عدد غير قليل من القوى الإقليمية والدولية التي شاركت واشنطن في إنجاز مخططات معينة في المنطقة العربية خاصة منذ بداية سنة 2011 بعد إختلال التوازن الإقليمي بسقوط البوابة الشرقية للأمة العربية تحت الإحتلال الأمريكي يوم 9 أبريل 2003، أخذت تكتشف تباعا أنها سقطت في فخ يهدد وحدتها الترابية وأمنها ويضمها إلى الأطراف المستهدفة بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي يهدف إلى شرذمة وتقسيم دول المنطقة على أسس عرقية ودينية ومناطقية إلى ما بين 54 و 56 دويلة، أو بملحقاته التي تتعلق بإجبار أوروبا والأطراف التي شكلت التحالف الغربي في مرحلة ما قبل تحلل الإتحاد السوفيتي، على القبول بتبعية مطلقة لسادة البيت الأبيض في نطاق النظام الإمبراطوري الأمريكي المتجدد، أو الذي يحب البعض تسميته بالنظام العالمي الجديد. مشكلة هذه القوى والدول أن إكتشافها لهذه الأخطار والتهديدات جاء متأخرا بحيث أصبح التراجع أمرا ربما متجاوزا وغير مجد، إضافة إلى أن بعض القيادات السياسية التي تطلعت عبر مشاركتها في التحركات الموجهة أمريكيا منذ البداية لتحقيق مكاسب وبناء توازنات إقليمية جديدة وإحياء آمال إمبراطورية قديمة لا تزال تقدر أنها بمناورات متقنة يمكن أن تتخطى المكر الأمريكي ولا تخسر الرهان، وتتوصل إلى كسب جزء من كعكة الغنائم التي لوح بها لهم البيت الأبيض وقوى المحافظين الجدد في واشنطن الذين يتأقلمون مع كل قادم جديد إلى الرئاسة. بعيدا عن أسلوب الحرب التقليدية المكلفة تتبع العديد من القوى أسلوب الحرب الناعمة الذي تشكل وسائل الإعلام أحد أدواتها، حيث أن التأثير على توجهات الرأي العام يشكل أحد أهم الأسلحة التي تسمح بتبرير سلوكات معينة وتحد من المعارضة لها. يوم الخميس 15 يناير 2015 إضطرت مستشارة الأمن القومي السابقة كوندوليزا رايس في نطاق الإدلاء بشهادتها أمام المحكمة التي يمثل أمامها جيفري ستيرلينغ، العميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، الذي يحاكم بتهمة تسريب معلومات سرية، لأن تكشف عن بعض التقنيات التي يستخدمها البيت الأبيض في الضغط على الصحافيين وتوجيه وسائل الإعلام لخدمة أهداف إدارة واشنطن، كما سلطت الضوء على كيفية ممارسة الحكومة ضغوطا على الصحافيين من أجل تجنب نشر تفاصيل حول القضايا المتعلقة بما سمته الشؤون الأمنية الأمريكية. في عالم القرن الحادي والعشرين أصبحت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ربما الأداة الأخطر في كل الصراعات لأنه يمكن عبرها تحويل الحق إلى باطل أو بالعكس. علينا أن نتذكر أن القيادات المتعاقبة على هيئة الأركان المشتركة الأمريكية جربت وطبقت، منذ تفكيك أوصال يوغوسلافيا، في بلدان عدة، استراتيجيتها التي سميت ب "قتال الكلاب". وتشمل قتل أفراد من الطائفة التي تشكل أغلبية، وأفراد من الأقليات، وإلقاء المسؤوليات على بعضهما، يقتنع الجميع بأنهم مهددون بالموت. بهذه الطريقة أشعلت واشنطن العديد من الحروب والصراعات وجعلت آخرين يدفعون تكلفتها. إن من صاغ استراتيجية "صراع الحضارات" هو برنار لويس، لمجلس الأمن القومي في الولاياتالمتحدة، ثم عممها صاموئيل هنتنغتون، لا كاستراتيجية غزو، بل كوضع متوقع يهدف إلى إقناع الشعوب العضوة في الناتو بمواجهة حتمية تتخذ احتياطيا شكل "الحرب على الإرهاب". القوة المادية إن الأفكار والجماعات والعناوين السياسية تقاس بالقوة المادية التي تقف وراءها، ومنها