لم يزغ رئيس الحكومة الأستاذ عبد الإلاه بن كيران عن طريقته المعتادة في الخطابة في البرلمان، وأصر خلال آخر جلسة شهرية عقدها مجلس المستشارين يوم الأربعاء الماضي على أن يجذر ويكرس هذه الطريقة بل الأكثر من ذلك أن الرجل كان أكثر إصرارا على الذهاب بعيدا في أدائه، إذ بدا متشنجا الى درجة الهستيريا التي كاد أن يفقد صوابه معها وفيها. اليوم نتناول هذه الظاهرة من وجهة ثانية، بعدما تحدثنا في السابق عن إصرار رئيس الحكومة على إفراغ هذه الجلسة الدستورية من محتواها وتحويلها من جلسة دستورية تناقش السياسة العامة للحكومة وتحقق المراقبة الدستورية إلى جلسة للفرجة وإطلاق العنان للسباب والشتائم وتعميم الفوضى العارمة، وعوض أن تحبب هذه الجلسة الرأي العام في الشأن العام فإنها تزيده نفورا. الظاهرة الثانية التي نتوقف عندها اليوم تتجسد في دور رئيس الدولة الذي يتقمصه بن كيران خلال هذه الجلسة الشهرية الدستورية، حينما يصر على التأكيد في أن الشعب كل الشعب طبعا وليس فئة منه - يحب بن كيران ويثق فيه ويسانده. طبعا، حينما يلح الرئيس المصري المعزول ورفاقه في حركة الإخوان المسلمين في مصر على الحديث باسم الشعب المصري، وإن نازعهم كثير من المصريين، إن لم نقل غالبيتهم في ذلك، فلأن مصر اختارت نظاما رئاسيا، ومرسي كان يتحدث باسم شرعية انتخابية بوأته رئاسة الجمهورية، فلذلك كان الرأي العام يستسيغ أن يتحدث مرسي باسم الشعب. أما نحن في المغرب فاخترنا منذ أزمنة غابرة، وقبل أن يقرر رفاق بنكيران العمل في السرية نظاما برلمانيا، وأن الدساتير القديمة والدستور الجديد يعطي للمؤسسة الملكية موقعا دستوريا مهما يمكنها من القيام بدور حاسم، وبالتالي فإن الوحيد الذي يخوله الدستور الحديث باسم كل الشعب هو جلالة الملك محمد السادس، وأن أي شخص آخر يقترب من هذا الدور فإنما يتطاول على أمر ليس من اختصاصه، ويسعى إلى القيام بدور هو ليس له. الإشكال أن الأستاذ بن كيران ليس من حقه أيضا أن يتكلم باسم جزء من الشعب، كما فعل في إحدى المرات، حينما أكد أن حكومته تشتغل مع الذين صوتوا لها، لأنه رئيس حكومة تمثل مبدئيا جميع المغاربة، لذلك فإن بن كيران مدعو من الناحية الدستورية والسياسية والأخلاقية إلى تجنب الحديث باسم الشعب أو فئة من الشعب. عادة فإن الشخص الذي يصدر أحكاما قيمة، فإنه يفعل ذلك اعتمادا على مراجع، ولذلك اهتدت البشرية إلى استطلاعات الرأي لقياس قناعات ومواقف الأفراد والجماعات، ولا نعتقد أن بن كيران اعتمد وسيلة القياس العلمية هذه، وخارج هذه المنهجية فإن أي حديث باسم المواطنين (الشعب) هو لا يعد مجرد تهييج للعواطف وتجني على الحقيقة. لذلك فإن على بن كيران ورفاقه في حزب العدالة والتنمية خصوصا الذين أوكلت لهم هذه المهمة في إطار توزيع الأدوار أن يكفوا عن العبث.