إذا عنَّ لك ان تقرأ في التاريخ فستجد أغرب ظواهر التكفير تطل عليك، واذا عنَّ لك ان تقرأ التاريخ فستجده وكأنما يسخر من ظاهرة «المُكفرين» تلك الظاهرة التي يجب ان نخرجها من حياتنا وندع شأنها لله رب العالمين، أما لماذا التكفير هو أغرب الظواهر الانسانية وأكثرها جدلا فذلك لأن الواحد من الناس ينصب نفسه عالما بالقلوب وما فيها ثم يأخذ في اطلاق الأحكام، ولأن الكفر هو حالة عقلية وقلبية تصيب انسانا ما لسبب ما، وقد تكون هذه الحالة ناتجة من اختلاف في الفهم أو اختلاف في التأويل أو قصور في الادراك، وليس بالضرورة ان يكون من نال «صك التكفير» كافرا حقا اذ اننا تعلمنا ان نبحث له عن مائة عذر، ومع ذلك فانك ستجد في التكفير ظاهرة في منتهى الغرابة، هي ظاهرة «التكفير المتنقل» وقد اكتسب التكفير الذي أعنيه صفة «التنقل» لأنه يتجول ويرحل من مكان لمكان ومن زمان لزمان ولكنه دائما يصيب صاحبه، كيف هذا؟! خذ عندك، شيخنا الجليل الراحل محمد متولي الشعراوي كان قد دخل في صراع عقائدي مع الراحلين الكبار توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود ويوسف ادريس على خلفية عدة مقالات كان الحكيم قد كتبها في جريدة الأهرام، مقالات الحكيم كانت من وحي خياله حيث تحركت حاسة الأديب عنده وجعلته يتخيل حوارا دار بينه وبين الله رب العالمين، ولم يكن هذا الأمر معتادا في الأدب العربي وان كان معروفا في الآداب الغربية، وكان الحكيم في حواره له نظرات فلسفية عميقة ولكن الدنيا قامت ولم تقعد، وبدأ عدد من الشيوخ في تكفير الحكيم، وفورا دخل الراحل الجليل الشيخ الشعراوي في خط التكفير واتهم الحكيم ومعه زكي نجيب ويوسف ادريس بالكفر وأنه مستعد للدخول في مناظرة معهم لكشف كفرهم، وأوقفت الأهرام مقالات الحكيم، ولكن التكفير «المتنقل» تحرك من مكانه ليصيب الشيخ الشعراوي بعد ذلك، اذ قال الشعراوي في البرلمان المصري في السبعينيات ذات مرة ان الأمر لو كان بيده لقال ان السادات لا يُسأل عما يفعل، وهذه مقاربة مع الآية الكريمة عن الله سبحانه (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) فما كان من بعض المشايخ الا ان كفروا الشعراوي بسبب هذا القول!. لم يكن الشعراوي وحده، ولكن الشيخ الراحل عبد الصبور شاهين اتهم الكاتب الكبير الراحل نصر حامد أبو زيد بالكفر على خلفية أبحاث كتبها أبو زيد دار معظمها حول أنسنة النص المقدس من حيث الفهم، فالنص الالهي مقدس لا شك في ذلك ولكن هذا النص يتحول الى نص انساني من حيث فهم الناس له، وكلنا يعرف الذي حدث لنصر أبو زيد، وتدور الأيام ويكتب عبد الصبور شاهين كتابا اسمه «أبي آدم» يقول فيه ان آدم ليس هو أول البشر وانه مولود من أم وأب، فقامت الدنيا على الشيخ واتهمه أهل السلف والخلف بالكفر! ومع الكاتب الراحل جلال كشك كانت رحلة تكفير أخرى، حيث قام هو الآخر بتكفير نصر حامد أبو زيد، فاذا بكشك يكتب كتابا عنوانه (خواطر مسلم في المسألة الجنسية) يقول فيه انه يباح لأهل الجنة اتيان «الولدان المخلدون» من أدبارهم، أي ان الشذوذ مباح لهم في الجنة وأن «الولدان المخلدون» قد خلقهم الله لهذه المهمة، فقامت جمهرة كبيرة من الشيوخ والعلماء بتكفير جلال كشك! أما الأغرب فهو سيد قطب ذات نفسه، فقطب قام بتكفير العالم كله، بمسلميه وغير مسلميه، ثم دارت الأيام وقرأ العلماء تفسير سيد قطب عن مسخ الله بعض اليهود الى قردة وخنازير، فاذا بقطب يقول في تفسيره ان مسألة المسخ هذه مجرد أساطير لا أصل لها! ثم يتطرق الى اماتة الله لليهود لما طلبوا رؤية الله جهرة ثم أحياهم الله بعد ذلك، فيقول في تأويله ان مسألة الاماتة والاحياء هي أساطير، فقام علماء المدرسة السلفية بتكفير قطب الذي كفر الدنيا! وكما تدين تدان.