للأسف الشديد، نلاحظ أن العربية أصبحت مهجورة ببلادنا، وخصوصا لدى من يدعون أنهم مثقفون، فأي ثقافة هذه التي أبعدت لغة البلاد وشجعت لغة المستعمر الذي ذهب لغير رجعة بعد نضال طويل من لدن الشعب المغربي سواء من ذوي الصناعة التقليدية أو التجار أو المثقفين حيث كانت كل هذه الفئات متشبعة الروح الوطنية ولاتهاب السجون والمنافي أو القمع الذي كان المستعمر بسلطه على كل فئات سكان المغرب كبيره وصغيره، غنيه وفقيره، وحتى لا يحرم الصناع وجلهم أميون كانوا يحضرون الدروس التي كان العلماء يلقونها بالمساجد أو يحضرون دروسا ليلية كان الوطنيون يخصصونها للأميين وذوي الصناعة التقليدية ليتعلمون فيها القراًءة والكتابة. ورغم أن المدارس التي كان المستعمر يفتحها بالأحياء لتعليم لغته للجيل الصاعد ليبتعد شيئا فشيئا عن لغة أجدادهم، لكن رغم ذلك كانت المدارس الحرة تقوم برامجها وتفتح أبوابها في وجه أبناء الشعب مقابل أجر رمزي، علما بأن المدارس الحكومية كانت تعطي دروسا بالعربية وتوظف فقيها من أجل حفظ القرآن الكريم للتلاميذ. أما اليوم وقد مر على استقلال بلادنا أكثر من نصف قرن نجد أنفسنا أن التعليم ببلادنا أصبح مفرنسا أكثر من ما كان عليه الحال إبان الاستعمار، الشيء الذي اضطر الآباء لتوجيه أبنائهم إلى المدارس الحرة التي تدعي أنها ستقاوم البرامج الحكومية. لكن للأسف الشديد، فلا المدارس الحكومية أو الحرة استطاعت أن تنشيء جيلا يحافظ على لغة البلاد الرسمية . ورغم التعريب الذي أتشيء لهذه الغاية، فإنك تجد الطالب عند حصوله على شهادة الباكلوريا يجد أمامه سد يمنعه من تتبع تعليمه العالي نظرا لأن ما تعلمه في دراسته الابتدائية والثانوية كان معربا. وأنه أصبح الآن أمياء ويتعين عليه أن يتلقى دراسته العليا باللغة الفرنسية. وهنا يتبين أننا أصبحنا مستعمرين لغويا وفكريا أكثر من ذي قبل. وهذا ما نراه حاليا في جميع برامجها التلفزية. وكمثل على ذلك، فقد بثت قناتنا الأولى وهي القنات الرسمية بالنسبة لباقي القنوات التي يتبعها ويشاهدها معظم أفراد الشعب، وفي مقدمتهم الغير المثقفين والأميين، ذلك أن مقدمة البرنامج استدعت عددا من المقاولين في ميدان العمران لدراسة موضوع الغلاء الذي أصبحت عليه بلادنا في أسعار السكن. فمثلا الشقة التي تحتوي على صالون وغرفتين وباقي المتطلبات والتي قد لا تصل مساحتها إلى مائة متر مربع تساوي إلى مائة مليون سنتيم. وعندما يتوجه الموظف البئيس إلى أحد البنوك لطلب سلف عله يجد مساعدة للحصول على شقة يفاجأ بأن هذا الأخير لا يمكنه مساعدته أكثر من تلث راتبه لكي يجابه بالتلثين الباقيين بالإضافة إلى مصاريف الطبيب وتمدرس الأبناء ومصاريف البيت الضرورية. وهكذا يجد نفسه مضطرا للتخلي عن مشروع الشراء والتمادي في أداد واجب الكراء الذي قد يكون نصف راتبه ان لم يكن أكثر. والترجع إلى موضوعنا «الملف» وهو المقصود هنا ذلك أن مقدمة البرنامج تطرح الأسئلة بالعربية، لكن المتدخلين تكون أجوبتهم كلها بالفرنسية. وهنا يتبين للمشاهد المتتبع أن كل متقفينا وللأسف لا يستطيعون أن يجيبوا بلغة آبائهم وأجدادهم، ذلك لأن تعليمهم بالسلك الثانوي والجامعي حاليا عن هذه اللغة التي هي البند الثاني الذي جاء بالدستور المغربي.. والنب كل الدنب يرجع أولا وقبل كل شيء على الوزارة التي يهمها الأمر والتي تعد البرامج، ناسية لغة البلاد سامحها الله، وكل ما نطلبه منها أن تخصص ولو حقة واحدة في اليوم بالعربية مثلما تخصصه لباقي اللغات الأجنبية ولا نطالبها بأن تدرس العلوم التقنية كالطب ومصطلحاته أو غيره التي تحتاج إلى مفردات تقنية، ولكن إنما لتخصص حصة للعربية ليكون الطالب المغربي علي بينة من العلوم الدينية واللغوية في أن واحد... وحتى يستطيع أن يواجه مثل هذه المواقف بكل شجاعة وثقة في النفس، ويمكن له أن يشارك في المؤتمرات العربية ويبدى أفكاره لباقي المؤتمرين حتى لا نعطيهم الفرصة لينعتونا بالشعب الذي ترك لغته واحتفض بلغة المستعمر الذي قضى عليه وعلى لغته في ظرف قصير من استعماره لبلاده. وهنا أقترح بأن تخصص القنات الأولى على البرامج العربية، وتوزع البرامج الأخرى على باقي القتالات مثل ماهو الحال بالنسبة لسائر الدول.. وبهذه المناسبة، أذكر من كانوا ينادون ويعملون كل الجهود لانتشار العربية قصد محاربة اللغة الأجنبيية قبل الاستقلال وبعده. لكنا نجدهم الآن وبيدهم السلطة الكاملة يرون ما يجري في البلاد من اهمال لهذه اللغة سواء في المدارس الحكومية أو الحرة ولا يستطيعون أن يفرضوا عليها أو حتى على الادارات والمؤسسات الحكومية التعامل بها، اللهم إلا بعض الدوريات التي توزعها على المصالح الادارية التي تمر مر الكرام فتحتفض ببعضها في الرفوف أو يرمونها في سلة المهملات.