يوم الثلاثاء 26 مارس 2013 رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس باقتراح أمير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني لعقد قمة مصغرة بقيادة مصر خاصة بالمصالحة الفلسطينية على اساس اتفاقي القاهرةوالدوحة. واضاف "معلوم أن الاتفاق الذي عقدناه في الدوحة قبل أكثر من سنة يدعونا إلى تشكيل حكومة انتقالية من المستقلين وفي نفس الوقت الذهاب إلى الانتخابات، نحن من جهتنا ملتزمون بهذا الاتفاق والذي أعقبه أيضا اتفاق القاهرة، ولذلك نرحب بمبادرة قطر". في نفس التوقيت وبخلاف لا يتجاوز ساعات رحبت حركة حماس بالدعوة القطرية. وذكر الناطق باسم الحركة سامي ابو زهري "حركة حماس ترحب بدعوة أمير دولة قطر وهذا الموقف ينسجم مع ترحيب الحركة المستمر لأي جهد عربي واسلامي لدعم الجهود المصرية لتحقيق المصالحة". واضاف ابو زهري "نحن نعتبر ان هذه الدعوة هي في سياق تعزيز ودعم الجهود المصرية واستكمالا للجهود التي بذلت سابقا في هذا السياق". من جهته قال اسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال في غزة "نرحب بدعوة امير قطر لتحريك عجلة المصالحة انطلاقا من تقديرنا لهذه الدعوة الكريمة وانطلاقا من تجاوبنا الدائم مع أي جهد مصري وعربي واسلامي". يوم الأربعاء 27 مارس طالبت حركة فتح بحضور جميع الفصائل اذا ما قدر لتلك القمة بالانعقاد رغم عدم الحاجة لها خشية من العودة للمربع الاول، مشيرة الى ان هناك اتفاقات موقعة والمطلوب هو تنفيذها وليس بحثها من جديد. وقال امين مقبول عضو وفد فتح للحوار مع حماس أمين سر المجلس الثوري للحركة، بأن الفلسطينيين لا يحتاجون لعقد قمم جديدة لبحث ملف المصالحة، لان المطلوب هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وتابع مقبول قائلا "لا اعتقد اننا بحاجة لمؤتمر قمة طالما اننا في مرحلة تنفيذ الاتفاق الذي تم التوقيع عليه والذي وقعت عليه كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني بما فيها حماس وفتح والجهاد الاسلامي". "تفاؤل" لغير المواظبين على تتبع الأحداث على الساحة الفلسطينية تبدو هذه التصريحات مبشرة بإنهاء أزمة عمرت سنوات ولم تثمر سوى عن مكاسب لإسرائيل وحلفائها الدوليين، وكذلك لأطراف إقليمية تتستر وراء شعارات وخطابات مدوية ملهبة لمشاعر الجماهير العربية بشأن الدفاع عن المصالح العربية وخاصة تلك الخاصة بالشعب الفلسطيني، في حين هدفها الرئيسي هو تمزيق المنطقة العربية وشرذمتها خدمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضع اللمسات الأخيرة عليه المحافظون الجدد في نفس التوقيت الذي شرعوا فيه في التمهيد لغزو الولاياتالمتحدة لبلاد الرافدين. غالبية الملاحظين قدروا أنه لا يجب الأفراط في التفاؤل بشأن المصالحة الفلسطينية، وأن الأمر وكما وقع في تواريخ سابقة ليس أكثر من تصريحات دبلوماسية. الحقيقة أنه منذ سنوات عدة ترواح المصالحة الوطنية الفلسطينية مكانها، وكلما لاح في الافق بصيص أمل لطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني المنكوب بالاحتلال، تتراكم فجأة العديد من الاسباب والمبررات والحجج التي تعيد الأمور إلى مربعها الأول وتقف حجر عثرة في طريق اتمام المصالحة وسط تبادل للاتهامات بين حركتي "فتح" و"حماس" بالمسؤولية عن تعطيل المصالحة. يوم 20 يوليو 2012 قال المحلل السياسي الدكتور إبراهيم أبراش الاستاذ الجامعي