ما يحدث في غزة وفي شتى بقاع العالم هو أمر يشكل خطرا جسيما على آفاق السلام والاستقرار الدوليين. والسبيل الوحيد للخروج بشكل مستدام من دائرة العنف والتقتيل والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لن يمر إلا من خلال احترام القانون الدولي الإنساني. لقد وقعت انتهاكات فادحة لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويصعب عند مشاهدة هذا الكم الكبير من الدمار الذي ارتفع بموجبه عدد القتلى من الفلسطينيين، منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، مساء يوم 7 يوليو الجاري إلى 208 قتيلا، وإصابة نحو 1535 آخرين من بينها 39 طفلا، و25 امرأة، و14 مسنا والعدد يتزايد كل ثانية في عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل "الجرف الصامد" وتسببت الغارات العنيفة والكثيفة على مناطق متفرقة من قطاع غزة بتدمير 600 وحدة سكنية بشكل كلي، وتضرر 1494 بشكل جزئي، وفق إحصائية أولية لوزارة الأشغال العامة في الحكومة الفلسطينية. فالقانون الدولي الإنساني يفرض على المحاربين أن يميزوا المقاتلين عن غير المقاتلين وأن يوفروا الحماية للمدنيين، هل ينبغي علينا التذكير بأن القانون الدولي الإنساني هو الاسم الآخر لقانون الحرب وهو يحدد السلوك الواجب إتباعه في أوقات الصراع، فلا يجوز أن يشكل أمن دولة ما ذريعة لأن تضع نفسها فوق القانون الدولي،فالقانون الدولي الإنساني ملزم للجميع ولا يمكن لأي كائن كان أن يتنصل من تنفيذه وهو قانون يخدم مصلحة الإنسانية جمعاء لأنه إذا كان الفقر يؤدي إلى اليأس فإن الظلم والذل يغذيان العنف. إن التحسيس والتعريف بمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني أصبح ضرورة تاريخية يتعين أن تستوعبها البشرية وتتشبع بها فالعالم اليوم لم تعد له علاقة بحقوق الإنسان والمدنيين أثناء الحرب الذين يقتلون كل يوم في كل بقاع العالم دون احترام الإنسان لأخيه الإنسان واحترام القانون الدولي الإنساني . فقد أثبتت الإحصائيات أن هناك13 سنة من الحرب مقابل كل سنة من السلام وقد نكب العالم خلال الأعوام الستين التي انقضت منذ وضعت الحرب العالمية أوزارها بما يزيد على مائة حرب معنى ذلك أن البشرية تواجه مرة كل خمسة شهور على وجه التقريب نزاعاً مسلحا عنيفاً في مكان ما من العالم وغالباً ما ينجم عن هذا النزاع كوارث إنسانية مروعة وخسائر جسيمة في الأرواح والأموال والمعدات ونحن لو تأملنا عالمنا اليوم في هذه الساعة لوجدنا نزاعات مسلحة قائمة في زوايا العالم الأربع: في جنوبلبنان،وفي فلسطين،وفي السودان، وفي العراق وقس على ذلك. إن القانون الدولي هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول التي تدعي لنفسها السيادة ولا تعترف بأي سلطة أعلى منها . إن هذا الادعاء يضفي على القواعد الحقوقية التي تهيمن على هذه العلاقات ، صفة تميزها عن القواعد المتعلقة بالقانون الداخلي . فالأشخاص التابعون لهذا القانون يخضعون إلى سلطة تضع القانون وتفرض احترامه ، في حين أن الدول وهي أشخاص القانون الدولي ، تصدر معا بعد الاتفاق فيما بينها ، الأنظمة التي تعبر عن مصلحتها المشتركة ، وتبقى كل واحدة منها حرة في تقدير مدى الالتزام الذي يترتب عليها وشروط تنفيذه . فالقانون الداخلي قانون طاعة وامتثال، يهيمن على الأشخاص الذين يمكن إرغامهم على احترام القانون بطريق القوة إذا اقتضى الأمر، و بواسطة الأجهزة الإدارية المختصة. أما القانون الدولي الإنساني، فأنه، على النقيض من ذلك يعد قانون تنسيق يكتفي بتجنيد التعاون بين الدول، ولما كانت هذه الدول لا تخضع إلى أي سلطة تعلو عليها، فأن اتصالها فيما بينها يتم وفقا لإرادتها. إلا أن حماية حقوق الإنسان إبان الحرب ظلت عالقة في ثقافات وواقع جميع الشعوب منذ العصور القديمة إلى الآن، فالحرب أصبحت سمة من سمات التاريخ الإنساني ، الذي شهد الخراب والدمار والتي كانت أبشعها الحربين العالميتين الأولى والثانية ..