جواز مشاركة المغرب في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والمعروف اختصارا بتنظيم "داعش"، والتي أكد فيها أن الحرب القائمة ضدهم ( في إشارة إلى داعش) حرام في حرام، وأن المغرب يقاتل لأجل الإماراتالمتحدة، والإمارات تقاتل لأجل الولاياتالمتحدة، وهذه تقاتل لأجل إسرائيل، وإسرائيل تقاتل لأجل العدوان والشيطان، حتى تصاعد لهيبها من خلال الجدل الذي أثير حولها،والذي لم يكن آخرها ما خطه القيادي في حزب العدالة والتنمية،الذراع السياسي لحركة الإصلاح والتوحيد، حين دبج في مقال له فتوى مضادة يعتبر فيها أن قتال "داعش واجب شرعي ومن قتلوه كان شهيدا". وفي هذا الصدد، نبه منتصر حمادة ،الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي،إلى أن موقف فقيه حركة "التوحيد والإصلاح"، يندرج في سياق استسهال الإفتاء من جهة، وتوظيف النصوص الدينية في "لعبة الأمم" التي يختلط فيها كل شيء: الدين والسياسة والأمن والطائفة. وعزا حمادة، في تصريح للعلم، الخروج المثير للجدل لأحمد الريسوني إلى كون هذا الأخير هو الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، أي الحركة التي تعتبر النواة الأصلب لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة المغربية الحالية، وهو الفقيه المعتبر أكثر لدن الحركة، أكثر مما يعج بهم المكتب التنفيذي للحركة اليوم، مضيفا أنه أيضا يشغل مهمة نائب رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وهو مؤسسة علمية، تابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين (أي ما يُشبه مؤسسة طائفية في نهاية المطاف)، ويرأسه، الشيخ يوسف القرضاوي، المقيم في قطر، وبالتالي لا يمكن لقرارات الاتحاد أن تخرج عن الحسابات السياسية والأمينة لقطر، على غرار مواقف حركة "حماس" الفلسطينية، لأن الرئيس الفعلي، خالد مشعل يقيم هناك أيضاً. واعتبر الباحث المختص في شؤون الجماعات الإسلامية أنه لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات (وغيرها طبعاً)، قبل التدقيق في ثنايا ومضامين هذا التصريح الذي يثير علامات الاستفهام أكثر مما يقدم أجوبة. وفي محاولة منه لإجلاء هذا الغموض والالتباس الذي ميز فتواه الأخيرة بعدم جواز الحرب ضد داعش، وردا على ما قال أنه استفسارات وجهت إليه،عاد الريسوني ليرد من خلال مقال على موقعه الرسمي أن الحرب على "داعش"، هي بالدرجة الأولى صناعة أمريكية غربية، وهي بالدرجة الثانية صناعة إيرانية طائفية، وأما الشعوب العربية وعموم المسلمين، فليس لهم في هذه الحرب ناقة ولا جمل؛ ليس لهم فيها قرار ولا تخطيط ولا قيادة ولا مصلحة. بل هي عبارة عن قتل المسلمين بالمسلمين بأموال المسلمين، فهي وبال عليهم في دينهم ودنياهم، في الحال والمآل. وهو التصريح الذي أكد مهتمون أنه يدخل في باب التهرب من تحمل المسؤولية وتحريف النقاش الذي أطلقه الفقيه المقاصدي نفسه في لعبة غير واضحة المرامي والأهداف،معتبرين أن موقف الريسوني كمتخصص في الفقه يظل موقفا غامضا ولم يستطع أن يكون صريحا وقطعيا بتحريمه العملية برمتها. وفي هذا الاتجاه، أكد ادريس الكنبوري، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، في تصريح للعلم أن قول الأستاذ الريسوني بتحريم قتال "داعش" هو تحريم سياسي، وليس تحريما شرعيا، معتبرا أن استسهلال التحريم والتحليل في مثل هذه الأمور السياسية هو ما أوقعنا اليوم في هذه المصائب باسم الدين. وأوضح الكنبوري أن الترتيب الذي بنى عليه الدكتور الريسوني "حكمه"، في قوله بأن "الضباط والجنود المغاربة المقاتلين إلى جانب الحلفاء ضد تنظيم داعش إنما هم يقاتلون لأجل الإمارات العربية المتحدة، والإمارات تقاتل لأجل الولاياتالمتحدة، وهذه تقاتل لأجل إسرائيل، وإسرائيل تقاتل لأجل العدوان والشيطان"، فلا نعرف من أين جاء الأستاذ بهذا الترتيب. مؤكدا أنه ليست الإمارات العربية وحدها هي التي تريد قتال داعش، بل جميع بلدان منطقة الخليج، بما في ذلك تركيا نفسها، بعد أن بدأت الأحداث تأخذ منعرجا آخر لم يكن في الحساب، كما هي العادة دائما في حروب الميليشيات غير النظامية، لأن تنظيم "داعش"، يضيف الكنبوري، بما هو عنوان القتال تحت راية السنة، أخذ في منح المشروعية