الفلسطيني في مقال نشر في عدد من وسائل الاعلام: "الشراكة السياسية مصطلح جديد بدأ يروج في العالم العربي خلال العقد الأخير من طرف جماعات الإسلام السياسي ثم انتقل إلى الساحة الفلسطينية، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول مفهوم الشراكة السياسية وما الفرق بينه والمشاركة السياسية؟. ولماذا تستعمله جماعات الإسلام السياسي أكثر من غيرها؟. وهل تصلح الشراكة السياسية في الحالة الفلسطينية؟. وإن كان كذلك فهل هي بديل عن البرنامج الوطني المشترك؟. أولا: تعريف الشراكة السياسية وملابسات ظهور المصطلح. "أسئلة كثيرة يطرحها مصطلح الشراكة السياسية وتوقيت ظهوره، فمصطلح الشراكة بشكل عام ظهر بداية في العقد الأخير من القرن العشرين كنهج جديد في التعامل الدولي وخصوصا الاقتصادي، مثلا الحديث عن الشراكة الأورومتوسطية والشراكة بين التكتلات الاقتصادية الكبرى الخ. إذن هو اتفاق بين عدد من الأطراف لتحقيق هدف أو أهداف من خلال القيام بعمل أو أعمال مشتركة تخدم جميع الأطراف الشريكة دون إلغاء خصوصية كل طرف أو حقه بفض الشراكة إن شعر أنها تتعارض مع مصالحه". "فيما بعد دخل مصطلح الشراكة السياسية القاموس السياسي كوصف لشكل أو ترتيب سياسي تتوافق فيه قوى وكيانات سياسية على محاصصة أو توزيع مناصب ومغانم السلطة السياسية مع احتفاظ كل حزب أو جماعة سياسية ببرنامجها وأيديولوجيتها. إن هذا أمر يتعارض مع المواطنة وإرادة الأمة والانتماء الوطني المشترك، وعليه لاحظنا أن المشاركة في بعض الدول لم تلغ الطائفية والإثنية بل عززتهما، كما أنها لم تعمل على الدمج الاجتماعي والجغرافي بل شجعت على الجهوية الانفصالية". بعد سنة 2003 أخذت جماعات الإسلام السياسي وخصوصا الإخوان المسلمون تروج لمصطلح الشراكة السياسية بحيث غطى على مفردات الديمقراطية والمشاركة السياسية والوحدة الوطنية والمشروع والبرنامج الوطني المشترك. في جميع الحالات كانت جماعة الإخوان المسلمين الجهة المروجة لهذا المصطلح. وانتقل المصطلح إلى الساحة الفلسطينية حيث تحدث عنه بداية مسئولون من حركة حماس وخصوصا الدكتور احمد يوسف وكانت له مقالة بهذا الشأن، وخلال اللقاء الصحفي الذي عقده الرئيس أبو مازن وخالد مشعل يوم 24 نوفمبر 2011 تحدثا عن الشراكة وأنهم شركاء، وإن كنت اعتقد أن ما كان يقصده خالد مشعل من الشراكة السياسية ليس ما يقصده الرئيس أبو مازن. نلاحظ مما سبق أن مصطلح الشراكة السياسية وإن كان يتقاطع مع الديمقراطية والمشاركة السياسية في بعض العناصر كاللجوء إلى الانتخابات وعدم إقصاء طرف لبقية الأطراف والاحتكام للقانون وللوثائق الدستورية المؤقتة، إلا أنه يختلف عنهما من حيث عدم التزامه بمبدأ حكم الأغلبية وضعف الالتزام بالمواطنة حيث تغليب الانتماء للطائفة أو الجهة أقوى من الانتماء للوطن، كما أن الشراكة السياسية تتناسب مع ظروف مجتمعات منقسمة أيديولوجيا أو طائفيا بشكل حاد وخرجت من مرحلة حرب أهلية أو ثورة وغير متوافقة على مرجعيات وثوابت المشروع الوطني والنظام السياسي المستقبلي، فترتئي القوى السياسية الشراكة في الحالة السياسية مؤقتا مع احتفاظ كل منها ببرنامجها حتى وإن كان متناقضا مع بقية البرامج الأخرى. إخفاء الحقائق إلا أن ما هو خطير في الأمر أن المروجين لمفهوم الشراكة السياسية يخفون حقيقة عدم رغبتهم في التنازل عن برنامجهم الذي يعبر عن مصالح طائفية أو اثنية لصالح