يبدو أن عملية حراسة الثروة الغابوية أصبحت تخرج عن نطاق المقاربة الأمنية لتأخذ أبعادا مأساوية تتكرر كل سنة في غابات الأطلس المتوسط ، فالساكنة القروية التي تعاني الهشاشة التنموية و تعيش على الهامش ، تضطر أن تمد يدها إلى شجرة الأرز و البلوط كمورد رزق لا يضمن إلا الكفاف ، و الحراسة الغابوية تضطر بدورها إلى تكثيف دورياتها لحماية هذه الثروة من النهب و الاستنزاف ، و أمام تعارض المصالح يشتد الاحتقان فيصل الأمر إلى إشهار السلاح الأبيض ، بل و استعمال الذخيرة الحية للدفاع عن النفس من هذه الجهة أو تلك . مرة أخرى يسقط الشاب أبراو عبد الرحمان صريع طلقات نارية كان أبطالها أفراد دورية ليلية تابعة لمصالح المياه و الغابات ، مع فجر أول ليلة من شهر رمضان الأبرك لهذه السنة ، حيث داهموا مجموعة من الشبان بصدد اقتطاع أشجار الأرز، لكن العقلية التي تحمي الشجر و الحجر لم ترحم البشر ، ففر الشبان ليتأخر الضحية مدرجا في دماء الغدر و الوحشية بعد طلقات مبيتة استهدفته من الخلف ، ليبقى وحيدا بين الخرتوشات التي أفرغت في ظهره . حادثة من هذا النوع استفزت قبائل زيان برمتها، لتندلع حركة احتجاجية فورية قوية و عنيفة تطالب بالقبض الفوري على الجناة و تقديمهم إلى العدالة ، و في غياب هذا الشرط فقد حمل المتظاهرون الجثة على الأكتاف و قصدوا عمالة إقليمخنيفرة في مسيرة حاشدة التحق بها سكان حي أمالو المتواجد على الطريق لتزداد المسيرة قوة و عددا و عنفا و صخبا ، و هو الأمر الذي استدعى بالمقابل استنفارا أمنيا مكثفا نجح في تطويق التظاهرة بل و تشتيت حشود المتظاهرين باستعمال القوة و التدخل الفوري و مرابطة الأجهزة الأمنية في النقاط الحساسة للمدينة تحسبا لأي توتر جديد محتمل . في ظل الغليان الجماهيري و توتر المشهد ، حضر والي الجهة مصحوبا بعامل الإقليم للتدخل الفوري عبر استقبال أسرة الضحية و زوجته الحامل في شهرها التاسع مصحوبة بيتيمها ذي الأربع سنوات و أهل الفقيد ، و في هذا الاستقبال عبر السيد الوالي عن استنكاره لهذا الجرم الشنيع و أكد أن الجناة بين يدي التحقيق ، و أن العدالة ستأخذ مجراها الطبيعي حتى لا يذهب دم الفقيد هدرا ، و تعهد بالمقابل بإيلاء أبناء الفقيد كامل العناية و التتبع تعويضا لهم على الأقل عن رزيتهم في أبيهم الشاب الذي لم يتجاوز عقده الثالث بعد . بهذا العزاء المعنوي و هذه المواساة ، سمح المتظاهرون للسلطات باستلام الجثة و نقلها إلى المستشفى الإقليمي بعد تعليمات السيد وكيل الملك بإجراء تشريح للجثة و معرفة المزيد عن تفاصيل النازلة لاستكمال التحقيق و تقديم الجناة إلى العدالة حتى تقول كلمتها في الموضوع . أهالي الضحية و المتظاهرون يرفضون التعامل مع الموضوع على اعتباره قضاء وقدرا ن بل يريدون أن يكون هذا القدر رغم مأساويته شمعة مضيئة على طاولة نقاش المسالة التنموية بالمناطق المجاورة للغابة تفاديا لأحداث جديدة يكون فيها الخاسر الأكبر هو الوطن .