في العاشرة من صبيحة الجمعة الماضي بثت وكالة رويترز للأنباء قصاصة مفادها أن وزيرالشؤون العامة والحكامة المغربي محمد نجيب بوليف أكد للوكالة أن المغرب سيطلق تعديلا تلقائيا لأسعار بعض السلع الاساسية خلال الاسبوعين المقبلين. قصاصة الوكالة نسبت في حديث أجرته مع الوزير المغربي مساء الخميس إليه قوله أن الحكومة ستفعل التعديل التلقائي للأسعار خلال الاسبوعين المقبلين - قبل رمضان- لجميع منتجات الطاقة والسكر باستثناء غاز الطهي. ابتداء من بعد زوال اليوم ستبث رويترز خبرين حول تفاصيل قرار تخفيض الدعم الحكومي للسلع المذكورة من خلال تحرير أسعارها . مساء نفس اليوم و بعد أن كانت قصاصات رويترز قد إحتلت مساحات واسعة بالمواقع الاخبارية ستنقل وكالة المغرب العربي للأنباء بلاغا للوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة ينفي الخبر الذي أورته (رويترز) حول »تقليص المغرب لدعمه للمواد«، مؤكدة أن هذا المقال تضمن معطيات مغلوطة. بلاغ الوزارة أكد أنه لم يتم التصريح أبدا بأن هناك تقليصا للدعم المخصص للمواد، وبالتالي فلم يكن هناك أي حديث عن تقليص الدعم»واعتبر أن صحفي الوكالة الدولية المتخصصة في قطاع خدمات المال والإعلام والأسواق العالمية و التي تتوفر على رصيد هام من المصداقية و ويبني على منتوجها الصحفي العديد من متخذي القرارات في العالم قراراتهم لم يفهم حتى معنى المقايسة وترجمها بالتعديل التلقائي للأسعار، كما أنه أقحم صندوق النقد الدولي في الموضوع وكذلك شهر رمضان لحاجة في نفس يعقوب«. بغض النظر عن كون صحفي رويترز أخطأ تقدير تصريحات الوزير أو استخدمها »لحاجة في نفس يعقوب« وهو سلوك لا نملك إلا أن ننزه عنه مراسل الوكالة الزميل عزيز اليعقوبي المشهود له بالمهنية و الحائز على جائزة في جنس التحقيق الصحفي,فإن ردة الفعل العنيفة لوزارة بوليف تجاه مضمون قصاصات رويترز حول موضوع الدعم الحكومي للأسعار سيحيلنا بالضرورة الى تنبيه الحكومة التي نظمت قبل أيام مناظرة حول الحق في الوصول الى المعلومة في شأن ضيق صدر بعض مكوناتها و تشنج أعصابهم كلما إرتبط مخطوط أو تصريح بقضايا و ملفات يبدو جليا أن جناحا معينا ومجسدا في الحكومة يسعى بكل ما أوتي من جهد و سلطة للتكتم و التحكم في المعلومات المرتبطة به و يدرج ضمن خانة المشوشين كل من يتجرأ أن يعمل قلمه أو فكره أومجرد رأيه في القناعات التي يبني الجناح المذكور مواقفه من الملفات المذكورة على أساسها . موضوع صندوق المقاصة و الدعم و مسعى الحكومة أو جزء متحكم بداخلها الى مباشرته من منطلقات معروفة لدى العام و الخاص لا يحتمل كل هذه الحساسية المطلقة التي جندت ديوان الوزير المنتدب لصياغة بلاغ تكذيب بحمولات سياسية واضحة و مكشوفة لا يختلف عاقلان في كونها تنبع من مخاوف غير مؤسسة مرتبطة بتقديرات موغلة في الحسابات الحزبية الضيقة . الرأي العام الوطني يدرك أن الحكومة كانت قد أرجأت في وقت سابق ملف إصلاح صندوق المقاصة و سياسة الدعم العمومي للسلع الواسعة الاستهلاك من طرف المغاربة بسبب حساسيتها السياسية . والقليل من المغاربة يعي أن الزيارة الأخيرة لمسؤولي صندوق النقد الدولي لبلادنا قد حملت معها ضغوطا ملحة للمؤسسة الدولية على حكومة السيد بن كيران مفادها أن دعم نفس المؤسسة للمغرب رهين بتطبيق إصلاحات تضع حدا »لنزيف«الدعم الحكومي للسلع وتعيد للأذهان مخططات التقويم الهيكلي السيئة الذكر في ذاكرة المغاربة القريبة . رئيس الحكومة امتلك قبل أيام الشجاعة السياسية ليصارح أطر حزبه بأنه سيمضي قدما في الاصلاحات مهما كانت مكلفة و بوليف نفسه أكد غيرما مرة أن الحكومة عازمة على إصلاح صندوق المقاصة، فما المبرر اليوم للعودة الى الوراء ومهاجمة صحفي نقل وجهة نظر الوزير و فصل في تبيان خططها للرأي العام . المبررالمنطقي الذي يكشف تردد و حرج و أيضا ورطة وزارة السيد بوليف ومعها الحكومة هو أن ذكر القصاصة الاخبارية لشهر رمضان بما يحمله من إكراهات اقتصادية واجتماعية بالنسبة لشريحة طاغية من الأسر المغربية و التذكير بضغوط صندوق النقد الدولي تسببا في ضغط نفسي للحزب الحاكم و حاصراه بضيق الوقت و هامش المناورة لاقناع المغاربة بحتمية التخلص من عبىء دعم الدولة الى ما لا نهاية لأسعارالمحروقات و بعض السلع الغدائية وووفر بالمرة لمكون بالأغلبية ولطيف المعارضة فرصة من ذهب لتسجيل أهداف مشروعة في مرمى الحزب الحاكم . وحتى عندما قدم بلاغ وزارة السيد بوليف مصطلح المقايسة و عاب على صحفي رويترز عدم فهم معناه فإنه بدوره جانب الصواب حين سمح لنفسه بتقويم منتوج صحفي مهني من منطلق أن نظام المقايسة الذي يتحدث عنه بلاغ الوزارة و يعنيه حتما و بالضرورة السيد الوزير سيؤدي في آخر المطاف الى رفع تلقائي لأسعار المحروقات و المشتقات النفطية في حال بلغت أسعارها في السوق العالمي مستويات معينة تملك الحكومة لوحدها للأسف حدود سقفها و لا تعلنها للعموم و هي نفسها التي ضمنها صحفي »رويترز« في مقالته و أطلق عليها مصطلح التعديل التلقائي للأسعار لتظل في أول الأمر وآخره خرجة وزارة السيد بوليف تعبيرا غير ذي موضوع ينضح بحساسية سياسية لن نغامر كثيرا إذا خلصنا الى أنها مفرطة ومبالغ فيها و في غير محلها بالمرة.