برنامج وطني مشترك، وانعدام ثقتهم ببقية الأطراف الأخرى، أيضا يخفون عدم ثقتهم وإيمانهم بثوابت ومرجعيات الأمة والدولة كما رسخت عبر السنين. عندما تقول جماعات الإسلام السياسي بالشراكة السياسية فكأنها تقول نحن لنا برنامجنا الإسلامي الذي لا يمكن أن يذوب أو يتوحد مع المشاريع الوطنية أو العلمانية أو القومية، وبالتالي فإن نقاط الالتقاء لن تكون أكثر من محاصصة تقاسم السلطة أو المسؤوليات مؤقتا إلى حين توفر الظروف المناسبة للسيطرة المطلقة على المجتمع والنظام السياسي. ثانيا: التباس مفهوم الشراكة السياسية في الحالة الفلسطينية هناك ما هو مشترك مع الحالة العربية وما هو خاص بفلسطين كدولة تحت الاحتلال.المشترك هو الانقسام المجتمعي والسياسي بين تيار وطني ليبرالي علماني وتيار إسلامي، وحالة التناقض والتباعد غير القابلة للتجسير بينهما من وجهة نظر التيار الإسلامي خصوصا حركة حماس. أما الخاص في الحالة الفلسطينية فهو الاحتلال الإسرائيلي، فإذا كان مفهوما ومقبولا إعمال مبدأ الشراكة بين مكونات سياسية في أنظمة سياسية مستقلة يتم من خلاله احتفاظ كل حزب أو مكون ببرنامجه وإستراتيجيته للعمل وبشبكة علاقاته وتحالفاته الخارجية، ففي الحالة الفلسطينية يتطلب الأمر اتفاق على مشروع وطني أو برنامج وطني مشترك يتم من خلاله توحيد الأهداف واستراتيجيات العمل، حيث لا يجوز مواجهة الاحتلال ببرامج متعارضة إحداها يقول بالتسوية والسلام والاعتراف بإسرائيل وآخر يقول بالمقاومة ورفض التسوية السلمية وعدم الاعتراف بإسرائيل، وأصحاب كل برنامج يخونون أو يكفرون أصحاب البرنامج الثاني. لا يمكن تأسيس شراكة سياسية نضالية في ظل احتفاظ كل حزب بميليشياته وأسلحته وبتحالفاته الخارجية وبحيز جغرافي يستبد في بالسلطة دون الآخرين. إن أخشى ما نخشاه أن طرح مفهوم الشراكة السياسية محاولة من حركة حماس للتهرب من المصالحة الحقيقية التي تؤسَس على استحقاق الوحدة الوطنية والمشروع الوطني المشترك. هذا لا يعني مطالبة حركة حماس بأن تتخلى عن مواقفها لتتماها مع مواقف منظمة التحرير أو تتخلى عن رؤيتها الإسلامية، بل المطلوب التوصل لبرنامج عمل مشترك في إطار رؤية وطنية مع إرادة لتنفيذ هذا البرنامج، وقد سبقتنا شعوب خاضت تجربة مقارعة الاحتلال في التوصل لهذا النوع من الشراكة السياسية مثل جبهة التحرير الفيتنامية وجبهة التحرير الجزائرية الخ. في ظل الاحتلال يجب أن تتراجع البرامج الحزبية والأيديولوجية لصالح برنامج وطني مقاوم مشترك. يمكن التعرف على رؤية حركة حماس للشراكة السياسية من خلال كلمة ألقاها الدكتور محمود الزهار في ندوة نظمها منتدى الأمة للتنمية يوم 23 يونيو 2012 حول الشراكة الوطنية، حيث قال إن الشراكة لا تعني أن يتنازل أي حزب عن برنامجه أو تندمج برامج الأحزاب في برنامج وطني واحد، بل يحتفظ كل حزب ببرنامجه، وبالتالي فإذا كانت حماس تقول بأنها لا تعترف بإسرائيل ولا تعترف بدولة فلسطينية على حدود 67 وتتبنى نهج المقاومة المسلحة فهذا من حقها ولا يجب أن يطلب منها تغيير برنامجها، ويواصل القول وبالنسبة لفتح فإذا كانت تقول بالتسوية السياسية ورفض المقاومة المسلحة وتعترف بإسرائيل وتقبل بدولة على حدود 67 فهذا من حقها، والشراكة في نظرية احتفاظ كل حزب ببرنامجه. ولا نعرف كيف يمكن أن تقوم شراكة سياسية بين قوى وأحزاب لشعب تحت الاحتلال إن لم تكن شراكة في إطار رؤية واحدة