صدر بالجريدة الرسمية عدد 6290 بتاريخ 11 شتنبر 2014 القانون رقم 033.14 بتغيير وتتميم القانون رقم 011.71 بتاريخ 12 من ذي القعدة 1391 الموافق 30 دجنبر 1971 المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية ، بما يحمله يوم 11 شتنبر من رمز للمآسي والفواجع في ذاكرة ونفسية البشرية جمعاء . وقد تضمن هذا القانون مادة فريدة تتعلق بتغيير الفقرة 7 من الفصل 44، حيث أصبحت على الشكل التالي : " تاريخ بلوغ حد السن القانونية للإحالة على التقاعد بالنسبة للموظف أو المستخدم المحذوف من الأسلاك نتيجة الاستقالة المقبولة بصفة قانونية ، أو العزل من غير توقيف حق التقاعد ، أو الإحالة على التقاعد لعدم الكفاءة المهنية ، فيما يتعلق بالمعاش المستحق له ، ومن تاريخ وفاة صاحب الحق الأصلي فيما يتعلق بالمعاش المستحق لذوي الحقوق" ومن خلال العرض الذي تقدم به السيد محمد مبديع الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب فإن أسباب نزول مشروع هذا القانون كما أعدته الحكومة جاءت على خلفية استفادة الموظفين والمستخدمين الذين يحذفون من الأسلاك بسبب ارتكاب بعض الأخطاء والهفوات المرتبطة بالالتزامات المهنية ، أو ترك الوظيفة ، على إثر الحذف من أسلاك الوظيفة ، من معاش يحتسب على أساس 5، 2 % من عناصر آخر أجرة خضعت للاقتطاع . في حين لا يستفيد زملاؤهم المحالون على التقاعد قبل بلوغ حد السن ، بطلب منهم ، إلا معاش يحتسب على أساس 2% من عناصر آخر أجرة خضعت للاقتطاع . ويرى السيد الوزير ، أن من شأن هذا التصرف أن يشجع الموظفين على ترك وظائفهم عوضا عن انتظار الوصول إلى حد سن التقاعد ، حتى يستفيدون من المعاش الذي يحتسب على أساس 5، 2 % عوضا عن 2% ، وتشير أصابع الاتهام في هذا المجال على الخصوص إلى أطر التعليم والصحة ، الشيء الذي أدى حسب الحكومة إلى انعكاسات سلبية على السير العادي للمرفق العمومي . ويهدف هذا القانون ظاهريا إلى شيئين اثنين لا ثالث لهما ، وهما : - تمكين الموظفين والمستخدمين المحذوفين من الأسلاك نتيجة الاستقالة المقبولة بصفة قانونية من الاستفادة عند بلوغ حد السن ، من معاش التقاعد ، ذلك أن هذه الفئة حسب القانون الجاري به العمل لا تستفيد من معاش التقاعد مهما كانت مدة خدمتها ، وكل ما كانوا يحصلون عليه هو استرجاع المبالغ المقتطعة من أجورهم عندما كانوا نشيطين ؛ - تأجيل الاستفادة من معاش التقاعد إلى غاية بلوغ حد السن بالنسبة للموظفين والمستخدمين المحذوفين من الأسلاك نتيجة العزل وكذا بالنسبة للموظفين والمستخدمين المحالين على التقاعد لعدم كفاءتهم المهنية، أي 60 سنة وقد تصبح 65 سنة في ظل المتغيرات التي تسعى إليها الحكومة وأغلبيتها العددية . وقبل تحليل هذه المادة الفريدة من القانون رقم 033.14 المشار إليه أعلاه، لابد من الإدلاء بالملاحظات التالية: 1) إن هذا النص جاء ليطبق على الموظفين المدنيين دون العسكريين ، وهذا تمييز مخالف للدستور؛ 2) صادق كل من مجلس المستشارين ومجلس النواب على المشروع قانون كما أعدته الحكومة بالإجماع دون أي تعديل ولو شكلي؛ ذلك أن هذا المشروع قانون الذي يحمل رقم 196 أحيل من مجلس المستشارين بتاريخ 16 يوليو2014 على مجلس النواب، وأحيل على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بنفس المجلس بتاريخ 17 يوليو 2014، أي يوم الخميس وصودق عليه في القراءة الأولى في الجلسة العامة يوم 23 يوليوز 2014، أي يوم الثلاثاء، ولنا أن نتساءل هل هذا النص يدخل في المخطط التشريعي للحكومة؟