على مستوى المفهوم العام فإن كأس إفريقيا للأمم تعتبر تظاهرة لتجمّع بشري في إطار توحيد نفس القيم على غرار الألعاب الأولمبية ،والتي تعتبر رابطا اجتماعيا لذا ما هو التأثير الذي قد يخلّفه تأجيل أو تظاهرة كأس إفريقيا للأمم الذي تقدم به المغرب ؟ نعلم أنه بالتطور الحاصل في عالم الاتصال والإعلام (خاصة التلفزة) انتقلت الرياضة إلى ما يتجاوز الميدان الاجتماعي إلى سياسة إعلامية فعالة في دعم أسواق موازية كالسياحة والتجارة والحركة المالية، انتقلت من الحدث الرياضي إلى صناعة أحداث كبرى. كأس إفريقيا للأمم تبقى في جوهرها التحدّي السياسي والاقتصادي للبلد المنظم كمستثمر لرأس مال مادي وبشري ثم كمقدم لخدمات لوجيستية وبنية تحتية وهذا له تأثير جد مهم لإبراز صورة حقيقية تعزز مكانة البلد المضيف في الخارج. فترشيح المغرب البلد المضيف لكأس إفريقيا هو اعتراف بقدرته التأثيرعلى مؤسسات عالمية من مجالات السياسة والمال والاقتصاد وإقناعها بتوفير كل الضمانات التي تخلف النجاح والربح لجميع الفاعلين كمساهمين. ويعتبر تدفق آلاف الجماهير عاملا يسبّب طفرة في الاستهلاك وتدفق الضرائب غير المباشرة اعتبارا أن كرة القدم أصبحت منافسة كبيرة ومرآة الشعوب بفضل النقل التلفزي ومع ذلك فالصورة الإيجابية أو السلبية التي تنشرها التظاهرة الرياضية قد تزول مع إجراء الدورة الموالية في بلد آخر، لكن الذي لا يزول هو استفادة الحكومة من رفع مستوى وقيمة الرياضة على مستوى الأندية الوطنية وتشجيع استقطاب أعداد كبيرة من الأطفال والشباب للممارسة لتكون في الأخير الرياضة الجماهيرية هي الفائزة والمستفيدة. في كأس إفريقيا للأمم تشارك إفريقيا بأعلى نسبة من لاعبيها ،من الطفرة الأوروبية وهذا ما يعطي قيمة «العالمية» أو «القارية» لهذه الكأس الإفريقية، فأزيد من 580 من لاعبي بلدان إفريقيا و128 من شمال إفريقيا ، يشاركون على مستوى الإقصائيات والنهائيات وتأتي نيجيريا في المقدمة بمجموع 105 لاعبا ،84 من الكامرون ، 63 من ساحل العاج (كوتديفوار)،58 من السنغال، 52 من غانا، إلى غير ذلك،وتأتي فرنسا من الدول الأولى في الترتيب التي يمارس بها أكبر عدد من الأفارقة بمجموع 130 لاعبا ، بلجيكا 80 ،الجزر البريطانية 55، هولاندا 30 وبأعداد أقل في إسبانيا،إيطاليا ، اليونان، وتركيا . وقرار المغرب تأجيل احتضان كأس إفريقيا جاء بعد إعلان منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة وجود صعوبات كبيرة في تطويق وباء «إيبولا» وتركت لجميع الدول اتخاذ قراراتها بشكل سيادي للتعامل مع دول الساحل الإفريقي، وسرعان ما بدأت الجماهير تتساءل بحثا عن إجابات أكثر واقعية وعملية، لكن تحليل مخلفات ما بعد كأس إفريقيا هو الذي يحمل إجابات مقنعة أترت على اتخاذ قرار يحمي البلاد من مصيبة عظمى بشرية واقتصادية ، فالسوق السياحية تأثرت نسبيا في الأشهر الماضية بسبب التحذير الذي وجهته بعض الدول الأوروبية لمواطنيها بتجنب السفر إلى 40 دولة منها المغرب بسبب الإرهاب أولا وبسبب احتمال تسرب وباء « إيبولا» خلال كأس إفريقيا ،وبعد قطاع السياحة سيكون قطاع التصدير الفلاحي مهددا أيضا والأكيد أن لا قدّر الله تسرب الوباء للمغرب فسيكون سببا قويا لهروب المستثمرين وتحويل وجهتهم إلى مناطق أخرى في العالم. وانطلاقا من هذه الأحداث يظهر أن منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة والمختبرات الطبية العالمية قد أعلنوا حتى الآن فشلهم في التغلب على « إيبولا « وهو ما يفرض على المغرب أن يسير في طريق العديد من الدول التي نفدت قرار تجميد أي زيارة أو رحلات جوية أو تبادل تجاري مع الدول التي انتشر فيها الوباء، فالأكيد يجب إقناع رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في الاجتماع المقرر هذا الأسبوع الذي يظهر أنه رفض قرار المغرب طبعا لأنه مقيد بعقود مالية من شركات مساهمة ومنظمة لكأس إفريقيا،كما أن رئيسة صندوق النقد الدولي طالبت بعدم عزل دول الساحل الإفريقي .لكن ما رأيهما في قرارات دول سبقت المغرب مثل السعودية ( برفض استقبال الحجاج)ودول أوروبية لها مصالح في المنطقة وبعض الولايات في أمريكا في مقدمتها ولاية نيويورك، والسنغال (الذي أغلق جميع حدوده) ؟ إذا كانت كرة القدم في بلادنا اتخذت قرارا جريئا بتدخل من السلطات الأمنية والصحية فننتظر أن يشمل نفس القرار الخطوط الملكية الجوية التي أصرت إدارتها الاحتفاظ برحلاتها الجوية، فحياة المواطنين أهم من أرباح صفقات تجارية مؤقتة .