للهدف الوطني ولإستراتيجية الوصول للهدف. كيف يمكن مواجهة الاحتلال في ظل تعارض البرامج والاستراتيجيات؟. إن خطورة مفهوم الشراكة عند حماس أنه يبرر المحاصصة وتقاسم المواقع والمناصب في منظمة التحرير في ظل الاحتلال ويمهد الطريق لإدارة الانقسام فقط، الشراكة التي يتم الترويج لها في الساحة الفلسطينية في ظل الانقسام لن تؤدي إلا لشراكة كيانات سياسية أو شراكة إدارة الانقسام. وما يبرر تخوفاتنا ويعزز شكوكنا الإفشال المتعمد لكل الحوارات والتفاهمات التي تؤسس لبرنامج وطني مشترك كوثيقة الوفاق الوطني واتفاق مكة والورقة المصرية للمصالحة واتفاق الدوحة". كارثة على القضية الفلسطينية كتب المحلل والسياسي الفلسطينيى منير شفيق": "ثمة موجة جارفة من القناعة بأن الانقسام الفلسطيني شكل كارثة على القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني والشعب الفلسطيني، والبعض اعتبر أن المصالحة بحد ذاتها وبغض النظر عن محتواها هي دواء لكل داء فلسطيني، وهي المخرج من كل أزمة وتأزيم. وقد ذهب البعض إلى التفاؤل كلما التقى محمود عباس بخالد مشعل، أو تحاوَرَ وفد من حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" بوفد من حركة المقاومة الفلسطينية "حماس". وها هي ذي محاولة للمصالحة بعد محاولة مصالحة سابقة أو بعد تأزيم، تنتهي إلى فشل بعد أن تكون قد علقت عليها آمال وكتبت في مديحها مقالات. وقد حق أن يسود التشاؤم حتى عندما يعلَن أن اتفاقاً وقع من أجل المصالحة، لأن الاتفاق الموقع عام 2005 لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وقد شاركت في توقيعه عدة فصائل ولا سيما الرئيسية منها لم يرَ النور، ولم تتحقق في طريقه حتى خطوة واحدة حتى الآن. هذا الأمر يوجب التساؤل: لماذا الانقسام غالب على المصالحة؟. أو لماذا المصالحة كادت تكون مستحيلة؟. الجواب ببساطة لأن هناك أسباباً جوهرية وعوائق خارجية قوية تحول دون الوصول إلى مصالحة، وذلك رغم كل الرغبات الداعية بحرارة إلى المصالحة، ورغم كل ما يؤخذ على الانقسام من سلبيات تفرض التخلص منه. ويضيف منير شفيق: "الجميع متفق على أن كل ما عرفته الساحة الفلسطينية من خلاف أو انقسام في تاريخها أو ستعرفه في المستقبل، يجب أن يرى في الخلاف السياسي والمبدئي والمنهجي، فالساحة الفلسطينية ولا سيما منذ العام 1968 توحدت على أساس ميثاق منظمة التحرير الذي احتوى اتفاقاً على المبادئ والأهداف، واتفاقاً على الإستراتيجية. وبدأ موال تقسيم الأهداف إلى مرحلة دنيا "برنامج النقاط العشر" ومرحلة عليا "ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، التحرير الكامل لفلسطين من النهر إلى البحر"، وصَحِبَه التنغيم على استخدام كل أشكال النضال السياسي والعسكري والاجتماعي والثقافي، ثم غلبَه التشديد واقعياً على السياسي وصولاً إلى المفاوضات والانخراط في عملية التسوية. وقد وضع هدف إقامة دولة فلسطينية في حدود القرار 242 أو في الضفة الغربية وقطاع غزة في مقدمة الأهداف. نزعات فردية ونزوع فئوي في تحليله للأزمة الفلسطينية الداخلية ذكر الكاتب الفلسطيني ماجد الشيخ بتاريخ 24 فبراير 2012: "على جانبي الانقسام والمصالحة، هناك من يقف حجر عثرة أمام إعادة المياه إلى مجاريها، كما أن هناك نزعات فردية ونزوع فئوي وفصائلي، لم يعد يهتم أي منها بما يمكن أن تفرزه "حالة الإنقسام"، وما أفرزته "حالة المصالحة" في كل