وسائل الإعلام والأسلحة، ولكن عندما تتحول الأفكار إلى قوة سياسية في الشارع عبر الحامل الاجتماعي، فإن هذا يعني توازناً جديداً للقوى تضع فيها الفكرة المعنية ذاتها في مواجهة فكرة أخرى تقاس أيضاً في مواجهة الأولى، ليس عبر "الحق" و"المنطق"، بل من خلال الأذرع المادية التي تحملها. ويقول المؤرخون أن تشرشل اليميني وزعيم حزب المحافظين البريطاني لم يكن، معترضاً من الناحية الفكرية والنظرية على ملاحظة الشيوعي الماركسي ستالين عندما سأله مستهزئا عن عدد دبابات الفاتيكان بعد أن أخبره أن البيت البابوي قرر سنة 1945 الإنضمام إلى الحرب ضد ألمانيا، بل كان يؤمن مثله بالقوة المادية في العملية السياسية، وعمليا منذ مكيافللي ثم توماس هوبز، الذي قال إنّ "الانسان ذئب" يجب أن يأتي القانون المحمي بالقوة "لكي يمنع أن يأكل الجميع الجميع"، ثم ماركس وبعده البراغماتية، فقد كان هناك في الغرب، الأوروبي والأمريكي، تلاقيات بين اليمين واليسار، بكل الاتجاهات السياسية من محافظة وليبرالية وشيوعية واشتراكية ديموقراطية، على أن السياسة تقاس بميزان القوة وبالمصلحة ومن خلال الحامل الاجتماعي، وأن الأفكار السياسية لا تقاس بذاتها بل بحاملها الاجتماعي ومدى قوته، وأيضاً تقاس بنتائجها وليس بمحتواها. جبهة مواجهة غربية جديدة استغلت الإدارة الأمريكية هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن لتشن حروبا تحت شعار مواجهة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، وإحتلت أفغانستان والعراق وإستباحت أراضي دول عديدة بهجمات الطائرات بدون طيار وعمليات القوات الخاصة، والآن وبعد هجمات باريس وخاصة ضد مجلة شارلي إيبدو يوم 7 يناير 2015، بدا الإعداد النفسي والعملي لحرب جديدة، بعد التكوين المهزوز للتحالف ضد داعش ذلك التحالف الذي تشوبه الكثير من علامات الاستفهام خاصة حول دور بعض أعضائه بالأمس القريب في دعم الإرهابيين الذين يريد اليوم قتالهم. التحالف يوجه ملف الحرب على داعش ليجعله أداة لتنفيذ مشاريع عجزت الإدارات الأمريكية عن تحقيقها خلال أكثر من عقد من الاحتلال للعراق وما تلاه من هزائم واستبداله بالقتال عبر أدوات ممولة من جيوب دول في المنطقة. وعلى ضوء الشكوك الكثيرة حول فاعلية قصف التحالف الدولي لمعاقل "داعش" سواء في سوريا أو العراق، يغدو من المشروع التساؤل عن طبيعة الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه هذا التحالف الذي ينبغي ألا نغفل أنه أضخم من التحالف الذي قام عام 2003 لاحتلال العراق بذريعة تورط قيادته بدعم الإرهاب وامتلاك أسلحة نووية، فهل الهدف هو القضاء على "داعش" أم اتخاذ ذلك ذريعة للوصول إلى أهداف أكبر من شأنها أن تبرر ضخامة التحالف ؟. وهل يمكن اعتبار التهديد المبطن الذي أطلقه رئيس الأركان الأمريكي مارتن ديمبسي حول "قدرة القوات الأمريكية على تنفيذ هجوم على نظام الرئيس السوري بشار الأسد"، في حالة صدور الأوامر إليها بذلك من الرئيس الأمريكي باراك أوباما مفتاحا أوليا للتنبؤ بالتحولات التي يمكن أن تطرأ على مهمة التحالف، ونقلها من النقيض إلى النقيض بحسب الإمكانات والظروف ؟. حذر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من نقل الصراعات القائمة منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط إلى بلاده. وقال إن "الإسلام المتطرف يترعرع على كل أشكال الظلم والنزاعات التي لم تسو"، في حين وعد الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، في مقال مشترك نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية، بتشكيل جبهة موحدة ضد من "الجهاديين". في وقت لاحق صرح الرئيس الفرنسي: "تقف فرنسا وراء مبادرات تهدف الى حل نزاعات في ليبيا والعراق وسوريا واليمن والصومال من دون نسيان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وستتحمل مسؤولياتها إذا اقتضى الأمر". وأوضح هولاند أن فرنسا قررت التحرك في العراق "لأنه من الضروري وقف داعش، وسنتخذ مبادرات أخرى لضمان أمننا، علما أن استمرار النزاعات وتدفق اللاجئين إلى أوروبا سيؤدي الى فوضى اقتصادية ويهدد الأمن والنمو". ومن العاصمة الفرنسية أعلن وزير العدل الأمريكي إريك هولدر، أن باراك أوباما سيدعو حلفاءه من رؤساء الدول لعقد قمة أمنية في واشنطن يوم 18 فبراير. وأضاف هولدر "سنجمع كل حلفائنا لبحث السبل التي نستطيع بها مواجهة هذا التطرف العنيف الموجود في أنحاء مختلفة من العالم". يوم الجمعة 16 يناير قال رئيس وزراء تركيا أحمد داود أوغلو إنه يجب حماية مدينة حلب السورية من قصف قوات الرئيس بشار الأسد قبل أن تدرس تركيا تعزيز دورها في التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة. وذكر داود أوغلو "لرويترز" في مقابلة "مصدر المشكلة وحشية نظام الأسد... نريد منطقة حظر طيران لحماية حلب على الأقل من القصف الجوي وكي لا يأتي مزيد من اللاجئين الجدد إلى تركيا". الخطة المدهشة للسلام يوم الإثنين 19 يناير 2015 أعادت صحيفة الدستور الأردنية نشر مقال بعنوان "الخطة الأمريكية المدهشة للسلام في سوريا" بقلم المحلل والصحفي الفرنسي تييري ميسان نشرته قبل ذلك بأيام "انفورميشن كليرنغ هاوس" قال فيه: حينما قرر الرئيس جورج بوش الابن في عام 2001 ان يضع سوريا على قائمته الخاصة بالأهداف الواجب تدميرها، كان لديه ثلاث غايات: تفكيك محور المقاومة وتشجيع التوسع الإسرائيلي، ووضع الأيدي على احتياطات الغاز الضخمة، وإعادة رسم الشرق الأوسط الكبير. فشلت خطط الحرب في 2005 و2006، وأخذت في النهاية شكل "الربيع العربي" في 2011: حرب من نوع الجيل الرابع حملت الإخوان المسلمين إلى السلطة. مع ذلك، وبعد عام من التلاعب الإعلامي، استيقظ الشعب السوري من سباته وساند جيشه. وإنسحبت فرنسا من اللعبة بعد تحرير بابا عمرو، فيما تقاسمت الولاياتالمتحدةوروسيا المنطقة في مؤتمر جنيف الأول يونيو 2012. لكن ما فاجأ الجميع أن إسرائيل استطاعت زعزعة المفاوضات بالاعتماد على الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند ووزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ومدير الاستخبارات المركزية ديفيد بتريوس. ومن جديد، اجتاحت المنطقة حرب ثانية من نوع نيكاراغوا هذه المرة بمعنى أن الوصول المستمر للمرتزقة الجدد غذى تلك الحرب. على أية حال، فشلت هذه الحرب الثانية أيضا دون أن تؤدي إلى سلام دائم. وعلى النقيض، غير جون كيري صيغة مؤتمر جنيف 2 قبل يومين من انعقاده وحاول تحويله إلى منتدى داعم لبعض الخليجيين. وجاءت الحرب الثالثة مع هذه الفوضى، الخاصة بداعش: تحولت مجموعة صغيرة من بضع مئات من الجهاديين فجاة إلى جيش عرمرم قوامه نحو 200 ألف رجل حسن العتاد وشنت هجوما على الجزء السني من العراق والصحراء السورية. قبل عدة شهور، أوضحت أن مشروع داعش ينسجم مع الخطة الأمريكية الجديدة لتقسيم الشرق