اعتبرت جمعية هيئات المحامين بالمغرب أن مشروع قانون المسطرة الجنائية المُعد من قبل وزارة العدل والحريات مشروعا معزولا عن الأعمال التحضيرية وبدون بيان لأسباب النزول، وبعيد عن اللحظة الدستورية ومطامح المغرب والمغاربة. وأكدت الجمعية أن هذا المشروع عمل منفرد بعيد عن أية مقاربة تشاركية، وجاء بنظرة أحادية ولا يعكس آراء الممارسين، واستحكمت في اختياراته النظرة السياسية الأمنية، حيث إن البُعد الحقوقي الدستورية والدولي هش، مع تشديد الخناق على حقوق الدفاع وما يستلزمه دور المحامي في تعزيز المحاكمة العادلة ومراقبة مشروعية العدالة الجنائية وحماية مقومات البراءة بأبعادها المختلفة. كما فتح مشروع قانون المسطرة الجنائية من جهة أبوابا بدون قيود لمؤسسات الأمن والشرطة القضائية والنيابة العامة التي سمح باستقوائها في كل مراحل المسطرة، وجعل هاجس محاربة الجريمة والجريمة المنظمة معبرا تختل معه كفة حماية حقوق عدة، ومن جهة أخرى أن هذا المشروع حسم في أمور ما زالت محل خلافات كبرى وسط الفاعلين السياسيين والمهتمين، كمسألة اعتبار الوكيل العام لمحكمة النقض رئيسا لجهاز النيابة العامة عوض وزير العدل، وغيرها من الأمور المرتبطة بمشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية. من جهة ثالثة نص مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي هو قانون شكل وإجراءات على عدد من الجرائم والعقوبات، رغم أنه ليس قانون عقوبات. في هذا الصدد أكد مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب في إطار ملاحظاته على هذا المشروع أن التجرية الميدانية والتعاطي مع الحالة القائمة اليوم في مسيرة القضاء الجنائي وآليات التعامل مع المحاكمات والأبحاث والتحقيقات وأوضاع السجون عددا من الحقائق الخطيرة، والتي لا بد من تداركها برؤية سياسية منفتحة، ديمقراطية، وغير مهنية، ومن هذه الملاحظات ذكرت ورقة للجمعية: * قوة ضاربة لجهاز الشرطة القضائية لا يخضع لمراقبة حقيقية ولا لمساءلة قانونية منهجية. * تغول جهاز النيابة العامة لامتلاكه سلطات واسعة، وغير مراقبة على حساب التوازن وتوازي الأسلحة. * هيمنة النيابة العامة على قضاء التحقيق ووضعه تحت نفوذها. * ضعف قضاء التحقيق وفعاليته تحت ضعف الإمكانيات لفائدة تقوية جهاز الضابطة. * الضغط على قدرات قضاء الحكم ليتحول إلى آلة لغسل المحاضر وقرارات الإحالة لقضاة التحقيق. * عدم نجاعة وفعالية الغرفة الجنحية المُعوَّل عليها لمراقبة قرارات قضاة التحقيق وسلوك الضابطة القضائية وتنظيف المساطر من الإخلالات. * كثرة الطعون الموجهة للقرارات والأحكام من المتقاضين والمحامين وقضاة النيابة العامة. * إضعاف حقوق الدفاع وقلة ضمانات الاستفادة منها وانتهاكات متواصلة لها أمام مختلف المحاكم. * ضعف مستوى العديد من المحامين في مجال العدالة الجنائية. * إفراغ متواصل للدور المحوري للمحامي خلال مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة. * ضعف مستوى القرارات والأحكام في التأصيل والتفسير والاجتهاد وحماية حقوق الإنسان. * الإمساك والتردد في إدماج مفاهيم حقوق الإنسان في نطاق القضاء الجنائي. * ضعف قضاء محكمة النقض في تعزيز قواعد الشكل والجوهر في حماية المحاكمات وتوفير شروطها وتطوير العمل القضائي في الميدان الزجري. * عدم احترام وعدم حماية محكمة النقض للفصل بين سلطتي الحكم والاتهام من خلال مشاركة النيابة العامة في مداولات هيئات الحكم. * تدهور مستمر لأوضاع السجون والسجناء وضعف آليات مراقبتها، سواء من قبل قضاة النيابة العامة أو التحقيق، أو قضاء تنفيذ العقوبة، أو الغرفة الجنحية، أو اللجن الإقليمية. * توسيع نطاق الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي وتهديد متزايد للحرية ولقرينة البراءة. * أكدت الممارسة القضائية كذلك، أنه رغم التباهي بقانون المسطرة الجنائية ظلت الشهادات والتقارير والتظلمات التي تصدر، سواء من المتقاضين أو من الهيئات الحقوقية والمدنية والسياسية والمنظمات الدولية، تؤكد ممارسة التعذيب والاحتجاز وعدم احترام مدة الحراسة النظرية، وظل الوكلاء وقضاة التحقيق حائرون من أمرهم بين الابتعاد عن تطبيق النص، أو الاجتهاد من أجل عدم إعماله وخرقه، أي بدا أن هناك خللا حقيقيا نابعا من فراغ السياسة الجنائية من محددات ومن قناعة حقيقية بأهمية وضرورة الأمن القضائي. * تقلص دور المحامين في المجال الجنائي، وذهبت الاجتهادات بعيدا واستعملت السلطة التقديرية للتضييق عليهم بدون قيود أو حدود، إلى أن انتهكت حقوق مكتسبة لهم، وصلاحيات جوهرية هي من صميم عملهم، تسترت وراء قضايا ما يسمى بالإرهاب كحجة واهية، لكنها عملة روجتها عدة جهات تولت الإجهاز على صلاحيات ودور المحامي مع موكله ومع الهيئات القضائية.