مراحلها؛ حتى الإعلان عن اتفاق الدوحة. فإذا كانت الحالة الأولى نتاج الصراع الداخلي على القرار السياسي والسيادي الفلسطيني، في مواجهة العدو، فإن الحالة الثانية انما هي نتاج الصراع ذاته مضافا إليه تلك التداخلات الإقليمية والدولية، وتدخلاتها في ذات القرار السياسي والسيادي الفلسطيني الذي بات عرضة لتجاذبات أصحاب المصالح والمنافع، في الجانبين المعنيين أساسا بمسألة الانقسام ومن ثم المصالحة، لكن الأخطر الآن وبعد التغيير النسبي في المعادلات الإقليمية المؤثرة على بعض الوضع الفلسطيني، هو ذاك التمنع والاعتراض المعلن والمضمر على المصالحة وفق ما أسفرت عنه في مرحلة إعلان الدوحة، من دون أن يكون هناك أي تعبير عن خلاف معلن في شأن البرنامج السياسي، في ظل حالة من ركود وجمود الحالين، التفاوضي والممانع. ويمكن قراءة الموقف الإسرائيلي من السلطة، ومن إعلان الدوحة والعلاقة بحماس، من خلال ذاك موقف حكومة نتنياهو، في شأن إعادة إحياء الإدارة المدنية الإسرائيلية الحكم العسكري في الضفة الغربية، والتي كانت تتحكم بالحياة اليومية للفلسطينيين قبل إقامة السلطة الفلسطينية. وذلك في أعقاب سحب إسرائيل جميع صلاحيات السلطة السيادية على جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها المناطق المصنفة "الف" أي المدن الرئيسة بالضفة الغربية، وذلك منذ عام 2000. على الصعيد الداخلي الفلسطيني، لم تستطع المعسكرات المتعارضة على جانبي الانقسام، استقبال هذا الوافد الجديد أي إعلان الدوحة بالارتياح، أو الاطمئنان إلى إمكانية تنفيذه، من دون معيقات ومعوقات واقع الانقسام ذاته، الذي أنتج مصالح متعارضة إلى حد وجود مصالح متباينة داخل المعسكرات المنقسمة على ذاتها، حتى في صفوف قيادة كتائب القسام، بعد ظهور خلاف علني بين نواب "حماس" في المجلس التشريعي في غزة، الذين عبروا عن رفضهم للإعلان، في حين رحب به نواب الضفة مطالبين بتنفيذه. كل هذا في ظل حالة من انتظار مصير الصراع على سوريا، الذي لم يبلور حتى اللحظة سوى محطات انتظارية بالمقابل، فلسطينيا وعربيا وحتى إقليميا ودوليا. وهكذا يستمر الانقسام، لا التباين في الآراء بين المعسكرات المتخاصمة حتى داخل الطرف الواحد، لا على خلفية أي بند من بنود البرنامج السياسي، الإستراتيجي أو التكتيكي، "التفاوضي أو المقاوم"، بل على خلفية المآلات السلطوية والمكتسبات والمنافع التي كرسها واقع الانقسام والتخاصم بين معسكري التفاوض من جهة، والمقاومة والممانعة من جهة أخرى، المأزومان عمليا، داخليا أمام جبهة الصراع وأدارته مع إسرائيل، وإقليميا أمام أحداث عربية غير معادلات المنطقة وطبيعة القوى المهيمنة، ما سيهدد على الدوام ومستقبلا طبيعة إدارة الصراعات في منطقة، سيبقى استقرارها يهتز على وقع تغيرات وتحولات لم ترس مآلاتها بعد، في ظل ملامح طور جديد من حرب باردة، أكثر شراسة ودموية في الدفاع عن حزمة المصالح الإستراتيجية المهددة، لكل أطراف الصراع المحلي والإقليمي والدولي. في ظل هذه المعطيات لن يكون في مقدور "إعلان الدوحة"، الإقلاع بالوضع الوطني الفلسطيني المهدد بالنكوص مجددا، إن لم يتجه موحدا نحو صياغة استراتيجية كفاحية تجسد الهدف الأوحد للفلسطينيين، ومقاومة الاستيطان وتهويد القدس، ورفض الانسياق إلى المفاوضات مجددا من دون شروط، إستراتيجية تعبر فعليا عن قواسم مشتركة وطنية لا فصائلية ولا فئوية، وتأخذ في