الاوسط. فاستكمالا لسايكس بيكو، هدفت الخطة الأمريكية الى مزيد من التقويض لسوريا. وعندما بدأت امريكا بعد أن انتظرت داعش لإتمام التطهير العرقي في العراق الذي اوجدوا لأجله قصف الجهاديين، ظهر سؤال يدور حول إمكانية إرجاع المناطق المحررة من داعش إلى بغداد أو دمشق من عدمها. وفيما رفضت الولاياتالمتحدة تنسيق عملها العسكري ضد داعش مع سوريا، وعلى ضوء حقيقة ان روسيا تعد مؤتمر سلام، وضع "الصقور الليبراليون" في واشنطن أهدافا جديدة. بما ان الشعب السوري لم يؤمن بالثورة التي صورتها الجزيرة وزميلاتها، وبما انه رفض دعم المتمردين ضد الجمهورية، ليس ممكنا "تغيير النظام" على المدى القريب، وبالتالي على الولاياتالمتحدة ان تكيف خطابها مع الواقع. خطة السلام للصقور الليبراليين تتكون اذاً من تحقيق الاهداف الاصلية بتقسيم سوريا الى قسمين: منطقة تحكمها دمشق واخرى يحكمها الثوار المعتدلون اي البنتاغون. ستملك الجمهورية العاصمة وساحل المتوسط والبنتاغون سيملك الصحراء السورية واحتياطات الغاز اي منطقة داعش التي حررتها غارات القصف التي شنها الجنرال جون ألن. ووفقا لسجلاتهم ذاتها، سيترك الصقور الليبراليون 30 في المئة فقط من الأراضي للشعب السوري!. المبدأ بسيط: الجمهورية تسيطر حاليا على كل المدن الكبرى عدا الرقة وجزء صغير من حلب، لكن احدا لا يمكنه الزعم بالسيطرة على صحراء شاسعة، لا الحكومة ولا الجهاديون. لذا يشير البنتاغون الى ان ما لا تحكمه دمشق بوضوح ينتمي بحق الى مرتزقته!. ليس هذا كل شيء. بما ان السوريين انتخبوا بشار الاسد فسيسمح له بالبقاء في السلطة، لكن من دون مستشاريه الخاصين. والحق ان الجميع يعلم ان الدولة السورية استطاعت مقاومة العدوان الاجنبي لانها تتضمن جزءا سريا يصعب تحديده وبالتالي ازالته. لعبة الأوراق المكشوفة شكلت الحرب شبه الدولية الدائرة على أرض الشام منذ حوالي أربع سنوات حقل تجارب لكل المشاركين فيها وفي نفس الوقت خلقت الغاما تهدد البعض وتخدم آخرين. تركيا باتت مؤخرا تخشى أن تلسعها النار السورية من خلال المقاتلين الأجانب الذين يستعملون أراضيها كقاعدة عمليات خلفية بعد أن عبروها بدون أدنى مشكل، خصوصا أن من بين هؤلاء آلاف الأتراك، الذين تقدر أعدادهم ب3 آلاف إلى 12 ألف مسلح سيعودون يوما إلى بلادهم مما يشكل خطرا كبيرا على أمنها. زيادة على ذلك فإن تسليح واشنطن وباريس ولندن وبرلين لقوات البشمركة الكردية يساند عمليا مشروع إقامة دولة مستقلة لهم على أراض تنتزع من تركيا وسوريا والعراق. كما إن محاولة القوميين الأكراد ركوب متن الحرب الأمريكية على داعش لبناء إقليم سوري شبه مستقل على الحدود التركية يشكل خطا أحمرا لدى القيادة السياسية والعسكرية التركية، لأنه خطر على نسيج الدولة التركية، ووسيلة من وسائل حصار تركيا وإبعادها عن التأثير في دول الجوار العربي، خصوصا سوريا والعراق. وقد أتى التفجير الانتحاري، الذي وقع في إسطنبول يوم 6 يناير ليرفع من درجة الإنذار التركي إلى "الحد الأحمر" بعد أن سبقته إشتباكات بين الجيش والمسلحين الأكراد. وعلى الرغم من مسارعة المصادر التركية إلى الربط بين الانتحارية التي فجرت نفسها بمركز للشرطة السياحية وبين تنظيمات يسارية متطرفة اعتادت تنفيذ عمليات مشابهة، إلا أن تواتر الأنباء اللاحق أفاد بأن الانتحارية هي أرملة مقاتل نرويجي من "داعش" الذي بدا وكأنه يشهر البطاقة الصفراء بوجه الأمن التركي الذي يتجاوب جزئيا