رويدا رويدا اكتسحت وصلات المسابقات حياة الفرد من خلال وسائل الإعلام المرئية. والجميع يتذكر كيف أن هذه المسابقات كانت تغري الجمهور بقسيمات شراء بألف درهم، وكانت تجد التجاوب بل والإصرار على المشاركة التي كانت آنذاك تقتصر على الرسائل البريدية والقرعة لأن المبلغ كان محفزا والأسر المغربية تجد فيه مغيثا وعونا لسد حاجيات ملحة. هذا بالنسبة للأمس أما اليوم فالمسابقات أصبحت عابرة للحدود تمتد بامتداد الوطن العربي في ظل طفرة الاتصالات، لكن الملاحظ أن هذه الوصلات أغرقت المشاهد العربي وأتخمته إلى حد الإصابة بالحيرة. وإنها الحيرة ذاتها التي انتابتني وأنا أتأمل في التطور المهول لهذه المسابقات. وبالنظر إلى الواقع المرير والأفق القاتم الذي لم يلح بعد بالانفراج بعد شهور من المآسي في الوطن العربي، أخال أن تلك المسابقات أصبحت تتلاعب بالمشاهد بل وتتهكم على وضعه الذي أضحى يتجرعه في انتظار ما سيأتي. فحين تطالعنا الأخبار بهلاك العشرات من الإخوة في فلسطين أو في سوريا أو في مصر، ثم يقع على مسامعنا «شبيك لبيك حلمك بين إيديك» أو «الحلم حلمك» فما هو الخيط الناظم بين هذا وذاك؟ لست أجد هذا إلا في مبرر تحويل واقع المواطن العربي إلى حلم، حلم بسبائك الذهب ومليون دولار والسيارات الفارهة، واللهاث وراءها، والحال أن الحلم سيبقى حلما لكن الحقيقة هو اغتناء شركات الاتصالات العملاقة التي صارت الآن تحتضن كبريات النوادي الأوروبية، بمعنى آخر أن المواطن العربي يساهم بشكل غير مباشر في إثراء مشاهير الرياضيين العالميين، في حين لا يجد حتى ما يسد به الرمق. وهذا يحيلني على فترة من الفترات حين كان اللوطو يقتصر على 100 مليون ثم ضخم الأصفار والأصفار ليرتفع إلى نصف مليار ثم مليار للي الحبل حول عنق الضعاف، لكنه في الواقع دمر أسرا بكاملها وشتتها وعبد الطريق للبعض نحو الزنزانات، وتلك هي عاقبة القمار ودربه. المواطن لا يريد سبائك الذهب ولا الملايين ولا السيارة الفارهة، وهناك من لا يعرف كيف سيتعامل مع هذا إن فاز، وهناك من سيسقط مغشيا عليه إن تلقى النبأ. فما أدراك بسبائك الذهب، والمليون دولار. المواطن يريد كرامته، يريد استقراره المادي، وما يستر احتياجه، يطمع في يوم - وليس في مستقبل - معطاء، يطمع في أن يخرج الوطن بامتداده العربي من لوثة الصراع ليجاري الأوطان الأخرى التي حولت الأحلام إلى حقيقة يعيشها سكانها في المعامل والشركات ومختبرات البحث. المواطن يريد أن تستثمر سبائك الذهب وملايين الدولارات في المنافع العامة، في إصلاح الأحوال التي لا تسر أبدا، في المدارس والجامعات والمستشفيات والإدارات والملاعب والطرق... فإن صلحت أحواله أنى له أن يريد لنفسه السيارات والسبائك والورقات الخضراء، لأن الواقع سيكون أحلى من الحلم، ومافي اليد سيكون أفضل مما هو في الشاشة. نتمنى أن نستفيق لنبدأ رحلة تغيير الواقع.