في الفترة الأخيرة بعد ثورة "30 يونيو" التي قام بها الشعب المصري من أجل رحيل رئيسهم "محمد مرسي" وجماعته التي خانت أهداف ثورة "25 يونيو" وابتعدت ب"مصر" وشعبها عن الديمقراطية بعد أن اعتدى رئيسهم على القانون والدستور ونصب نفسه فرعونا جديدا لا يستمع للمعارضة ولا يستجيب لمطالب شعبه وإنما ينفذ ما هو لمصلحة "جماعة الإخوان المسلمين" وأهله وعشيرته، بهذا دخل بشعبه إلى نفق مظلم، وتحرك الشعب ضدهم واستجاب جيشه لإعادة الثورة إلى مسارها الصحيح، فلاحظنا موقف "تركيا" المتشدد من الحكومة المصرية من أجل "الإخوان"، وقد عمل رئيس حكومتها "رجب طيب أردوغان" على التحرك دوليا بزعم ارتكاب جرائم بحق "الإخوان"، في الوقت ذاته وافقت "بلجيكا" التي يقع بها مقر "الإتحاد الأوروبي" على إقامة نصب تذكاري لإحياء ذكرى ضحايا العثمانيين من "الآشوريين" و"السريان"، والتي تعرف عالميا ب"مذابح الأرمن"، تلك القضية تعد أكبر فضائح تاريخ الأتراك في القرن الماضي،. بعد أقل من سنتين سيكون قد مر قرن كامل على "مذابح الأرمن" التي ارتكبتها القوات التركية أثناء الحرب العالمية الأولى، ورغم تأكيدات المصادر التاريخية القتل المتعمد والمنهجي للسكان "الأرمن" من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، من خلال المجازر وعمليات الترحيل والترحيل ألقسري، وهي عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين من قراهم ومساكنهم، إلا أن "تركيا" من جانبها ترفض الإعتراف بهذه الجريمة وتتهم آخرين من المشاركين في تلك الحرب، بارتكاب المجزرة، التي يحييها "الأرمن" في شهر أبريل من كل عام. وتعود المجزرة إلى سنة 1915 حين قام أجداد "أردوغان" في ظل تخاذل دولي بتنفيذ أكبر مذابح في التاريخ البشري ل"الأرمن" المعروفة بإسم "المذبحة الأرمينية" أو "الجريمة الكبرى". ويبدو أن "مذابح الأرمن" في "تركيا" على يد أجداد "أردوغان" تلوح في الأفق مع تطلعات "أردوغان" في إعادة العهد الدموي للعثمانيين في بعض دول الجوار ل"تركيا" ومحاولاته قيادة أو دعم مليشيات إرهابية في "سوريا" و"مصر" للقضاء على كل ما هو مخالف أو مقاوم لأحلامهم أو سياساتهم. تاريخ العلاقة بين الأرمن والدولة العثمانية بدأت عام 1514 م عندما استولى العثمانيون بقيادة السلطان "سليم الأول" على "أرمينيا" بعد إلحاق الهزيمة ب"الفرس الصفويين" في معركة "سهل جالديران"، ويعتبر هذا التاريخ "تاريخا أسود" بالنسبة للأرمن" فقد استغلهم الأتراك لكونهم متعلمين وحرفيين كما أرهقوهم بكثر الضرائب، فالعلاقات بين الأتراك والأرمن بدأت تزداد سوءا شيئا فشيئا فاضطر كثير من الأرمن إلى الهرب من بطش الأتراك إلى البلاد المجاورة، واستوطن عدد كبير منهم في "سوريا"، حيث وجدوا الأمان وعملوا في المهن الحرفية الدقيقة والصناعات، كما انتقلت أعداد منهم إلى "مصر" و"لبنان" و"فلسطين" و"الأردن". خلال القرن التاسع عشر، تحسنت أوضاع الأرمن لتصبح أكثر طوائف الدولة العثمانية تنظيما وثراءً وتعليمًا، وعاشت النخبة من الأرمن في عاصمة الإمبراطورية العثمانية مدينة "إسطنبول"، حيث تميزوا بالغناء الفاحش وكان لهم نفوذ اقتصادي كبير في الدولة. لقد تعرض الأرمن في عهد الدولة العثمانية إلى عدة اعتداءات كان أبرزها "مذابح الأرمن" خلال الحرب العالمية