مع ضغوطات ترمي إلى تقليص المساحات أمام المتشددين في تركيا. المثير للإستغراب بالنسبة لبعض الملاحظين في الغرب، أن الذين جندوا ومولوا المقاتلين الأجانب للقتال على أرض الشام أخذوا يتبادلون اللوم والاتهامات فيما بينهم. ويقول مفيد يوكسال، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية: إن "جميع المحاربين الأجانب يستخدمون الأراضي التركية للعبور إلى سوريا والعراق، ورأى أن في تركيا فراغ أمني كبير، مشيرا إلى أن الأراضي التركية باتت مسرحا للمخابرات الأجنبية تسرح وتمرح بها بل تقوم بجرائمها وتصفي عناصر المعارضة لها وقت ما تشاء. مؤخرا إعترف وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو بأن تهريب "المقاتلين" من تركيا إلى سوريا تحول الى تجارة رابحة وعمل تديره شبكات أشبه ب "المافيا" وأن كل التدابير التي اتخذتها الحكومة على رغم تشددها، قد لا تستطيع بالمطلق منع مرور هؤلاء الى سوريا. وألقى الوزير التركي باللائمة على الاتحاد الأوروبي الذي قال إنه لم يتعاون أمنيا مع بلاده في شكل جيد. وقال "لو أن الفرنسيين نبهونا عن حياة بومدين لتم إيقافها عندما دخلت إسطنبول قبل ثلاثة أيام من اعتداءات باريس، لكننا لا نستطيع أن نخمن من بين آلاف الزوار الأوروبيين الذين يدخلون تركيا ينوي الانضمام إلى داعش؟". ويبدو تصريح شاوش أوغلو إلى الصحافة حلقة جديدة في سلسلة الاتهامات المتبادلة بين تركيا وأوروبا في شأن سوء التنسيق والمسؤولية عن استمرار تدفق المتطرفين من أوروبا إلى سوريا وبالعكس في ما بات يمكن تسميته "لعبة الأوراق المكشوفة". ولم يبرر الوزير إصرار بلاده على فتح بواباتها الحدودية الثلاث مع سوريا أمام الأجانب على رغم عدم وجود مخاطب رسمي على الطرف الآخر من الحدود. وحياة بومدين لم تكن مضطرة للتسلل إلى سوريا لولا أنها تحسبت من أن يبلّغ الفرنسوين الأتراك عنها في آخر لحظة، وكان بإمكانها العبور إلى سوريا والمناطق التي تسيطر عليها "داعش" من خلال البوابة الحدودية في كيليس وفي شكل رسمي، تماماً كما فعلت مرتين سابقاً مع شريكها أحمدي كوليبالي الذي قتل في باريس بعد اختطافه عدداً من الرهائن في محل بيع أغذية لليهود. ويبقى السؤال الذي لا تريد السلطات التركية الإجابة عنه هو: "كم هدفا أو غرضا، غير الالتحاق بداعش أو النصرة، يمكن أن يحمله أي عربي أو أوروبي يريد العبور إلى سوريا عبر البوابات الحدودية التركية في هذا الوقت وهذه الظروف؟". يقول الصحافي المتابع لموضوع الحرب السورية فهيم طاشتكين "إن الأمر تحول إلى لعبة الأوراق المكشوفة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، تركيا تقول أنها مستعدة للتعاون إذا شاركها الاتحاد الأوروبي معلوماته الاستخباراتية لمن يغادرون أوروبا إلى تركيا، لكنها لا تحصل إلا على أسماء من هم في سوريا حاليا ولا تريد أوروبا عودتهم، وهذا تعتبره أنقرة سياسة غير نزيهة لأن أوروبا لا يهمها أن يغادرها المتطرفون إلى تركيا وسوريا ويهمها فقط ألا يعودوا اليها، وهو أمر يسقط امن تركيا من حساباته". وكشف الإعلام التركي عن تهريب آلاف السيارات الفارهة من تركيا بعد سرقتها على يد محترفين وبيعها في أسواق "داعش" في الرقه بأسعار بخسة، فيما تحدث أحد المهربين إلى الإعلام التركي متخفيا وقال: "إن داعش يسلّم المافيا التركية طلباته من السيارات ويطلب المزيد من سيارات الدفع الرباعي باستمرار، فيما يتم تمرير السيارات إلى