ليس من قبيل المبالغة القول أن خطى الإنسانية في الزمن الراهن، أصبحت تتسارع بشكل مخيف و فاتن، ولربما بشكل لا منطقي، وأحيانا بشكل لا معقول. إن الاختراعات الرقمية / التكنولوجية / الصناعية، كالسباق نحو إحتلال الفضاءات الخارجية للكوكب الأرضي، وتضيع أسلحة الدمار الشامل، كالإرهاب المتعدد الصفات / المتعدد الديانات والأجناس، جعلت الإنسان لا يدري مساره، ولا يعرف كيف يتحكم لا في أنماطه الحياتية، ولا في قيمه الحضارية. وتتجسد هذه الوضعية في ملحمين اثنين : ثورة الاتصالات وانفجار المعلومات، وهو ما قاد إلى حصول البشر على أكبر قدر من المعلومات العلمية التي وظفها في الاختراعات التدميرية، وفي تسلق أمواج الفضاء لاكتساح كواكبه المستحيلة، وهو ما أحدث آثارا ملموسة في أساليب حياة الناس وأنماط صراعاتهم السياسية والعقائدية ومعيشتهم، فضلا عن تأثيره في طرائف تفكيرهم وأساليب أعمالهم وإنجازاتهم. ففي أقل من قرن من الزمن، قفزت البشرية على طريق المعرفة العلمية / التكنولوجية / الثقافة الرقمية، مسافة أطول بكثير مما قطعتها على مدى عشرين قرنا من تاريخها، هذه الحقيقة التي أصبحت محل إجماع وتوافق العلماء والمفكرين والمؤرخين في عالم اليوم، هي نفسها التي تجعل العالم أمام سؤال صعب : إلى أين تسير البشرية ؟. إننا عندما نضيف ما حققته البشرية لتاريخ المعرفة العلمية من صناعات واختراعات تكنولوجية، إلى ما تحقق لها من أنواع الأسلحة ذات الدمار الشامل، وفيالق الجيوش، ورؤوس الأموال المسيطرة على دروب الكرة الأرضية، يمكننا أن نفهم جيدا قوة العصر الحديث التي تهدد تدمير نفسها بنفسها وتهدد ما أنتجته خلال كل العصور. مع شديد الأسف، إن ما يحدث اليوم من حروب وتدمير وإرهاب متعدد الجنسيات بمناطق عديدة من العالم، وباسم ديانات وإيديولوجيات مختلفة، يشكل قوة حمقاء، بلا ضمير / بلا عقل، مع أن القوة التي كان وما يزال الإنسان يحلم بها، هي المقدرة على الاختراع / المقدرة على ترقية الحياة الإنسانية / على البحث العلمي / على تحويل الاختراعات إلى منتجات تسعد الإنسان، وتجعله مستمتعا بوجوده على كوكبه، ولكن ها هي الاختراعات الرقمية والتكنولوجيا، والصناعات المتطورة، والتسابق العلمي والصراعات السياسية والعقائدية، تتحول إلى أهداف مشروعة من أجل تكديس الأموال وبناء الأسلحة والجيوش، وبناء الأنظمة الإرهابية المتوحشة، إضافة إلى الصراعات المجنونة التي تذكيها البشرية بأساليب خبيثة متعددة، حولت " القوة " وحولت الأرض، كل الأرض إلى جحيم لا يطاق. أفلا تنظرون...؟