تخوض إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما جهود إقناع مكثفة على كافة الواجهات قُبيل المواعيد المفصلية خلال جاري الأسابيع، فعشية انطلاق المناقشات الرسمية بالكونغرس حول الضربة العسكرية المنظورة ضد سوريا، يواصل رئيس الدبلوماسية الأمريكية جون كيري مساعيه الحثيثة لاستمالة المترددين إزاء الضربة، فقبل وصوله إلى العاصمة البريطانية لندن مساء أول أمس (الأحد) لمتابعة ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، كان كيري قد خاض مباحثات مكثفة في العاصمة الفرنسية باريس جمعته بعدد مهم من وزراء خارجية الدول العربية وتوجت بإعلان المسؤول الأمريكي عن انبثاق "إجماع عربي" على كون نظام الأسد تجاوز كل الخطوط الحمراء باستخدامه للسلاح الكيماوي ضد مواطنيه. في هذا السياق، تحدث وسائل إعلام عن انقسام واضح في مواقف الدول العربية إزاء ضربة الولاياتالمتحدة العسكرية المتوقعة ضد سوريا إلى ثلاث مجموعات، الأولى تدعم الضربة ولو في غياب غطاء أممي، وتضم 7 دول وهي العربية السعودية، قطر، الإمارات، البحرين، ليبيا والكويت. وتمثل المجموعة الثانية الدول العربية "المحايدة" حيال الموضوع، وهي المغرب، اليمن، السودان، وسلطنة عمان، بينما تتكون المجوعة الثالثة من الدول المعارضة لتوجيه الضربة العسكرية الغربية، وتضم كلاالعراق، تونس، الجزائر، لبنان ومصر. وهو الانقسام في المواقف الذي انعكس بدوره على جامعة الدول العربية التي لم تستطع إلى الآن الخروج بموقف موحد حيال الأزمة السورية. وأكد وزير الخارجية الأمريكي على أن "الحل في سوريا لن يكون عسكريا بل سياسيا"، في محاولة منه لإزالة كل لبس حول نوايا نوايا واشنطن خلال اللقاء الذي جمعه في باريس بعدد من نظرائه العرب، غير أنه عقب بكون المشكلة الحقيقية تكمن في استعمال نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد السوريين، فالأسد بحسب كيري انتهك معايير دولية قائمة منذ قرن من الزمن وهي خطوة تستوجب محاسبته عليها باعتباره ثالث قائد دولة يستخدم هذا النوع من الأسلحة ضد شعبه بعد كل من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والزعيم النازي أدولف هتلر، وأكد كيري في هذا الصدد على أن عدم اتخاذ أي إجراء ضده سيبعث رسائل مهمة إلى إيران وحزب الله اللبناني مفادها أن لا أحد في المجتمع الدولي يأبه لخرق هذه القاعدة الدولية. ولم يخرج وزير الخارجية الأمريكي من اجتماعه في باريس بنظرائه العرب سوى بدعم محدود من بضع دول مشاركة في الاجتماع، عكس ما حصل في اجتماعه مع نظرائه الأوربيين. إذ أكدت كل من قطر والبحرين على دعمهما للضربة العقابية في تأكيد للانقسام القائم بين الدول العربية حول هذا الموضوع. ذلك، في الوقت الذي تتطلع فيه المعارضة السورية للضربة الغربية ضد النظام السوري لتحديد حجمها ومدى قدرتها على زعزعته أو إسقاطه، في هذا السياق، نشرت جريدة (اللوس أنجلس تايم) الأحد معطيات تفيد بتحضير وزارة الدفاع الأمريكية البانتاغون لضربات أقوى ولفترات زمنية أطول مما كان مقررا أساسا ضد سوريا، وتحدثت عن تدخل يستغرق ثلاثة أيام يبدأ حسب التسريبات بضربات صاروخية مكثفة، تعقبها هجمات إضافية على أهداف تكون أخطأتها أو ماتزال قائمة قد تتجاوز الخمسين هدفا. في تعليقه على هذه التطورات يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن نبيل ميخائيل، "من الواضح أن أوباما سيقوم بتوجيه ضربة لسوريا ضمن عملية موسعة، لكنها لن تقترب من حرب أمريكية ضد نظام الأسد حيث ستحاول الولاياتالمتحدة زيادة حجم أهدافها لخلق نوع من الشلل الكامل لقدرات النظام السوري الدفاعية، والسؤال متعلق بزمن توقف القتال، أي عند أي خطوة سيتم إعلان إنهاء العملية العسكرية بنجاح، ما يمكن أن يكون موضوع خلاف بين أوباما ووزارة دفاعه من جهة، أو بينه وبين بعض أعضاء الكونغرس مثل ماكين من ناحية أخرى، والذي يطالب بتوسيع نطاق العمليات العسكرية، والعنصر المهم الذي سيؤخذ بعين الاعتبار عند قصف سوريا هو مدى مقاومة قوات الدفاع الجوي السوري لهجمات أمريكا بالصواريخ أو الطائرات ومتى تعلن موسكو مثلا عن تأييدها أو تحذيرها لأمريكا بعد توسيع نطاق ضربتها العسكرية، كما أن الأمريكان وبسبب تأخر الضربة لا يرغبون في أن تكون شبيهة بما حدث في العراق أو أفغانستان وفي نفس الوقت يريدون ردا حازما ضد النظام السوري".