سوريا عبر الحدود الرسمية بعد تزوير أوراقها". ورفض المهرب الإجابة عن سؤال الصحافي حول عدم ارتياب مسؤولي الجمارك والحدود التركية من عبور سيارة تصل قيمتها الى 200 ألف دولار الى سوريا في هذه الظروف ولا يسألون من يفترض أنه صاحبها أو سائقها أو ماذا ستفعل السيارة في أرض الخلافة؟". اختلال التحالفات في الحرب السورية تختلط الكثير من الأوراق. إذا كان من المسلم به أن القيادة الإيرانية تساند سلطات دمشق في الحرب ضد خصومها، إلا أن المشاركة الفعلية وعبر القوة النظامية محدودة جدا. مصادر رصد أوروبية ذكرت أن القيادة في دمشق لديها تحفظات حول سياسة طهران، ولهذا فهي لم تسمح بقدوم أعداد هامة من قوات النخبة الإيرانية لمساندتها عسكريا على عكس ما يقع في العراق حيث تركت حكومة المالكي ومن جاء بعدها كل آليات توجيه المعارك سواء ضد داعش أو المقاومة العراقية التي يقودها حزب البعث في يد حرس الثورة الإيراني. إلا أن دمشق إحتفظت بثقة بالغة بحزب الله اللبناني رغم ما يشاع عن تبعيته المطلقة لساسة طهران وجعلته يشارك في أغلب المواجهات العسكرية مع القوى المسلحة المناهضة لها. هذا التحالف الذي لم يتزعزع بين دمشق وحزب الله وجد شبيها على الجانب الآخر من معادلة مواجهة القوى، حيث أن إسرائيل وبجهد عسكري عالي ركزت على دعم ما تسميه المعارضة السورية سواء بمدها بالسلاح أو استقبال جرحاها في كل المستشفيات الصهيونية أو بتوجيه ضربات جوية لقوافل الأمدادات من دمشق إلى حزب الله، وكذلك إلى هذا الحزب نفسه. خلال الأسابيع الأخيرة من سنة 2014 ذكرت تقارير أمريكية تسرب جزء منها عبر برلين العضو الشريك في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أن الجيش السوري وبعد تمكنه من التقدم على عدة جبهات وخاصة في محيط العاصمة يتجه إلى تأمين كل الجبهة الجنوبية وطرد القوات المعارضة له منها وصولا أولا إلى خطوط وقف إطلاق النار مع إسرائيل على جبهة الجولان ثم لاحقا إلى الحدود مع الأردن وهو ما سيمكنه إنهاء مشكلة القتال على جبهتين رئيسيتين والتركيز على الجبهة الشمالية الشرقية التي تلتقي فيها حدود سوريا مع كل من العراق وتركيا. يوم الأحد 18 يناير 2015 تحركت إسرائيل فيما قدرت مصادر عسكرية أوروبية أنها محاولة لإجهاض المخطط السوري بجبهة الجولان. فقد نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر مقرب من "حزب الله"، ان "ستة من عناصره، بينهم القائد العسكري محمد عيسى، احد مسؤولي ملفي العراق وسوريا، وجهاد نجل الحاج عماد مغنية، استشهدوا في غارة الاسرائيلية"، حيث قامت طائرات عمودية اسرائيلية بقصف سيارات للحزب قرب مدينة القنيطرة السورية التي حررت في حرب أكتوبر 1973. وقال محمد عفيف الناطق بإسم الحزب ان القتلى كانوا في سيارتين. واغتالت إسرائيل عماد مغنية بتفجير سيارة في دمشق في فبراير 2008. وكانت مصادر تقول أنها من المعارضة السورية المعتدلة قد أعلنت في وقت سابق أنها تسيطر على ثلثي ريف القنيطرة وحذرت من تسلم جهاد مغنية "ملف الجولان" في الحزب وخططه لإعادة سيطرة النظام على المنطقة. في تل أبيب ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن "الدوائر الأمنية" تتجنب التعقيب على نبأ الغارة الجوية، وأن وزير الدفاع موشيه يعالون اكتفى بالقول إن "حزب الله مطالب بتقديم الشروحات حول تواجد عناصره في الأراضي السورية إذا ما صحت الأنباء المتداولة حول الغارة". في نفس