دولة مثل الجزائر تضطر حكومتها لإصدار قرار غريب فعلا يجبر جميع الديبلوماسيين المقيمين في الجزائر على التعامل بالدينار الجزائري وأنه لا يسمح لهم بسحب أي مبلغ من العملة الصعبة إلا حين مغادرتهم للجزائر على ألا يتجاوز المبلغ المسحوب ما قيمته 7500 دولار. قرار عجيب و غريب لأن الديبلوماسيين العاملين في البعثات الديبلوماسية في الجزائر لا يتقاضون رواتبهم من الخزينة الجزائرية حتى يحق ويمكن للحكومة الجزائرية أو للبنك المركزي الجزائري إصدار قرارات تنظم التصرف في هذه الرواتب، ولكنهم يتقاضونها من حكومات بلدانهم، وبذلك فهم جميعهم يتوفرون على ما يعرف بحسابات العملة الصعبة القابلة للتحويل بالعملة الوطنية، لأن هذه الحسابات تزود بالعملة الصعبة من طرف أصحابها و هم أجانب و لا يخضعون إلى ما يخضع له المواطن الجزائري الذي يتلقى أموالا من الخارج بالعملة الصعبة، وبالتالي لا يحق لحكومة أي بلد التدخل في طريقة التصرف في هذه الحسابات إلا ما كان يتعارض مع القوانين كأن يتعمد أصحاب هذه الحسابات بيع العملة الصعبة في السوق السوداء أو صرف مبلغ بالعملة الصعبة يفوق ما ضخ فيه من العملة الصعبة، ولذلك وجدت قوانين في جميع بلاد المعمور تنظم هذه العمليات و لا تطرح أي إشكاليات على هذا المستوى. منهجية المسؤولين الجزائريين في التعاطي مع قضايا عادية تفسر عجز سياساتهم في إيجاد الحلول للإشكاليات والتحديات التي تطرحها هذه القضايا، فتصوروا بأن الهدف الذي أعلنه المسؤولون الجزائريون من إجرائهم الجديد هو محاربة بيع العملة الصعبة في السوق السوداء، حيث يتهم الأوصياء على الشأن الجزائري الديبلوماسيين الأجانب ببيع ما يسحبونه من البنوك من العملة الصعبة في السوق السوداء، وعوض أن يركز هؤلاء الأوصياء البسطاء في تفكيرهم على القضاء على الأسباب التي مكنت السوق السوداء للعملة الصعبة من أن تصبح نشيطة فإنهم ركزوا على تفصيلة بسيطة جدا لن يكون لها أثر. أعتقد أنه أصبح مشروعا دعوة بنك المغرب هنا في الرباط إلى إجبار الديبلوماسيين الجزائريين على التعامل بالدرهم المغربي في إطار المعاملة بالمثل وألا يسحبوا وقت مغادرتهم المغرب أكثر من 7500 أورو، ومن حق جميع البنوك المركزية في العالم اتخاذ نفس الإجراء في حق الديبلوماسيين الجزائريين. المسؤولون الجزائريون إنما يستعملون هذه القضية كحصان طروادة للتعتيم على حجم الفساد المالي الكبير في هذا المجال، حيث يقوم كثير منهم بتهريب مبالغ خيالية من العملة الصعبة إلى الخارج وما شكيب خليل وزير الطاقة الجزائري الموجود في حالة فرار بالولايات المتحدة إلا نموذجا واحدا من نماذج خطيرة تنهك بلدا غنيا بثرواته ولكن شعبه يواجه في حياته صعوبات كثيرة، وحتى لا يقال بأن السلطات الجزائرية لا تحارب التهريب وتمويل السوق السوداء فإنها أصدرت قرارا غريبا في حق الديبلوماسيين الأجانب المقيمين فوق ترابها.