عين الاعتبار الوقائع المستجدة والمستقبلية، ومن دون الغرق أو الاستسلام للرهان على وهم أو أوهام دولة غير سيادية في غزة أو الضفة، دولة اقتسامية مجزأة.. لا سيادة لها على الأرض والحدود، وليست مستقلة". أهداف خفية إذا كان عدد كبير من المحللين الغربيين الذين يصنفون ضمن المحايدين، قد وصلوا إلى قناعة أن إمارة قطر التي شكلت أحد القواعد العسكرية الرئيسية للغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، تستغل قدراتها المالية الضخمة وأجهزتها الاستخبارية لإنجاز تحولات في المنطقة العربية تساير المشاريع الأمريكية بما في ذلك مساندة ما يسمى بقوى الاسلام السياسي التي تجد منذ سنة 2011 قبولا وترحيبيا علنيا أمريكيا، فإنهم يقدرون أن وساطة الدوحة بين فتح وحماس تخفي في طياتها أهدافا غير المعلنة. زيادة على ذلك يشير هؤلاء المحللين أنه رغم الخلاف العلني بين إيرانوالولاياتالمتحدة حول ملفات عديدة، فإنه يسجل أن واشنطن تركت لطهران اليد الطولى في العراق بعد احتلاله سنة 2003، كما تستعين بها لضرب حركة طالبان في أفغانستان حيث تتعثر القوات الأمريكية والحليفة منذ سنة 2002 وهناك نقاط أخرى لتقاسم مصالح بين الطرفين. يوم الخميس 8 مارس 2012 اتهم عضو اللجنة المركزية في حركة فتح عزام الاحمد، ايران بلعب دور "تخريبي" لمنع تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس. وقال الاحمد، المسؤول عن ملف المصالحة، خلال لقاء مع صحافيين "ايران لعبت دورا تخريبيا حول المصالحة بيننا وبين حركة حماس". واضاف ان "زيارة رئيس حكومة حماس المقالة اسماعيل هنية الى ايران، والدعم المالي الذي قدمته لحركة حماس في غزة، انما هو مؤشر على ان ايران لديها رغبة في استمرار الانقسام، والا ماذا يفسر ان المعارضة لاتفاق المصالحة تأتي فقط من قيادة حماس في غزة؟". نصائح مؤسسة "الازمات الدولية" مع نهاية سنة 2012 اكدت منظمة "الازمات الدولية" التي تقدم مشورات لعدد من المؤسسات الرسمية الأمريكية وضمنها جهاز المخابرات المركزية "سي أي إيه" بأن على مصر أن تعيد إطلاق مبادرتها لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس بحيث تتمكن السلطة الفلسطينية من العودة بشكل كامل إلى غزة وأن تستعمل تعاونها المتجدد مع الولاياتالمتحدة وأن تحاول إقناع واشنطن بتبني موقف أكثر مرونة وبراغماتية حيال الوحدة الفلسطينية. وقالت منظمة الازمات الدولية في تقرير لها: إن الدفع باتجاه تحقيق سلام حقيقي لن يكون سهلاً. في الحد الأدنى، وكخطوة أولى، ينبغي على مصر أن تعيد إطلاق مبادرتها لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس، بحيث تتمكن السلطة الفلسطينية من العودة بشكل كامل إلى غزة، ويصبح بالإمكان تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويمكن إجراء انتخابات واستئناف المفاوضات بين إسرائيل وحركة وطنية موحدة، وينبغي أن تستعمل تعاونها المتجدد مع الولاياتالمتحدة وأن تحاول إقناع واشنطن بتبني موقف أكثر مرونة وبراغماتية حيال الوحدة الفلسطينية . واشارت الى انها تشبه الحرب بين إسرائيل وحماس فيلماً مأساوياً شاهده المرء مرات عديدة حتى حفظه عن ظهر قلب: غارات جوية تقصف غزة، تاركة الموت والدمار في أعقابها، وصواريخ تطلق من القطاع، فتنشر الرعب على مسارها، ودول عربية تعبر عن غضبها حيال استعمال إسرائيل للقوة الوحشية، وحكومات غربية تعبرعن تفهمهما