وقفت لجنة المالية بمجلس النواب خلال مناقشة مشروع القانون المالي في السنة الفارطة طويلا عند إشكالية الصناديق الخصوصية، وتتذكر الحكومة في شخص وزيرها المنتدب في المالية ويتذكر السادة النواب أعضاء اللجنة أن مقترحا كان قد تقدم به فريقا حزب الاستقلال والعدالة والتنمية يقضي بإلغاء هذه الصناديق تماما، مما أثار نقاشا مستفيضا استغرق ساعات طويلة امتدت إلى الساعات الأولى من يوم الصباح الموالي، إذ أصر فريقا الاستقلال والعدالة والتنمية على التشبث بموقفهما واقتراحهما الذي يدخل في صلب الدستور، بيد أن الحكومة كانت في وضعية جد حرجة، فلا هي قادرة على التجاوب مع مقترح التعديل لما سيكون لذلك من آثار ستتسبب في اختلالات عميقة، فتعديل من هذا الحجم وبكل هذه القوة كان يتطلب تحضيرا يسبق بدراسة عميقة، ولا كانت الحكومة قادرة على إعلان رفضها لهذا المقترح لأنه ببساطة كان إلغاء هذه الصناديق السوداء في مقدمة مطالب حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية وأحزاب أخرى؛ كما أنه لم يكن بمقدور أصحاب اقتراح التعديل المجازفة بالإعلان عن سحبه ، لذلك كان لابد من مخرج للأزمة التي جعلت الحكومة في مواجهة الأغلبية التي تسندها، وهذا ما حصل بالضبط حينما تم التوصل إلى صيغة اتفاق تقضي بالتزام الحكومة بإلغاء جميع هذه الصناديق في القانون المالي لسنة 2014. الآن حينما نعود إلى مشروع القانون المالي لسنة 2014 الذي أتحفنا به وزير الاقتصاد والمالية نصطدم بحقيقة خطيرة، تفيد أن الحكومة نكصت التزامها وأن هذه الصناديق السوداء لا تزال حاضرة، صامدة، متحدية للبرلمان، بل الأخطر من كل ذلك أن الحكومة لم تقتصر على الإبقاء عليها، بل تعدت ذلك بأن رفعت من قيمة مواردها من 59 مليار درهم إلى 67 مليار درهم. طبعا، ستعرض الحكومة رزمة كبيرة من التبريرات والتفسيرات لهذا النكوص الخطير الذي سيضع حزب العدالة والتنمية على محك صعب وخطير، وسيتأتى الحكومة لتلتزم بإلغاء هذه الحسابات في السنة المقبلة وستقول بأن هناك برامج ومشاريع اجتماعية تمول من هذه الحسابات. إلا أن الحكومة تدرك جيدا أن وجود هذه الحسابات المنفلتة تماما من أية مراقبة يعني استمرار الانفلات من المراقبة ومن المحاسبة، واستمرار الفساد المؤسساتي.