الخ. والسؤال الذي يطرح هنا هل تملك الدول بصفة عامة حقا مطلقا في شن الحرب، وهل هناك قانون دولي ينظم الحروب والتعامل مع الأسرى والجرحى والممتلكات والمدنيين..الخ وماهية آليات تفعيله ؟ إن أهم الجهود التي استهدفت تقنين قواعد وأعراف الحرب والتي انطلقت في 1856 بتوقيع تصريح باريس وحتى دخول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في يوليو 2002 ومازال العمل الدءوب من اجل إيقاف إراقة دماء الإنسان مستمرة وستبقى كذلك وليست وليدة حقبة زمنية معينة بل انه عمل عرفته الإنسانية عبر مختلف الأزمنة وهكذا نجد لمسات هذا القانون لدى السامرين حيث اصدر حمو رابي ملك بابل قانون حمو رابي والذي جاء في ديباجته " إنني أقرر هذه القوانين كما أحول دون ظلم القوي للضعيف ، وفي هذا العهد كان يتم تحرير الرهائن مقابل فدية. وفي الحضارة المصرية ظهرت "الأعمال السبعة للرحمة الحقيقية" والتي كانت تنص علي أنها: 1. إطعام الجياع 2. إرواء العطاشي 3. كساء المرأة 4. إيواء الغرباء 5. تحرير الأسري 6. العناية بالمرضي 7. دفن الموتي ويقول نيكولسون بأن قوانين مانو تشمل مجموعة كاملة لأحكام دبلوماسية نجدها في الحروب تنهى عن قتل الاجئين من غير المحاربين وحتى عندما يكونوا المحاربين على درجة متساوية من التسلح فيجب على المنتصرين اخذ جرحى الأعداء للعناية بهم . أما اليهودية فقد تناولت القانون الدولي الإنساني من خلال ما جاء في الإصحاح العشرين): (إذا خرجت للحرب على عدوك ورأيت خيلاً ومراكب، قوماً أكثر منك، فلا تخف منهم، لأن معك الربّ إلهك الذي أصعدك من أرض مصر. حين تقرب من مدينة لتحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً، فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغتنمها بنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما. بل تحرمها تحريما: الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، كما أمرك الرب إلهك لكي لا يعلموكم أن تعملوا حسب جميع أرجاسهم التي عملوا لألهتهم فتخطئوا إلى الرب إلهكم. وإذا حاصرت مدينة أياماً كثيرة محارباً إياها لتأخذها، فلا تتلف شجرها بوضع فأس عليه. إنك منه تأكل فلا تقطعه. لأنه هل شجرة الحقل إنسان حتى يذهب قدامك في الحصار؟، وأما الشجر الذي تعرف أنه ليست شجراً يؤكل منه، فإياه تتلف وتقطع وتبني حصناً على المدينة التي تعمل معك حرباً حتى تسقط). أما في العصور الوسطي فقد كان للمسيحية أثرها في ترسيخ مبادئ القانون الدولي الإنساني حيث يقول المسيح سمعتم أنه قيل : العين بالعين والسن بالسن. أما أنا فأقول لكم : لا تقاوموا الشرير , بل من لطمك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر , ومن أراد أن يحاكمك ليأخذ قميصك فاترك له رداءك أيضاً , ومن سخرك أن تسير معه ميلاً واحداً فسر معه ميلين . من سألك فأعطه , ومن استقرضك فلا تعرض عنه. المسيحية دين يقوم في الأصل على فكرة السلام، وتدعو إلى عمل الخير والمحبة بين البشرية جمعاء والمساواة بين الجميع بصرف النظر عن العرق والجنس أو لون البشرة أو الانتماء الديني أو القومي. فيرى المسيحيون أنه ليس في دينهم جهاد با لمعنى المفهوم في الشرع الإسلامي للجهاد ونحن نرى معهم أنه ليس هناك تنظيم ديني للجهاد في المسيحية دعوته إلى السلام والمحبة ما جاء في الاصحاح الخامس من أنجيل متي.(طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض، طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون). قد سمعتم أنه قيل للقدماء: (لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم، وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم). وأباح رؤساء الكنيسة أيضاً فكرة الحروب الصليبية من قبل أن يظهر الإسلام بثلاثة قرون. وأخيراً فقد تبلورت فكرة الحرب في المسيحية، وقرر علماء اللاهوت أن الحرب لا تشرع عندهم إلا للدفاع عن الجماعة وهي ما أطلقوا عليها (الحرب العادلة) وهي النظرية التي صاغها القديس توماس الأكويني وغيره من كتاب العصور الوسطى، فأثروا بدورهم نظريات القانون الطبيعي التي ظهرت في القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، وظهرت بالتالي في أوروبا فكرة التفرقة بين الحرب العادلة وهي مباحة، والحرب غير العادلة وهي محرمة. وهكذا فقد اهتدى رؤساء الكنيسة آنذاك إلى مبادئ هي أشبه شيء بالقواعد الإسلامية للحرب المشروعة والحرب العادلة وهي أن تكون للدفاع عن النفس أو لنصرة المظلوم أو لمنع الفتنة في الدين. وقد جاء الإسلام بمجموعة من المبادئ الإنسانية فهذا الرسول (ص) يقول للجيش "إنطلقوا بإسم الله وبالله وعلي بركة رسول الله ، لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا إمرأة ولا تغلو وضعوا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ". وفي نفس السياق أوصي سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان عندما أرسله علي رأس جيش إلي الشام قائلاً له : أوصيك بعشر : - لا تقتلن إمرأة - ولا صبياً - ولا كبيراً هرماً - ولا تقطعن شجراً مثمراً ولا نخلاً - ولا تحرقنها - ولا تخربن عامراً - ولا تعقرن شاه ولا بقرة إلا لمأكله - ولا تجبن - ولا تغلل ومن خلال ما ذكر يتضح أن الإسلام يفرق بين المقاتل وغير المقاتل من المدنيين، كما أن الإسلام نادي بالمحافظة علي الكرامة الإنسانية في الحروب ، حيث أوصي رسول الله صلي الله عليه وسلم بإكرام الأسري والتعامل معهم بالإحسان "إستوصوا بالأسري خيراً". ومع بداية القرن الثامن عشر ظهرت بعض القواعد العرفية والعادات المتعلقة بسير عمليات القتال تتجلي في: 1. حصانة المستشفيات 2. عدم إعتبار المرضي كأسري الحرب 3. إعفاء الأطباء ومساعدوهم والمرشدون الدينيون من الأسر. 4. المحافظة علي حياة الأسري وتبادلهم دون فدية. 5. حماية السكان المدنيين المستسلمين. 6-حماية الصحافيين من خلال هذه القواعد العرفية أستنتج جان جاك روسو عام 1782 قاعدة إجتماعية ذكرها في العقد الإجتماعي مؤداها أن الحرب ليست علاقة بين إنسان وإنسان وإنما هي علاقة دولة بدولة أخري ، والأفراد فيها أعداء بشكل عرفي فقط ، وعداؤهم لا يقوم علي أساس أنهم جنود ، وبإلقائهم أسلحتهم وإستسلامهم فإنهم يعودون من جديد ليصبحوا بشراً لا يحق لأي إنسان الإعتداء علي حياتهم. ان المنتظم الدولي التف حول قواعد القانون الدولي الإنساني التي تهدف إلى حماية الأشخاص المتضررين من الحرب ويتكون هذا القانون من معاهدات لاهاي (1899 و 1907) التي تهدف إلى