اطلعت مؤخرا على صورة كاريكاتورية تتضمن صورتين الأولى للمهاتما غاندي الزعيم الهندي الكبير، كتب فوقها «زعيم الديمقراطية الهندية : غاندي» ، وبجاورها صورة ثانية لرئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران مكتوب عليها «زعيم الديمقراطية المغربية : غاندير» ، وليلة أمس وصلني كاريكاتير من الزميل مبارك بوعلي يصور فيه رئيس الحكومة ممتطيا حصانا خشبيا من النوع الذي يتدحرج في مكانه وحاملا في اليد اليسرى راية بيضاء... مكتوب عليها «محاربة الفساد»، بينما يحمل في اليد اليمنى سيفا خشبيا، وفي الأسبوع الماضي وضعت أسبوعية «الوطن الآن» على صدر صفحتها الأولى صورة معدلة لرئيس الحكومة تظهره في صورة رياضيي كمال الأجسام مع تعليق ساخر يقول : «بنكيران..بطل العالم في رفع الأسعار»، هذه عينة فقط من الإنتقادات الساخرة التي توجه لرئيس الحكومة، وهي على قدر ما تنطوي عليه من إبداع وبساطة، فإنها استطاعت أن تعبر عن وضعية معقدة تجتازها بلادنا في ظرفية دقيقة. «غاندير» ومعناها بالعربية الفصيحة، سوف أفعل، و رئيس الحكومة المغربية منذ أن غادر إدارة مدرسة خاصة للأطفال وتحمل المسؤولية على رأس الحكومة، وهو يرفع شعار «غاندير»، علما أنه انتخب وعين في منصبه الحالي ليس لسواد عيونه، بل يضطلع بمسؤولياته ويمارس اختصاصاته الدستورية والتي بالمناسبة لم تتوفر لأي وزير حكومة سابق منذ استقلال المغرب، لكن السيد بنكيران، يرفض الاعتراف بأنه تحول إلى ظاهرة صوتية مملة ومستفزة، بل دخل بمعية بعض من إخوانه، في الترويج للأباطيل ولخطاب المظلومية الذي تبرع فيه جماعات الاسلام السياسي، والشعور المرضي بحالة الرهاب وأنهم مستهدفون، إلى غير ذلك مما يمكن أن يكون موضوع بحث في علم النفس وليس علم السياسة، وفي غمرة هذه الجدبة، لا يخجل السيد بنكيران، كما فعل في آخر جلسة في البرلمان، من القول بأنه سيواصل الإصلاحات... السؤال الذي يتهرب بنكيران من الجواب عنه، هو عن أية إصلاحات يتحدث؟ وإذا كان سمتلك قدرا محدودا من الشجاعة الفكرية والسياسية، عليه أن يكشف للمغاربة عن الإصلاحات والبرامج التي ينفذها بعد سنة ونصف من توليه المسؤولية، والغريب في الأمر، أن السيد بنكيران وفي نفس جلسة مجلس النواب الأخيرة قال بالحرف الواحد، أن الحكومة قد لا تحقق إنجازات، لكنها صادقة في تبني مشاكل الشعب..فهل هناك « جبهة « أكبر من هاته؟ المغاربة لا ينتظرون من رئيس الحكومة سياسة « غاندير « ، فأي مواطن بسيط في الشارع يمكن أن يفعل نفس الأمر، المغاربة منحوا رئيس الحكومة منصبه لكي ينجز لا لكي يعد، لقد استمع المغاربة في الحملة الانتخابية إلى وعوده، ولاحق له اليوم في تقديم وعود جديدة، لقد وعد بالرفع من الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم، و تحقيق 7 % كمعدل للنمو وحصر العجز في 3 % على أقصى تقدير، فماذا تحقق من كل هذه الوعود؟ الجواب لا شيء بصفة مطلقة، بل الأسوء من ذلك أن الأمور انقلبت رأسا على عقب، إذ أصبح العجز 7 % و معدل النمو حوالي 3 % ،إضافة إلى التصريحات العنترية حول تخفيض الأجور. أما في موضوع الفساد ، فقد حققت فيه الحكومة الحالية بقيادة السيد بنكيران أكبر الإنجازات الصوتية التي لم تسبقها إليها جميع الحكومات السابقة، فالتطبيع مع الفساد أصبح يتم عبر الحديث المتكرر عن محاربته، في حين أن الجميع يعلم أن من يريد أن يحارب الفساد فإنه يفعل ذلك عبر القضاء، والحال أن المغرب في عهد هذه الحكومة سجل إرتفاعا في معدلات الرشوة كما تظهر التقارير الدولية، والفرنسيون لهم مقولة بليغة في هذا السياق تقول بأن الوزير عليه أن يعمل ويغلق فمه، أما عدد من وزراء السيد بنكيران فقد أصبحوا محترفين للنواح بما لا تقدر أعتى النائحات عن مجاراتهم، وأول أمس نشرت « الأخبار « في صفحتها الأخيرة كاريكاتير يظهر رجلين يتصفحان جرائد تتحدث عن مظاهرات تركيا، حيث بادر أحدهما بسؤال الآخر هل يتعلق الأمر باحتجاجات على العدالة والتنمية في المغرب، فأجابه زميله لا هاديك تركيا، فالمغرب العدالة والتنمية هي اللي تحتج على المعارضة.... ودائما مع سياسة «غاندير» نجد سياسة أخرى تواكبها وهي سياسة «النشير»، حيث حولت هذه الحكومة المغرب الى مجرد «سطح» كبير لنشر كل أنواع اللوائح من رخص النقل إلى المتفرغين في وزارة التربية الوطنية، وهو نشر ديماغوجي ليس له أي أثر في الواقع، فإلى اليوم ليس هناك أي إجراء تم إتخاذه، بل الأدهى من ذلك هو التعامل المزدوج مع ما يتم نشره من قبل حزب العدالة والتنمية، ففي الخطاب الموجه للمواطن البسيط، فهذه اللوائح دليل شجاع ومحاربة الفساد، وفي الخطاب الرسمي فإن الأمر لا يعدو أن يكون نوعا من تحقيق المبدأ الدستوري الذي ينص على الحق في المعلومة، والسؤال الذي تتهرب الحكومة من الجواب عليه، هو هل يوجد من نشرت أسماؤهم في وضعية مخالفة للقوانين الجارس بها العمل؟ وإذا كان الأمر كذلك، لما ذا لم تقرر الحكومة متابعتهم، أم أن الغاية فقط هي دغدغة مشاعر المواطنين، وتبادل «الغمزات» الساخرة مع الفساد !!!