لممارسة إسرائيل لحقها في الدفاع عن نفسها. وقد التزم الممثلون بالنص، ففاوضت مصر على وقف إطلاق النار، وزعم الطرفان المتحاربان بأنهما حققا النصر، وتحمل المدنيون الخسائر. ولكنها اضافت: لكن إذا كانت هذه حرباً قديمة، فقد تم خوضها على أرض معركة جديدة. لقد كانت أول مواجهة إسرائيلية عربية منذ موجة التحولات العربية التي بدأت في مطلع عام 2011، وصعود الإسلاميين إلى السلطة. حماس كانت أكثر استعداداً للمعركة بعد أن استبدلت شراكتها مع أعداء الولاياتالمتحدة بشراكة مع حلفاء واشنطن. مصر يحكمها الآن الإخوان المسلمون، المنظمة الأم لحماس، والتي حققت سمعتها جزئياً بمهاجمة الأنظمة التي سبقتها لمساومتها مع إسرائيل والتخلي عن الفلسطينيين وتركهم لمصيرهم. في هذا الاختبار الحقيقي الأول للنظام الإقليمي الناشئ، سعى اللاعبون الرئيسيون لتحديد، وتوضيح وصياغة قواعد اللعبة إلى أقصى درجة ممكنة. وقد كانت الحصيلة هدنة تبدو كسابقاتها إلى حد بعيد، لكنها مكفولة هذه المرة من مصر جديدة وتم التوصل إليها في بيئة مختلفة. إذا أريد لهذه الهدنة أن تكون أكثر ديمومة من سابقاتها، لابد لإسرائيل والفلسطينيين على حد سواء أن يتصدوا لبعض المتطلبات الرئيسية. تقلص الفرص يوم 29 مارس 2013 نشرت صحيفة القدس التي تصدر داخل الأرض الفلسطينية تحت عنوان المصالحة الفلسطينية مقالا بعنوان : "كلما زادت المبادرات تضاءلت الفرص" جاء فيه: "رغم الترحيب الحار الذي صدر عن حركتي "فتح" و"حماس" بالمبادرة القطرية الجديدة، الا أن أياً من قادتهما لا يرى فرصة حقيقية لحدوث اختراق في المصالحة المجمدة. وتبدو المصالحة الفلسطينية، كما جاء في مقال نشرته يوم الجمعة صحيفة "الحياة" اللندنية، أبعد بعد كل مبادرة جديدة أو لقاء جديد يهدف الى انعاشها واعادة اطلاقها. فاللقاء الأخير الذي عقد في فبراير 2013 في القاهرة لبحث المصالحة، ليس فقط انه لم يؤد الى تحقيق أي تقدم في الملفات المطروحة، وانما أعاق التقدم الذي حققته لجان المصالحة في بعض هذه الملفات، ومنها قانون الانتخابات الخاص بالمجلس الوطني الفلسطيني، والذي توصلت اللجنة المختصة به الى اتفاق حوله. لكن اللقاء ليس فقط لم يقره، وانما أحاله على لجنة أخرى جديدة. كما أخفق اللقاء في الاتفاق على تشكيل لجنة مركزية للانتخابات في الخارج للتحضير لانتخابات المجلس الوطني، وهي أيضاً من القضايا التي يسهل الاتفاق عليها. وأخفق المجتمعون في الاتفاق على موعد لعقد اجتماع للإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير الفلسطينية المتفق عليه منذ عام 2005، علماً أن هذا الاطار لم يجتمع في السنوات الثماني الماضية من الاتفاق عليه سوى مرتين. وأخفق المجتمعون ايضا في الاتفاق على قضايا سهلة أخرى مثل وقف الاعتقالات الاعتباطية، واطلاق المعتقلين وغيرها. ويعترف المشاركون في حوارات المصالحة من الحركتين بصعوبة تحقيق مصالحة حقيقية بين الحركتين اللتين تتقاسمان ادارة الضفة الغربية وقطاع غزة. أولى هذه العقبات سياسي، فكلا الحركتين له برنامج سياسي مختلف، اذ لم ينجح المتحاورون منذ عام 2006 حتى اليوم في الاتفاق على برنامج سياسي مشترك. ويحتل البرنامج السياسي المكانة الأولى لدى "فتح" والرئيس محمود عباس لأن مجمل علاقاتها الدولية، خصوصا مع الولاياتالمتحدة ومجمل مشروعها الساعي لإقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967 