وضع قيود على سير العمليات العسكرية وسلوك المتحاربين، ومعاهدات جنيف الأربعة لعام 1949 والبرتوكولان الإضافيان لعام 1979، والتي جاءت لحماية ضحايا النزاعات المسلحة من جرحى ومرضى وحماية الممتلكات والأعيان المدنية، حيث شكلت هذه الاتفاقيات منظومة قانونية مترابطة العناصر، غاياتها الحد من آثار الحروب وإقرار شكل من أشكال التوازن بين "الضرورات الحربية " و"الاعتبارات الإنسانية"، بإضافة للأعراف الدولية المتمثلة في السلوك المتكرر للدول أثناء الحرب والاحتلال العسكري، والتي احتوت قواعد لاهاي ومعاهدات جنيف على كثير منها. فالقانون الدولي الإنساني قانون قائم بذاته، من حيث تحصينه بآلية وضمانات تنفيذ متكاملة تشمل الوقائي والزجري على حد السواء، ولو طبقت قواعده بحزم وحسن نية لأغنت عن الكثير من الجدل، ومن الحلول التي حاول البعض استنباطها علها تجدي نفعًا أمام الانتهاكات الصارخة للقواعد الإنسانية في النزاعات المسلحة. فاتساع الهوة بين أحكام هذا القانون وواقع النزاعات المعاصرة وتطبيقه والذي يواجه صعوبات في تنفيذ أحكامه لأسباب عديدة، قد تحكمها مصالح أطراف النزاع أو التقصير دوليًا في متابعة ومعاقبة مرتكبي الجرائم، لذلك فإن تطبيقه يوجب اتخاذ إجراءات وسبل في فترتي السلم والحرب، ولا يتعلق الأمر بالتقيد بأحكامه أثناء الحرب فحسب، بل يجب الاستعداد لذلك زمن السلم. إذن فالإشكالية الرئيسية للقانون الدولي الإنساني لا تكمن في غياب أو ضعف قواعده بقدر ما تكمن في ضعف آليات وضمانات تطبيق هذه القواعد بصورة تفضي إلى تحقيق مراميها الإنسانية السامية المتمثلة في حماية الإنسان وصيانة كرامته. وهذا ما جعل واضعي اتفاقيات جنيف يفكرون باتجاه دعم تنفيذ القواعد الإنسانية، حيث تقع المسؤولية الأولي لتطبيق هذه الاتفاقيات على عاتق الدول الأطراف في مواثيق القانون الدولي الإنساني عمومًا وعلى الأطراف المتنازعة خصوصا واللجنة الدويلة للصليب الأحمر، والآلية الجنائية المعهود بها للمحكمة الجنائية الدولية هذا بالإضافة إلى بعض الآليات الأخرى و المتمثلة في إجراءات التحقيق واللجنة الدولية لتقصي الحقائق والعاملون المؤهلون والمستشارون القانونيون في القوات المسلحة وبالتالي تبقى ضمانات تطبيق هذا القانون تتمثل في القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي الإنساني وكذا المبادئ المقررة لضمان احترام القانون الدولي الإنساني .ولن يتسنى ذلك إلا بوجود آليات للإشراف و الرقابة على عملية التنفيذ بحيث لا يقتصر تطبيق القانون الدولي الإنساني – من حيث الاختصاص الزمني – على فترة النزاع المسلح، وإنما يقتضي العمل به كذلك في زمن السلم وذلك ،فإذا كان القانون الدولي الإنساني" مجموعة القواعد القانونية التي تحدد حقوق وواجبات الدول المتحاربة في حالة نشوب الأعمال العدائية, وتفرض قيوداً على المتحاربين في وسائل استخدام القوة العسكرية وقصرها على المتقاتلين دون غيرهم, وتحمي حقوق ضحايا النزاعات المسلحة وخاصة القتلى والجرحى والمرضى والأسرى في المعارك البرية والبحرية والجوية, فضلاً عن المدنيين المحميين من سكان المناطق المحتلة" فإن زرع ثقافة قواعد القانون الدولي الإنساني لدى الإنسان أثناء السلم تجعله مؤهلا لتنفيذها أثناء الحرب حيث نجد أن بعض المجتمعات أكثر مسالمة من غيرها, وبعضها الآخر أكثر عدوانية بالمقابل, وذلك حسب العقلية الاجتماعية ويمكن في هذا المجال أن نذكر مثلا أن المجتمع الصيني قد اخترع البارود