الوقت يستمر الساسة الصهاينة في تجنب التعليق على ما يذكره الموقع الالكتروني الأمريكي "ماكلاتشي" وصحف غربية عن ان اسرائيل تقوم بتزويد الجيش الحر والمعارضة في سوريا بالسلاح والمعلومات الإستخبارية، وأنها عززت عمليات شحن السلاح منذ أشهر خاصة بعد زيارة كمال اللبواني المعارض السوري، ومشاركته في مؤتمر لمكافحة الإرهاب في إسرائيل خلال الثلث الأول من شهر سبتمبر 2014. توقعات مخابرات الظل الأمريكية جاء في تقرير لمعهد "ستراتفور" وهو مركز دراسات إستراتيجي وأمني أمريكي، يعد أحد أهم المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، ويجسد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأمريكية الحكومية. وتطلق عليه الصحافة الأمريكية اسم "وكالة المخابرات المركزية في الظل": في الوقت الذي تُعطي فيه الولاياتالمتحدة الأمريكية الأولوية لاستراتيجية تطويق روسيا، فإن استراتيجيتها الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط تركز على محاولة تقليل الارتباك الناجم عن مجريات الأحداث في تلك المنطقة. ويبدو أن هذه المهمة بسيطة في ظاهرها، لكنها سوف تكون معقدة في تطبيقها. وعلى الناحية الأخرى، سوف تستخدم روسيا منطقة الشرق الأوسط مسرحا لإدارة عملياتها الرامية إلى كسب معركتها مع الولاياتالمتحدة الأمريكية. ومن المرجح في الجزء الأول من هذا العام أن تقترح روسيا إجراء مفاوضات تُفضي إلى اتفاق لتقاسم السلطة في سوريا لوضع حدٍ للحرب المشتعلة هناك. وسوف تفتقر هذه الاتفاقية إلى التنفيذ، ومن غير المرجح أن تجذب الكثير من الاهتمام، لكن موسكو ستستخدم المقترح لوضع نفسها كوسيط موثوق به. ومع أخذها في الاعتبار أنها لن تكون قادرة على إخراج قطار التعاون بين الولاياتالمتحدة والجمهورية الإيرانية عن مساره، فإن روسيا تحاول إقحام نفسها في المفاوضات بين واشنطن وطهران عن طريق وضع نفسها كمُورّد للوقود النووي لإيران، ما يجعل الولاياتالمتحدة أكثر اعتمادا على روسيا في إدارة الصراعات في المنطقة. كما ستلجأ روسيا إلى استخدام علاقاتها الوثيقة مع تركيا في مجال الطاقة في محاولة لتقويض مشروعات الطاقة المرتبطة بممر الغاز الجنوبي المصمم للالتفاف على روسيا. ولن تحقق التحركات الروسية في الشرق الأوسط شيئًا يُذكر تجاه ردع واشنطن عن الدفع بقوة وراء استراتيجيتها في المنطقة، والتي تتمثل في تجنب التزام واسع النطاق بإنزال قوات برية إلى هذا المسرح، ومحاولة إلقاء الجزء الأكبر من العبء في ملعب اللاعبين الإقليميين لإدارة التهديدات المشتركة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا. المصالح المتباينة لهذه الأطراف الإقليمية الفاعلة بالإضافة إلى تفضيل الولاياتالمتحدة إعداد القوات المحلية لقيادة العمليات البرية ضد الدولة الإسلامية تعني أن التقدم في العراق وسوريا بشكل خاص سيكون بطيئًا وغير منتظم. الحفاظ على العلاقة مع إيران لا يزال أمرا حاسما لاستراتيجية الولاياتالمتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ولكن التوصل إلى اتفاق شامل يقود إلى تقارب دبلوماسي بين الولاياتالمتحدةوإيران ليس من المرجح حدوثه في عام 2015. لن تكون هناك نقلة نوعية في العلاقة بين إيرانوالولاياتالمتحدة. وبدلاً من ذلك، سوف تستمر الدبلوماسية في العلن بينما يتعاون الجانبان بهدوء في المناطق التي تجمع وتوحد مصالحهما مثل العراق وسوريا مع استمرار إنكار واشنطن وطهران