في مقال للصحفي "إيريك تراغر" نشر في مجلة "فورين بوليسي" شرح فيه كيف أن "الإخوان المسلمين" حصلوا على أصوات الناخبين، ويمسكون حاليًا زمام الحكم بأيديهم، لكنهم لا يملكون السلطة اللازمة لإدارة شئون البلاد والعباد. وجاء بالمقال الآن وقد ارتقى "الإخوان" قمة المناصب السياسية في "مصر" فإنهم لا يتورعون عن عمل أي شيء في قدرتهم للبقاء فيها. ويشدد المسئولون في "الإخوان" أن سلسلة انتصاراتهم الإنتخابية منذ الإطاحة ب"حسني مبارك" قبل عامين منحتهم "الشرعية" – وهو تعبير يردده "الإخوان المسلمون" بشكل طبيعي للدفاع عن كل شيء، من تعيين الرئيس "مرسي" الجماعي لأعضاء الجماعة في مناصب سياسية عليا إلى إعلانه الدستوري في 22 نونبر الذي منح نفسه به سلطة تامة. ولكن رغم القوة السياسية التي يتمتع بها "الإخوان" فإن تلك القوة لا تمنحهم السلطة البتة. ذلك أنه منذ البيان الدستوري الذي أعلنه "مرسي" وما تبع ذلك من استعجال في صياغة الدستور، قامت سلسلة من المظاهرات الشعبية، وإضرابات العمال واشتباكات الشرطة مع المحتجين في أنحاء البلاد بحيث دفعتها إلى حافة الفوضى. وتعاني "مصر" من اقتصاد ضعيف يمكن أن يؤدي إلى سقوطه في الهاوية من دون معين، واضطر الجيش إلى ممارسة السلطة في ثلاث مدن على امتداد قناة "السويس" نتيجة سلسلة من عدم الإستقرار، وقامت الجماعة الإسلامية – التي تعتبرها "الولاياتالمتحدة" على أنها منظمة إرهابية – بنشر أتباعها لحراسة مدينة "أسيوط". والسعي الأحادي ل"الإخوان" وراء الحكم تسبب في مقاومة عنيفة لحكمهم، وبالتالي أسهم في عدم الإستقرار في "مصر". لكن الحركة الإسلامية لم تظهر أي إمكانية لتغيير مسارها، معتقدة على ما يبدو أن التمسك بالحكم هو الطريقة الوحيدة لعرقلة ما تعتبره مؤامرة واسعة ضد حكمهم. وقال الكاتب: في لقاءات أجريتها خلال جولة أخيرة في "مصر" وجَّه "الإخوان المسلمون" بشكل عام تلك المؤامرة إلى "الفلول"، أي بقايا النظام السابق. قال لي "سعد الحسيني" محافظ "كفر الشيخ": إن "الفلول يعملون ضد مصر. إنهم معارضون بشدة لنظام الحكم الحالي لأن الرئيس من الإخوان". وكان "محمد البلتاجي" النائب السابق وهو الآن عضو في اللجنة التنفيذية للحزب السياسي ل"الإخوان" أكثر صراحة، بقوله "هناك جزء من النظام لا يزال حتى الآن مرتبطًا بالنظام السابق. ويمكن التعرف عليه في الكثير من أجهزة الدولة، مثل الشرطة والإعلام والقضاء". وفي السنة الأولى لرئاسة "مرسي" ركز هو ورفاقه من "الإخوان" على متابعة التهديدات التي تواجه حكمهم في اثنتين من هذه المؤسسات. ففي غشت الماضي عين مجلس الشورى الذي يسيطر عليه "الإخوان" مجموعة جديدة من رؤساء التحرير في معظم الصحف الرسمية، وفصلوا الصحفيين الذين انتقدوا "الإخوان". كما خضع منتقدو "الإخوان" في وسائل الإعلام الخاصة للتحقيق في جرائم تتراوح بين "الإساءة إلى الإسلام" إلى "الإساءة إلى الرئيس". وتحرك "الإخوان" ضد القضاء في نونبر عندما قرر "مرسي" في بيانه الدستوري المؤقت وضع قراراته في مأمن من نظر القضاء فيها. وأرسل "الإخوان" كوادرهم للتظاهر خارج المحكمة الدستورية العليا، بهدف الضغط على القضاة قبل أن يستعدوا لإصدار قرار بشأن مشروعية هيئة صياغة الدستور التي يسيطر عليها "الإخوان". وما إن حصل الدستور على الموافقة عليه، حتى عين "مرسي" نائبا عاما من دون استشارة مجلس القضاء الأعلى، حسب ما ينص عليه القانون – ولقيت تلك الخطوة استهجانا باعتبارها تهجما على استقلال القضاء. ومن المحتمل أن تأتي الخطوة التالية فيما يتعلق بوزارة الداخلية التي تعرف بتاريخ من القمع. فخلال مقابلة مع "البلتاجي" قال لي إنه يرى "دوره المستقبلي في العلاقات المدنية العسكرية وفي إعادة تشكيل وإصلاح وزارة الداخلية". وقال أيضا: إن من بين الإجراءات الأخرى التي سيسعى وراءها "السماح لخريجي الجامعات بالتدرب على أعمال الشرطة" بدلا من أن تظل الشرطة مقتصرة على خريجي أكاديميات الشرطة. وبسؤاله عما إذا كان ذلك يعني أنه سيسمح ل"الإخوان" بالالتحاق بسلك الشرطة، قال "البلتاجي": إن "من حق الإخوان إبطال الحظر" على التحاق "الإخوان" الذي كان معمولا به خلال حكم "مبارك". ورغم تلك التأكيدات، فإن تصريحات "البلتاجي" المتعلقة ب"الدور" المتوقع من أجل "إصلاح" وزارة الداخلية التي تحدث عنها الكاتب في محاضرة بمعهد "واشنطن" لسياسة الشرق الأدنى قبل أسبوعين، أثارت زوبعة إعلامية كبرى في "مصر". فالكثير من المصريين يشعرون بالقلق من أن السماح ل"الإخوان" بالالتحاق بسلك وزارة الداخلية، سيمكنهم مع الوقت استخدام الوزارة وسيلة لفرض أجندتهم الدينية. كما أن إعلان الجيش أخيرا أنه رفع الحظر على التحاق "الإخوان" في أكاديميته، سيزيد من احتمالات القلق بشأن محاولات "أخونة" مؤسسات السلطة. وأيا كان عدد العمليات الإنتخابية التي يفوز فيها "الإخوان" أو المناصب السياسية التي يحتفظون بها، فإن من المحتمل أن تظل حركتهم تنظر إلى ذاتها على أنها بين فكي صراعين – أحدهما تاريخي ضد النظام القديم، والآخر أكثر حداثة ضد منتقديها من غير الإسلاميين. وهكذا فإنه بدلا من اتخاذ قرارات صعبة – لا تلقى هوى سياسيا في نفوس الشعب – وهو ما يتطلبه الحكم، فإنها قد تظل تركز على التمسك بأهداب الحكم. غير أنه مع تصاعد مقاومة أسلوب سيطرة "الإخوان" فإنه ليس لأحد أن يخلط بين الحكم والسلطة. فحكم "الإخوان" المعيب في "مصر" ورفض البناء على تفاهم سياسي، يدفع البلاد إلى نقطة أقرب إلى الفوضى يوما بعد آخر.