الأولى، ففي عام 1915 تم اعتقال أكثر من 250 من أعيان الأرمن في "إسطنبول"، وبعد ذلك طرد الجيش العثماني الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على المسير لمئات الأميال إلى الصحراء وتم حرمانهم من الغذاء والماء، المجازر كانت عشوائية. وقامت الدولة العثمانية بعمليات قتل متعمد ومنهجي للسكان الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل ألقسري وهي عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين، ويقدر الباحثون أعداد الضحايا الأرمن ما بين 1 مليون و1.5 مليون نسمة. عاش الأرمن سنوات الشتات إلا أنهم استطاعوا تكوين جاليات كبيرة، حافظت على علاقاتهم الإجتماعية وطقوسهم وتاريخهم الأرميني حتى استطاعوا تكوين دولتهم فيما بعد، ونالت أرمينيا استقلالها عن "الإتحاد السوفييتي" السابق عام 1991. ولا تزال "أرمينيا" تتمتع بجالية كبيرة في مختلف دول العالم، ولا تزال الجالية الأرمينية ب"مصر"، وهي من الجاليات الأكثر ارتباطا بتاريخ "مصر"، فتاريخهم يعود إلى عصر الدولة "الفاطمية"، كما زاد أعداد الوافدين من الأرمن إلى "مصر" عقب "المذابح الأرمينية" خلال القرن العشرين وحصلوا على الجنسية المصرية، ورغم تأسيس دولتهم عام 1991 إلا أن أرمن "مصر" تعلقوا بمصريتهم ولا زالوا يعيشون بها ويشاركون أهلها أحزانهم وأفراحهم وثوراتهم. الحديث عن القضية الأرمينية في الوقت الحالي أصبح أمرا في غاية الأهمية، فالمشاركة في المصلحة الواحدة والتاريخ الواحد تدفع المصريين للحديث عن ضرورة انضمام "مصر" والدول العربية التي أضرتها "تركيا"، في الماضي والحاضر، إلى ضرورة دعم القضية الأرمينية والتوقيع على وثيقة الإعتراف ب"مذابح الأتراك" التاريخية بحق "الأرمن". هذه القضية اعترفت بها 24 دولة، واعتراف الحكومة المصرية ب"مذابح الأرمن" سيكون بمثابة ضربة ل"تركيا"، خاصة أن الشعب المصري قد طالب حكومته بطرد السفير التركي لتمادي بلاده في تشويه "مصر" خارجيا، وسعي "أردوغان" لتمويل منظمات إرهابية داخل "مصر" تدعم "جماعة الإخوان المسلمين" التي رفضها الشعب في ثورة "30 يونيو"، والظروف حاليا تتطلب أن يكون القرار المصري على قدر طموحات الشعب للرد على "تركيا" بضربة قوية. دعم القضية الأرمينية ليس من باب المصلحة الظرفية، وليست مجرد خطوة يمكن التراجع بعدها بعد تحسن الأوضاع والسياسات مع "تركيا"، بل هي قضية لا بد من دعمها والإستمرار في تقديم هذا الدعم مستقبلا، فالمذابح التركية ضد "الأرمن" نموذج لانتهاك آدمية وحقوق الإنسان، وبغض النظر عن الجنس والعرق واللون لا بد أن تنظر الحكومات والشعوب إلى تلك القضية بعين الإعتبار، فهي قضية محورية تدور حول حقوق الإنسان. ولا شك أن المناخ السياسي في "مصر" مهيأ الآن للتواصل مع الجالية الأرمينية واللجنة الدولية لدعم الإعتراف بمذابح الأتراك ضد الأرمن، فالشعب المصري بلغ حدا كبيرا من الغضب والثورة تجاه سياسات "تركيا" لن يقبل معه انتهاكات سيادة وإرادة الشعب، كما أنه حان الوقت الآن أن تعترف "مصر" بجرائم الإبادة المنظمة تجاه "الأرمن" سنة 1915 مع تبني الدول العربية قرار إنشاء نصب تذكاري لضحايا "مذبحة الأرمن" في كل عاصمة عربية، بما فيها بلدنا "المغرب" كما فعلت "بلجيكا" عاصمة "الإتحاد الأوروبي".