استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي، النأي بنفسها عن التأثر بشكل مباشر بتبعات الانتفاضات العربية باستثناء البحرين. ما يعزوه ملاحظون لأسباب سياسية، وأمنية، واقتصادية وجيوستراتيجية، وكذا، لحرص الولاياتالمتحدةالأمريكية الشديد على بقاء هذه الدول بعيدة عن أي تصدعات محتملة. لكن، وغداة ثلاثة أعوام أعقبت اندلاع الشرارة الأولى لما سُمّي الربيع العربي، يشهد هذا التكتل الذي رأى النور سنة واحد وثمانين وتسعمائة وألف باقتراح من السعودية وضغط من الولاياتالمتحدةالأمريكية، رجات قوية لبواعث سياسية، وإيديولوجية، وعَقَدية. أملاها بشدة الوضع المتفاقم في كل من مصر وسوريا. فقبل أيام فقط، أقدمت كل من السعودية والإماراتوالبحرين على سحب سفرائها من الدوحة، لما اعتبرته الدول الثلاث اخلالا من قطر، بالتزام مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم دعم من يهدد أمن واستقرار دول المجلس، سواء كانت منظمات أو أفراد بالعمل الأمني المباشر أو محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي. وقد اشتدت الخلافات بين قطر وشقيقاتها الثلاث، منذ الإطاحة في مصر، بالرئيس الإخواني محمد مرسي، المدعوم من الدوحة مُقابلَ دعم سعودي، وإماراتي وكويتي لنظام المشير عبد الفتاح السيسي. بذلك، بلغ الاحتقان مستوى غير مسبوق من التصعيد، بأن أقدمت السعودية وقبلها الإمارات، على حظر جماعة الإخوان المسلمين والحوثيين وحزب الله، بوصفها منظمات إرهابية. وأصدرت الداخلية السعودية، لائحةَ منعٍ تشمل تنظيم القاعدة وفروعه في اليمن والعراق وسوريا، علاوة على داعش وجبهة النصرة والجماعات والهيئات الدولية المعروفة بالإرهاب والعنف. وفي هذا الصدد، يشير مراقبون إلى كون النسبة الكبرى من القتلى في صفوف الجهاديين الأجانب، هي ذات جنسية سعودية. ما جعل سلطات الرياض تعطي رعاياها الذين التحقوا بتنظيمات جهادية، مهلةَ 15 يوما لمراجعة أنفسهم والعودة على وجه السرعة إلى وطنهم. كما يرى محللون، في الخطوة التي أقدمت عليها الدول الخليجية الثلاث، أبعاد جيوستراتيجية أوّلهَا، تطويق نفوذ قطر في الخليج، سيما بعد فتح أمريكا قنوات للحوار مع نظام طهران الجديد، ثَانِيهَا، إخراس قناة الجزيرة التي توظفها الدوحة كأداة دعائية وسياسية، ثالثها، إسكات الداعية يوسف القرضاوي، الذي يتخذ من الجزيرة منبرا لإطلاق فتاواه ضد الأنظمة التي تلاحق الإخوان المسلمين. إلا أن قطر لا تخفي في مواجهة موقف شقيقاتها، تمسكها بمواقفها الداعمة للإخوان، والرافضة لمراجعة سياستها الإعلامية، ما يفسره مراقبون بمسألة مبادئ وسيادة، كما أن الإجراء الذي اتخذته السعودية والإمارات أخيرا بحظرهما للجماعات المذكورة، يحتمل أن ينجم عنه تهديدُهما باستهداف متطرفين خلال مناسبات كبرى مثل الحج. ومن المرجح، أنه إذا أصر كل طرف من الدول الخليجية على موقفه، فإن القمة العربية المنتظرة تنظيمها متمَّ جاري الشهور في الكويت، قد توأد في المهد خاصة في ظل إلحاح الرياض وأبوظبي والمنامة وتعنت الدوحة عن تغيير سياستها الخارجية، التي تعتبرها مسألة غير قابلة للتفاوض.