، وهل القوانين المصيرية تناقش بمثل هاته السرعة أم بالتؤدة والتروي خاصة بالنسبة لنص يرهن مستقبل آلاف الموظفين؟ وعليه ومن أجل الدراسة العلمية للنص، نرى من الفائدة الرجوع إلى النص الأصلي المعدل، الذي دخل عليه بدوره تعديل بتاريخ 15 نونبر 1989 والذي ينص على ما يلي: "مع مراعاة أحكام الفصل 47 بعده ، تستحق المعاشات المنصوص عليها في هذا القانون ابتداء من : 1) تاريخ حذف الموظف أو المستخدم من سلك الموظفين أو المستخدمين الذي ينتمي إليه فيما يتعلق بمعاش التقاعد المستحق له ؛ 2) فاتح الشهر الذي يلي تاريخ اجتماع اللجنة الذي وقع البت خلاله في حالة المصاب فيما يتعلق بمعاش الزمانة ؛ 3) تاريخ وفاة الموظف أو المستخدم أو المتقاعد فيما يتعلق بالمعاش المستحق لأرملته عنه ؛ 4) فاتح الشهر الذي يلي تاريخ اكتمال عمر الزوج الستين أو فاتح الشهر الذي يلي تاريخ ثبوت إصابته بعاهة أو بمرض عضال لدى اللجنة المختصة فيما يتعلق بالمعاش المستحق للزوج عن زوجته المتوفاة . 5) تاريخ توفر الشروط المنصوص عليها في الفصول 33 (الفقرة الأخيرة) و35 و 36 و37 (الفقرة الأخيرة ) و 40 و 42 (الفقرة الأولى) من هذا القانون فيما يتعلق بالمعاشات المستحقة للأيتام 6) فاتح الشهر الذي يلي تاريخ وفاة الموظف أو المستخدم فيما يتعلق بمعاش الأبوين. وعليه يستشف من هذا النص أن حالات استحقاق المعاش وزمانه واردة على سبيل الحصر وبطريقة واضحة ، وهي بصفة عامة تهم معاش الزمانة والوفاة . أما بالنسبة للحالة 7، التي أضيفت للفصل 44، فتبقى مريبة وغامضة وتقرأ من الجهتين اليمين واليسار، كما سنوضح : يفهم من مضمون الفقرة 7 أعلاه أن الموظف المعني بها هو : الشخص الذي تم حذفه من أسلاك الوظيفة العمومية نتيجة الاستقالة المقبولة قانونا، أي الموظف الذي طلب بمحض الانقطاع النهائي عن العمل وسلك المسطرة القانونية المنصوص عليها في الفصل 77 وما يليه من قانون الوظيفة العمومية؛ الموظف إلي صدر في حقه قرار العزل نتيجة تصرفات مشينة أو ماسة بحرمة المؤسسة التي ينتمي إليها ؛ وارتأ المجلس التأديبي احتفاظه بالمعاش تماشيا مع مقتضيات الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية ؛ الشخص الذي أحيل على التقاعد لعدم الكفاءة المهنية ، ولنا أن تساءل من هو هذا الشخص ، هل هو الموظف المتمرن أم الموظف المرسم الذي أدى خدمة للإدارة ، ثم أحيل على التقاعد بسبب عدم كفاءته المهنية ؟ للجواب، نقول بأنه استنادا إلى الفصل 3 من المرسوم الملكي رقم 62.68 بتاريخ 17 ماي 1968 بتحديد المقتضيات المطبقة على الموظفين المتمرنين بالإدارات العمومية فإن الموظف المتمرن الذي اثبت عدم كفاءته المهنية خلال السنة الأولى من التمرين فإنه يمدد له سنة إضافية، وفي حالة عدم تحسن أحواله الإدارية لا يرسم. وتنتهي علاقته بالإدارة، ما لم يكن نظامه الأساسي الخاص بالسلك الذي يؤهل للترسيم فيه ينص على فترة أقل . والجديري بالتنبه أنه إذا كان الموظف المتمرن المعفى لم يكن يستفيد من المعاش في ظل قانون 30 دجنبر 1971، فإن الوضع تغير بمقتضى القانون رقم 6.80 المتعلق بنظام معاشات الموظفين المتمرنين التابعين للدولة والجماعات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.411 بتاريخ 6 مايو 1982، حيث تم تمديد قانون المعاشات المدنية إلى المتمرنين بشكل رجعي، أي ابتداء من فاتح يناير 1972، كما يستفيد ابتداء من فاتح يناير1975 ذوو الحقوق. ومن تم هل يتعين حتى على هذا المتمرن المقال الانتظار إلى حد 60 سنة فما فوق من أجل صرف معاشه ؟ والملاحظ أن الفصل 81 من قانون الوظيفة العمومية تضمن حالة عامة تخص الإعفاء كذلك، حيث جاء فيه أن الموظف الذي ثبت عدم كفاءته المهنية والذي لا يمكن إدراجه في أسلاك الإدارة أو مصلحة أخرى إما أن يحال على التقاعد، وإما أن يعفى إذا لم يكن له الحق في التقاعد، ويتخذ هذا المقرر الوزير العني بالأمر مع مراعاة الموجبات الجارية في الشؤون التأديبية، ويمكن للموظف المعني لعدم كفاءته المهنية أن يمنح تعويضا طبق شروط يحددها مرسوم. ولا غرو أن ما تضمنه هذا الفصل يتماشى مع مضمون قانون 6 ماي 1982، ويشمل أيضا الموظف المرسم، بدليل أن المشرع أشار إلى الإدراج بسلك الإدارة وهذا يهم المتمرن، وكذا مصلحة أخرى وهو ما يرتبط بالموظف المرسم وغني عن البيان أنه استنادا إلى القانون الجاري به العمل حاليا فإن الموظف المستقيل إنما يسترجع مستحقاته المالية المتمثلة في الاقتطاعات، وهذا في حد ذاته حيف تجاه الموظف، الذي تمت قبول استقالته بصفة نظامية . ومن خلال تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول منظومة التقاعد بالمغرب برسم سنة 2013، يتبين أن الصندوق المغربي للتقاعد يحكمه نظامان رئيسيان أحدثا سنة 1971 نتيجة توحيد جميع أنظمة التقاعد السائدة آنذاك، أحدهما يتعلق بالمعاشات المدنية، والآخر يهم المعاشات العسكرية، وابتداء من سنة 2005 يقوم هذا الصندوق بتدبير نظام معاش تكميلي اختياري يعتمد على انخراط المستفيدين، وقد وصل رقم معاملاته 12 مليون درهم تقريبا سنة 2011، وأن عدد المساهمين النشيطين يناهز 629.892 موظف وعون، بينما عدد المتقاعدين المستفيدين 249.492 شخص، وتقدر مساهمات الفئة الأولى 14.1 مليار درهم، بينما تصل الخدمات إلى 11.8 مليار درهم . ومنذ سنة 2006 انتقلت نسبة مساهمة المنخرطين إلى 10%، عوضا عن 7 %، وذلك بشكل متساو مع الدولة، الشيء الذي يجعلنا نتساءل لماذا وقع هذا التعديل في صمت من في المهتمين والمتدخلين والفرقاء الاجتماعيين؟ . وحسب نفس التقرير فإن بين أسباب العجز الذي حيق بالصندوق أن عدد النشيطين كان سنة 1986، 12 نشيطا لكل متقاعد إلى أن انخفض إلى 3 نشطاء لكل متقاعد سنة 2012، ومن المنتظر أن يصل عدد النشيطين سنة 2024 إلى نشيط واحد لكل متقاعد، غير أن ما يلاحظ على التقرير أنه لم يذكر أسباب هذا النزيف المتمثل بالأساس في أن المغاربة أصبحوا يدرسون لمدة طويلة، في الوقت الذي كانت نسبة كبيرة من هؤلاء سنة 1958 وحتى 1971 ينقطعون عن الدراسة ويلجون الوظيفة العمومية صغار السن، أي في سن 18 سنة، وبالتالي فإن جل العاملين في الإدارات العمومية والجماعات المحلية حاليا من الأطر العليا، مما يعني أن عملية الولوج إلى الوظيفة تكون متأخرة، ناهيك عن أن الدولة لم تعد توظف بنفس الوثيرة السابقة، وهذه عوامل بالإضافة إلى غيرها تقلل من مداخل الصندوق . ومجمل القول فإن أسباب نزول القانون ليس من أجل قطع الطريق عن بعض الأطر التي تستغل الهفوات القانونية كما تدعي الحكومة، إذ كان بالإمكان تفعيل بداية المقتضيات القانونية الواردة في الفصل 75 مكرر من قانون الوظيفة العمومية. وقد نص هذا الفصل على أنه: " باستثناء حالات التغيب المبرر قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد الانقطاع يعتبر في حالة ترك الوظيفة . ويعد حينئذ كما لو تخلى عن الضمانات التأديبية التي ينص عليها هذا النظام الأساسي، يوجه رئيس الإدارة إلى الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة، إنذارا لمطالبته باستئناف عمله، يحيط فيه علما بالإجراءات التي تعرض لها في حالة رفضه استئناف عمله . يوجه هذا الإنذار إلى الموظف بآخر عنوان شخصي له مصرح به للإدارة وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول بإشعار بالتسلم . وإذا انصرم أجل سبعة أيام عن تاريخ تسلم الإنذار ولم يستأنف المعني بالأمر عمله، فلرئيس الإدارة صلاحية إصدار عقوبة العزل من غير توقيف الحق في المعاش أو العزل المصحوب بتوقيف المعاش وذلك وبدون سابق استشارة المجلس التأديبي . وللتذكير فقد صدر عن وزير الوظيفة العمومية والاصلاح الإداري المنشور رقم 4 بتاريخ 27 أبريل 1998 في موضوع مسطرة تصفية الحقوق المعاشية في حالة العزل مع الاحتفاظ بالحق في المعاش، لاحظ فيه الوزير أن بعض الإدارات تشترط على الموظفين الذين تعرضوا لعقوبة العزل، مع الاحتفاظ بالحق في المعاش تقديم طلب قصد الاستفادة من حقوقهم، وهذا ما يعتبر إجراء لا يستند على أي مبرر قانوني، لذلك تعين عرض قرارات الحذف من الأسلاك بسبب العزل مع الاحتفاظ بالمعاش على تأشيرة المراقبة المالية دون الحاجة إلى التأشيرة المسبقة للصندوق المغربي للتقاعد . وزبد القول فإنه طبقا للفصل 3 من قانون الوظيفة العمومية، يكون الموظف في حالة قانونية ونظامية إزاء الإدارة، تماما كالجندي بالنسبة للخدمة العسكرية، لذلك يتعين عليه تنفيذ التزامه بحسن نية . لكن في المقابل يجب على الإدارة أن تحفظ للموظف كرامته أثناء ممارسته لنشاطه الوظيفي، أو بعد إحالته على التقاعد وبعد مماته عن طريق إنصاف ذوي حقوقه، ولا سيما في الجانب المالي والنفسي، لأن الموظف مناضل بطبعه، إذ كان بإمكانه العمل في القطاع الخاص ويتقاضى الحوافز والإكراميات أكثر مما يوفره القطاع العمومي، ومع ذلك ظل مجندا لخدمة وطنه من موقعه بدخل زهيد، ويصدق هذا الأمر على الخصوص بالنسبة للذين أسسوا الإدارة العمومية بعد المغربة، والجيل الذي يليهم، لذلك سيكون من المجحف أن يجاز هذا الموظف بمقتضيات قانونية لا تبر به.