منذ القرن السابع للميلاد لكنه اقتصر في استخدامه على الأسهم والألعاب النارية, ولم يستخدمه كسلاح متفجر أبداً, لأن الثقافة الصينية المتأثرة بمبادئ الكونفوشيوسية كانت تمنع اللجوء إلى القتل, وظل الأمر كذلك إلى أن انتقل سر البارود إلى أوروبا, عن طريق الرحالة الإيطالي المعروف ماركو بول ، وإذا انتقلنا إلى مجال الحضارة والثقافة الإسلامية فإننا نجد منظومات ثقافية رائعة تكرس قواعد القانون الدولي الإنساني قبل أن يكرسها القانون الوضعي بمئات السنين, ومن ذلك احترام إنسانية الإنسان , ومنع الغدر , والوفاء بالعهد والرفق بالأسرى ومن المقولات التي تكرس ذلك : - أغث من استغاث بك (لمحي الدين بن عربي) -لا عذر في عذر (لأبي حيان التوحيدي) - هم أساري مناياهم فما لهم إذا أتاهم أسير لا يفكونه (لأبي العلاء المعري) -الصلح من ذي قدرة أصلح (للشيخ الشبراوي - لا تقتلوا مدبراً ولا تصيبوا معوراً - فهلا تركنا النبت ما كان أخضرا (لحنظلة بن عرادة) - من يكن له كرم تكرم بساحته للأسرى (لأبى العلاء المعري) - عالج عدوك كما تعالج حبيبك ( للطبيب علي بن رضوان) - إني أمنتكم على أنفسكم وأموالكم وكنائسكم وبيعكم وسور مدينتكم (لحبيب بن مسلمة الفهري) - ويمكن أن نضيف إلى ذلك أقوالاً عربية أخرى شهيرة من خارج التقويم المذكور كقول معاوية بن أبي سفيان: " وفاء بغدر خير من غدر بغدر " , وقول الإمام فخر الدين الرازي: " النفس الإنسانية أشرف النفوس في هذا العالم, والبدن الإنساني أشرف الأجسام في هذا العالم" إن الركيزة الأساسية لتطبيق القانون الدولي الإنساني هو تشبع الإنسان بمبادئه وقواعده وذلك عن طريق نشرها على أوسع نطاق و برمجة دراستها في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي وأساسا العسكري و يعد دور الهيئات الإنسانية، مثل الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر و الهلال الأحمر، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، دورا بالغ الأهمية، إلا أن المسئولية الأولى تقع على عاتق الدول . فنصوص اتفاقيات جنيف و البروتوكول الإضافي الأول لا تكتفي في موادها الأولى بإلزام الدول الموقعة عليها باحترام مقتضياتها باتخاذ تدابير محلية تضمن ذلك، وإنما ألزمت الدول أيضا بالعمل على أن "تكفل احترام الاتفاقيات في جميع الأحوال" و "فرض احترام البروتوكول في جميع الأحوال. فقد جاء في ديباجة بروتوكول 1977 :ا ن الأطراف السامية المتعاقدة إذ تعلن عن رغبتها الحارة في أن ترى السلام سائداً بين الشعوب. وإذ تذكر بأنه من واجب كل دولة وفقاً لميثاق الأممالمتحدة أن تمتنع في علاقاتها الدولية عن اللجوء إلى التهديد بالقوة أو إلى استخدامها ضد سيادة أي دولة أو سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي, أو أن تتصرف على أي نحو مناف لأهداف الأممالمتحدة. وإذ تؤمن بأنه من الضروري مع ذلك أن تؤكد من جديد وأن تعمل على تطوير الأحكام التي تحمي ضحايا المنازعات المسلحة واستكمال الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز تطبيق هذه الأحكام. وإذ تعرب عن اقتناعها بأنه لا يجوز أن يفسر أي نص ورد في هذا الملحق " البروتوكول " أو في اتفاقيات جنيف لعام 1949 على أنه يجيز أو يضفي الشرعية على أي عمل من أعمال العدوان أو أي استخدام آخر للقوة يتعارض مع ميثاق الأممالمتحدة. وإذ تؤكد من جديد, فضلاً عن ذلك, أنه يجب تطبيق أحكام اتفاقيات جنيف لعام وأحكام هذا الملحق البروتوكول " بحذافيرها في جميع الظروف, وعلى الأشخاص كافة الذين يتمتعون بحماية هذه المواثيق دون أي تمييز مجحف يقوم على طبيعة النزاع المسلح أو على منشأه أو يستند إلى القضايا التي تناصرها أطراف النزاع أو التي تعزى إليها قد اتفقت على ما يلي : تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم وأن تفرض احترام هذا الملحق " البروتوكول " في جميع الأحوال. " ولعل عبارة "كفالة احترام" أو "فرض احترام"، يفهم منها أن الدول ينبغي أن تتحرك إزاء أحد الأطراف المتعاقدة التي تخل باحترام و تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني، ولا شك أن هذا التحرك يندرج ضمن الالتزامات الدولية للدول التي ينبغي أن تقوم بها كلما ظهر هناك انتهاك جسيم للاتفاقيات و البروتوكولات بمعنى أخر أن الدول يتوجب عليها أن تتحرك بكل الوسائل الممكنة و المتاحة، سواء بصورة فردية أو جماعية، من أجل ضمان احترام قواعد القانون الدولي الإنساني من قبل جميع الدول الموقعة على الاتفاقيات، ويؤكد هذا الالتزام الطابع العالمي و الإنساني الشمولي الذي تتميز به قواعد هذا القانون من آليات مراقبة و تنفيذ لهذه القواعد . ان الترسانة القانونية للقانون الدولي الإنساني تصب كلها في تحريم الحرب وتجريم مجرد اللجوء إليه حيث جاء في ديباجة ميثاق الأممالمتحدة "نحن شعوب الأممالمتحدة قد آلينا على أنفسنا آن ننقد الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي من خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف " ولم يكتف الميثاق بتحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية وإلغاء حق الدول في شن الحرب كوسيلة لفض النزاعات بل حرم مجرد التهديد باستعمال القوة في وثيقة الأممالمتحدة لسنة 1946 إلا أن إلزامية تفعيل القانون الدولي الإنساني بقيت حبرا على ورق . وختاما إذا كان عالم اليوم لم تعد له علاقة بحقوق الإنسان والمدنيين أثناء الحرب الذين يقتلون كل يوم في كل بقاع العالم دون احترام الإنسان لأخيه الإنسان واحترام القانون الدولي الإنساني،إنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية جعلت الجميع واع بانتمائه إلى أنواع الكائنات الحية التي هي بحاجة إلى الحماية ولن يتسنى ذلك إلا بتفعيل القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان للبقاء على قيد الحياة، يجب على الإنسانية نفسها أن تستوعب الضمير الجمعي للمجتمع الدولي إن الوعي المتشائم لمستقبل العالم بدا يفرض بشكل ملح على نشطاء المجتمع المدني ، الصحفيين، الفلاسفة، والمؤرخين، الدبلوماسيين، الموظفين الدوليين بالمنظمات الدولية التي تعمل من اجل السلام رجالات القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والسلام الدولي والجهات الفاعلة في الاقتصاد الدولي ، والجمعيات والمؤسسات الاجتماعية، والإبداعية وكل من يريد لهذا العالم أن يعيش في جو من الأخوة والسلم لكي لا يكون عالم الغد " مستقبلاً دموياً" كما تنبأ به هنري دونان بل ليكون عصراً ذهبياً؟... لا شك أنه لن يكون لا هذا ولا ذاك, ولكنني مقتنع تمام الاقتناع بأن انتصار السلام على الحرب يمثل الأمل الراسخ في بقاء البشرية على قيد الحياة، إن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وديعة بين أيدي البشرية، وعليها أن تعمل جاهدة لكي يحمى و يفعل وينفذ لأنه الآلية الأساسية للوصول إلى السلام الدولي. بقلم ذ/فؤاد الخمار فاكية باحث في القانون الدولي الإنساني