سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تونس: عائلة "بلعيد" تطالب بكشف حقيقة اغتياله السياسي في ذكراها الأولى الدعوة لتحديد الأطراف السياسية التي خططت ومولت وأعطت الإذن بالتنفيذ وبرمجت لطمس معالم الجريمة
أحيت تونس التي تخرج ببطء من سنة من الاضطرابات، أمس الخميس، ذكرى اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد قبل عام، وذلك بعد يومين على إعلان مقتل المتهم بارتكاب هذه الجريمة. ففي السادس من فبراير 2013 صدمت تونس بنبأ اغتيال المحامي والناشط البالغ من العمر 48 عاما، الذي كان ينتقد بشدة إسلاميي النهضة الحاكمين، وقتل المعارض أمام منزله بثلاث رصاصات أطلقت من مسافة قريبة. وحملت السلطات التونسية آنذاك، جهاديي أنصار الشريعة التي أعلنتها في غشت 2013 منظمة "إرهابية"، مسؤولية الاغتيال، لكن الحركة من جهتها لم تتبن العملية ولا هي ولا أي هجوم مسلح آخر. وأعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء المنصرم، أن وحدات خاصة في الحرس الوطني (الدرك) تمكنت من قتل مرتكب هذه العملية بعد هجوم استمر عشرين ساعة على منزل في ضاحية رواد، معتبراً "أنها أفضل هدية يمكن أن نقدمها إلى التونسيين" بعد عام من اغتيال المعارض. وقال إن هذه الوحدات تمكنت "من قتل سبعة إرهابيين مدججين بالسلاح. كشفت التحاليل هوية بعضهم وبينهم كامل القضقاضي"، الذي اتهمته السلطات التونسية باغتيال بلعيد. وأكد بن جدو أن "القضقاضي هو من اغتال الشهيد شكري بلعيد"، موضحاً أنه تم التأكد من هويته "في شكل علمي"، موضحا أنه تم التعرف على هوية خمسة من القتلى السبعة. لكن عبدالمجيد بلعيد، شقيق المعارض اليساري، رفض هذه التصريحات مطالبا بالحقيقة حول مقتل شقيقه. وقال لوكالة "فرانس برس" يوم الأربعاء الماضي، إن "مقتل القضقاضي لم يفرحنا إطلاقا وهو لا يخدم إلاّ مصلحة لطفي بن جدو وحكومته". وأضاف عبد المجيد بلعيد، أن "عائلة الشهيد شكري بلعيد تقول لوزير الداخلية: نحن نرد إليك هديتك"، معتبرا أن "قتل إنسان ليس هدية وجثة إنسان ليست هدية"، مشيرا إلى أن عائلة بلعيد كانت تتمنى لو تم توقيف كمال القضقاضي حيا حتى يعترف بالجهة التي كلفته بتنفيذ عملية الاغتيال. كما رأى حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" اليساري الذي كان بلعيد يتولى أمانته العامة، في بيان يوم الأربعاء الماضي، أن اغتيال شكري بلعيد "جريمة سياسية والقضقاضي ومن معه هم مجرد أدوات تنفيذ". وأضاف "لذلك، كشف الحقيقة كاملة يستوجب الوصول إلى الأطراف السياسية التي خططت وموّلت وأعطت الإذن بالتنفيذ، وتسترت وبرمجت طمس معالم الجريمة". من جهتها، رأت وسائل إعلام تونسية أن مقتل القضقاضي يشكل "بداية النجاح في مكافحة الإرهاب". لكن صحفا أخرى تحدثت عن "النصف الفارغ من الكأس (...) وعن شيء لم يكتمل". وشكل اغتيال بلعيد منعطفا في تونس، التي شهدت مقتل حوالى عشرين عسكريا ودركيا في صدامات مع مجموعات جهادية في 2013 خصوصا على الحدود الجزائرية. ورأت المعارضة في اغتيال بلعيد أيضا، دليلا على تساهل النهضة حيال التيار الجهادي الذي يصعد تحركاته منذ ثورة 2011. وشُلت الحياة السياسية والدستورية في تونس يوليوز بين ودجنبر الماضيين، جراء اختبار القوة بين النهضة ومعارضيها ما دفع الجهات المانحة الدولية التجميد منح قروض لتونس، وأثار استياء اجتماعيا متناميا في حين تواصلت أعمال عنف الجهاديين. وبعد أشهر من المفاوضات الصعبة التي تخللتها تظاهرات من المعارضة وتعليق أعمال الجمعية التأسيسية، استقالت الحكومة مع تبني الدستور الجديد في 26 يناير، أي بعد أكثر من ثلاث سنوات على الثورة. في هذا الصدد، يعتبر محمود حسن المحلل السياسي وأستاذ القانون بجامعة تونس العاصمة، منذ سنة كان كل المجتمع السياسي والمدني في تونس ينشد مسألتين أساسيتين هما الإسراع في التأسيس والانتهاء من المرحلة الانتقالية من دستور وتنظيم انتخابات ثم التصدي للإرهاب بسياسة واضحة تعالج هذه الظاهرة. الآن مرحلة التأسيس تم قطع شوط مهم منها بالمصادقة على الدستور. لكن في المقابل، لا يزال المجتمع السياسي والمدني يطالب بالحقيقة كاملة في الكشف عن الاغتيالات السياسية التي تعني اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي. وبالفعل هناك تساؤل جدي يطرحه كل الفاعلين، هل هي مجرد صدفة أن يتم مقتل مرتكب جريمة اغتيال بلعيد عشية ذكرى اغتياله، ولعل هذا ناتج عن تكثيف الأجهزة الأمنية لعملها. أعتقد أن قتل هؤلاء الإرهابيين هي مرحلة هامة، لكن الحقيقة السياسية مازالت لم تكشف بعد من وراء عملية الاغتيال السياسي، ما يوجب استمرار القضاء في أداء مهمته بالكشف عن الحقيقة التي ما يزال ملفها مطروحا.