عبر التفاوض مع اسرائيل، يعتمد عليه. ويقول المقربون من الرئيس عباس ان الدور السياسي لحركة "فتح" مرهون بالبرنامج السياسي، فأي تغيير في البرنامج الحالي سيؤدي الى موقف امريكي من "فتح" يهدد بفقدانها دورها، وأحد أهم أدواتها في السعي الى تحقيق مشروعها الوطني. وفي حركة "حماس"، يقولون ان برنامج "فتح" وصل الى طريق مسدود يتمثل في رفض اسرائيل منح الفلسطينيين دولة على حدود عام 1967، ومواصلة مشروع استيطاني تهويدي يقوض فرصة حل الدولتين، ويجعله غير ممكن عبر المفاوضات. ويقول مقربون من الرئيس عباس انه لن يقدم على مصالحة وشراكة مع "حماس" ما لم يحصل على تفويض سياسي منها باعتماد برنامجه السياسي برنامجاً لأي حكومة جديدة، وتفويضه أيضا اختيار وزراء حكومته وادارته بحرية كاملة يسهل عليه تسويقها دوليا. وفي قيادة "حماس" يؤكدون أن الحركة التي رفضت شروط "اللجنة الرباعية"، وتعرضت الى الحصار سنين طويلة، لن تقبل برنامجاً لا يقوم على المقاومة، حتى لو كانت لفظية في هذه المرحلة، في مواجهة احتلال استيطاني يبتلع كل يوم جزءاً جديداً من الأرض. غزة بين حماس وفتح وقد تزايدت المطالب داخل "حماس" بالتشدد في البرنامج السياسي عقب الحرب الاسرائيلية على غزة، والتي نجحت فيها الحركة في تسديد ضربات الى قلب الجبهة الداخلية الاسرائيلية. وثاني هذه العقبات ضعف مؤسسات السلطة التي لم تصمد أمام الخلاف والصراع، فتم الاستيلاء عليها في غزة بالقوة المسلحة، أعقبه الاستيلاء بطريقة أخرى على مؤسسات السلطة في الضفة الغربية. وثالثهما بقاء الاحتلال الاسرائيلي الذي يبرر للقوى المسلحة في قطاع غزة الاحتفاظ بتشكيلاتها العسكرية الى جانب أجهزة السلطة، وهو ما يهدد دائماً بتكرار تجربة السيطرة بالقوة العسكرية على السلطة في غزة عام 2007 الذي سمته "حماس" "الحسم العسكري"، وأطلقت عليه "فتح" اسم "الانقلاب". تضاف الى ذلك أزمة الثقة العميقة بين الطرفين وعدم ثقة كل طرف بالآخر لإقامة شراكة سياسية معه. فحركة "فتح" تخشى من "تسلل" حركة "حماس" الى منظمة التحرير، والسيطرة عليها عبر المصالحة، كما سيطرت على السلطة عام 2006 عبر الانتخابات، وعلى غزة بواسطة السلاح. وحركة "حماس" تخشى من تسلل "فتح" الى غزة، والعمل على استعادة السلطة واخراجها من السلطة عبر الباب الذي دخلت منه وهو الانتخابات، أو عبر شراكة غير متوازنة. وتعيق التطورات الجارية في ملف المفاوضات حدوث تقدم في ملف المصالحة. وتشير التقديرات الى أن الجهود الامريكية الحالية قد تعيد الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي الى طاولة المفاوضات من جديد خلال سنة 2013. ويقول مسؤولون مقربون من الرئيس عباس ان الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري ابلغاه في اللقاءات التي تمت خلال شهر مارس 2013 ان الجانب الامريكي سيعمل خلال أسابيع على حمل اسرائيل على تقديم إجراءات لبناء الثقة تمهيداً لتقديم خطة عمل أمريكية لاستئناف المفاوضات. وتتمثل الاجراءات المقترحة ب : وقف طرح مشاريع استيطان جديدة، واطلاق معتقلين، ونقل اراض جديدة في الضفة الى ادارة السلطة وغيرها. وبدأت هذه الاجراءات بإعلان اسرائيل الغاء قرار سابق بتجميد التحويلات الجمركية للسلطة، واعلان الادارة الامريكية عن استئناف مساعداتها المالية للسلطة التي جمدتها بعد توجه الأخيرة الى الأممالمتحدة لنيل عضويتها. [email protected]