للنزعات الطائفية والعرقية الأخرى في المنطقة، ومن ضمنها النزعة القومية الكردية. وإذا كانت من دولة لديها مصلحة أكبر في قتال التنظيم، فهي المملكة السعودية لا الإمارات، لأن المرجعية السلفية الوهابية توجد في الأولى لا في الثانية، ومن شأن استمرار تنظيم "داعش" قائما أن يؤثر على تلك المرجعية، لناحية إخراج أتباعها عن صمتهم ودفعهم إلى اتخاذ موقف سياسي مما يجري، تماما مثلما حصل إبان حرب تحرير الكويت. وخلص الباحث إلى أن الريسوني نسي، أو تجاهل عن عمد، الحديث عن الدول التي كانت وراء إنشاء وتمويل تنظيم "داعش"، ومنها قطروتركيا؛ ولو قرأ هذا الأخير أي كتاب وجده في طريقه عن التاريخ السياسي للشرق الأوسط لفهم أنه لا يوجد بلد في المنطقة يمكن أن يدخل في حرب صغيرة من دون التنسيق مع واشنطن، فكيف بلعبة إستراتيجية ضخمة يوجد فيها لاعبون كبار، بالمعنى الصريح للكلمة، أمثال إيران وسوريا، قادت إلى خلق تنظيم مثل "داعش"، أسقط الحدود بين بلدين عتيدين في المنطقة، ويهدد بأن يغير خارطة الإقليم إلى الأبد؟. وفي اتصال بالعلم، حذر الشيخ محمد الفيزازي من مغبة ترك الحبل على الغارب في ما يخص الإفتاء،معتبرا أن الدولة لها مؤسساتها ورجالاتها وخبراؤها،وهؤلاء هم الموكول إليهم اتخاذ القرارات المناسبة بع التدبير والتأمل. وقال الفيزازي أنه لا يمكن لأي فرد،أي كان موقعه أن يفتي ويحلل أو يحرم في القضايا الكبرى بشكل انفرادي، بل إن ذلك من واجب مؤسسات بعينها لسد الطريق على أفراد يدلون بدلوهم في قضايا شائكة تسهم في بث الفرقة أكثر من الإجماع. ومن جهته، قال الباحث الأكاديمي ،عبد الفتاح الفاتحي، أن رأي الريسوني أتى مخالفا لإجماع الأمة العربية والإسلامية والمغربية، ذلك أن جرائم التقتيل والرعب والفساد الذي يقوم به تنظيم داعش يهدد وجود الأمة الإسلامية، لاسيما عمليات القتل بغير حق للإنسان . وقال الفاتحي أن ما يبرر قتال "داعش" بحسب إجماع الأمة الإسلامية هو مبدأ درء المنفعة وجلب المصلحة للأمة، فضلا عن رفض تشويه صورة الإسلام وقيمه النبيلة، منوها إلى أن رأي الريسوني يبقى مستغربا أمام الإجماع العربي والإسلامي والدولي من الحرب على "داعش" الذي يقتل النفس الإنسانية بغير حق، ورأيه بذلك مناقض لمضمون الآيات القرآنية وللسيرة النبوية. وأضاف الباحث الأكاديمي أن عملية الربط التي أقام عليها الريسوني تحريم مشاركة الضباط والجنود المغاربة في الحرب على داعش باطل ولا يستند إلى أسس دينية أو موضوعية. وأن الخوض في نسبية القتال بين داعش وإسرائيل هو هروب إلى الأمام لوجود الفارق على حد قول القاعدة الفقهية،مشددا على أن رأي الريسوني هذا لا يخفي إدانة دينية موجهة لمشاركة المغرب في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، ويمكن قراءته على أنه تحريض باسم الدين للجنود والضباط المغاربة المشاركين في القتال، وفي ذلك تطاول على اختصاص المؤسسة الدينية الرسمية للإفتاء المجلس العلمي الأعلى. وحول دخول بولوز،القيادي في العدالة والتنمية على الخط بإصدار فتوى مضادة لفتوى الريسوني، عاد منتصر حمادة، الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي،ليؤكد أنه من باب استسهال الفتوى وتكريس "فتنة الفتاوى"، أن يحرر قيادي آخر في نفس الحركة الإسلامية (حركة "التوحيد والإصلاح" الإخوانية)، مقال رأي، يصب في اتجاه مضاد لما صدر عن الرئيس السابق لنفس الحركة،مردفا أن البعد السياسي واضح وجلي في هذا الموقف السياسي لأحمد الريسوني، وهو موقف لا يلزم إلا أعضاء حركة التوحيد والإصلاح وحزب "العدالة والتنمية"، أولاً وأخيراً. وبنبرة لا تخلو من النقد، شدد منتصر حمادة على أن تدين هؤلاء، لا يُمثل إلا نفسه، ولا يمكن بأي حال أن يتم اختزال تديّن عامة وخاصة المغاربة، في هذا التديّن الإخواني الذي يُكرس هذه الفتن الدينية بمثل هذه المواقف، وهي مواقف تسببت في أكثر من مناسبة في إثارة قلاقل أمنية وسياسية وبالتالي استراتيجية مع بعض الدول العربية والإسلامية، وهذا أمر نعتقد أنه متوقع، عندما تُصبح بعض الحسابات الفكرانية (الإيديولوجية)، التي تهم الخارج، أكبر من حسابات ومصالح الوطن، ومرد ذلك مرتبط بمقتضى الارتباطات التنظيمية والفكرانية التي تجمعهم مع الخارج.