علانية لمثل هذا التعاون. ولا شك أن المسألة النووية جزء واحد فقط من هذه المفاوضات الواسعة. وسوف يستمر سوف التفاهم بين واشنطن وطهران خلال هذا العام في الوقت التي ستحافظ فيه الثانية على التزامها بالقيود المفروضة على أنشطة التخصيب وبالتالي ستبدأ الأولى خطوات تخفيف العقوبات تدريجيا معتمدة بشكل رئيسي على السلطة التنفيذية للقيام بذلك. وسوف يقيد انخفاض أسعار النفط طهران ما يدفعها للتقارب السياسي مع روسيا، وستدعم العقوبات والقيود المفروضة على البلدين هذا التقارب. ومع ذلك، فإن التعقيدات السياسية المحيطة بهذه العملية جنبًا إلى جنب مع القيود التقنية تعني أنه من غير المرجح أن يشهد قطاع الطاقة الإيراني انتعاشة هذه العام الذي سيشهد زيادة كبيرة في كميات النفط الإيراني في السوق. تركيا ومزيد من العزلة على الرغم من اشتراك الولاياتالمتحدة وتركيا في عدد من المصالح منها على سبيل المثال إبقاء الطموحات الروسية تحت السيطرة وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط إلا إن تلك الشراكة ستظل متوترة خلال عام 2015. وستحافظ تركيا على موقف عسكري دفاعي على طول حدودها على الرغم من مطالب أنقرة الطموحة بإنشاء منطقة حظر طيران في سوريا، وهو المقترح الذي ستبقى الولاياتالمتحدة على مسافة منه بينما تركز جهودها على مكافحة "داعش". دعم تركيا للجماعات الإسلامية على غرار جماعة الإخوان المسلمين جنبًا إلى جنب مع ما تفرضه من سرية على قدرتها العسكرية سيعزل تركيا عن جزء كبير من العالم العربي، وبالتالي سيحرمها من إضفاء الشرعية على دورها الذي تسعى إليه كقائد إقليمي. كما ستبقي تركيا نفسها على مسافة من الجهود التي تقودها الولاياتالمتحدة لاحتواء روسيا مفضلةً التوازن الدقيق بين روسيا والغرب. وأكثر ما سيشغل تركيا على مدار عام 2015 هي الانتخابات العامة المزمع لها شهر يونيو المقبل. وستجري الانتخابات في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والانتقادات المتزايدة ضد السياسة الخارجية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم. وستبقى المعارضة منقسمة ما يحرمها من إلحاق هزيمة ساحقة بالحزب الحاكم، ولكن شعبية حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات ستتآكل، ما قد يتسبب في عدم تحقيق الحزب لأغلبية الثلثين في البرلمان. ولن يمنع ذلك الرئيس التركي أردوغان من إعادة تركيز السلطة تحت حكمه. كما لن ينجو أردوغان من اتهامات بانتهاك الدستور، لكن تلك الاتهامات لن تجد زخما دستوريا قويا يدفع خلفها بغية عرقلة الحكومة أو منع الرئيس من إدارة البلاد. وسيتنافس حزب "العدالة والتنمية" على أصوات الأكراد مستفيدا من عملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني، كما ستستثمر الفصائل الكردية انتخابات هذا العام في تركيا للسعي من أجل تحقيق مطالبها مستعينةً بالمظاهرات في الشوارع تارة وهجمات بين الحين والآخر تارة أخرى. وستكثر المطالبات الكلامية بشأن عدد من النقاط المعينة، ولكن المفاوضات التي ستدور بشأن تلك المطالب التي ستعلو بها أصوات الأكراد ستبقى مكبلة بعدد من القيود. وفي ظل ساحات القتال النشطة على الحدود التركية، لن تنجح أنقرة في نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، ولن يكون لحزب "العدالة والتنمية" القدرة السياسية الكافية لإقرار مكونات اتفاق سلام من جانب واحد. عمر نجيب [email protected]