ضربة مزدوجة وجهتها المحكمة الدستورية العليا في "مصر" إلى الإسلاميين والقوى الثورية لقد ضربت عصفورين بحجر واحد حين قضت يوم أمس بعدم دستورية التعديلات التي أدخلها البرلمان على قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تقضي بعزل رموز نظام الرئيس المخلوع "حسني مبارك" سياسياً لمدة 10 سنوات ما يعني استمرار رئيس آخر حكوماته "أحمد شفيق" في سباق الرئاسة في مواجهة مرشح الإخوان المسلمين "محمد مرسي" في جولة الإعادة التي يبدأ التصويت فيها غدا السبت. كما قضت بعدم دستورية بعض مواد قانون انتخابات مجلس الشعب وهي المواد المتعلقة بالسماح للمنتمين للأحزاب على الترشح على ثلث المقاعد المخصصة للنظام الفردي ما يقضي بحل البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون. من جهتها تضاربت الأقوال عند عديد من القوى سياسية وقد عبرت جهة عن غضبها إزاء الحكمين الصادرين، معتبرة أنهما يعيدان "مصر" إلى أجواء ما قبل ثورة 25 يناير فيما دعت قوى أخرى إلى احترامهما. وفور النطق بالحكم، أعرب مئات المتظاهرين الذين تجمعوا أمام مقر المحكمة الدستورية عن احتجاجهم خصوصاً على إبقاء "أحمد شفيق" في سباق الرئاسة، فيما تظاهر مئات آخرون في ميدان التحرير للإحتجاج على عدم عزل "شفيق". ورددوا هتافات من بينها: يا شفيق قول الحق، انت فلول ولا لأ؟ والتحرير بيقولها قوية، شفيق مش رئيس جمهورية . ورفعت في التظاهرة لافتات للتنديد بالمحكمة الدستورية العليا والحكم العسكري. وعلى رغم الحديث عن أن الجمعية التأسيسية للدستور التي انتخبها البرلمان أول أمس لن تتأثر بالحكم لأنها اكتسبت مركزاً قانونياً بدا أن هذه الجمعية الوليدة ستذهب أدراج الرياح، خصوصاً بعد حل البرلمان الذي انتخبها وتوالي الإنسحابات في صفوفها. وقد أكدت مصادر أن المجلس العسكري سيعقد اجتماعاً اليوم للبحث في إصدار إعلان دستوري مكمل بعد أن استرد سلطة التشريع يحدد فيه تشكيل الجمعية الجديدة. وقضت المحكمة الدستورية في جلسة ترأسها القاضي "عبد الوهاب عبد الرازق" بعدم دستورية تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية وقبلت باعتبار اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة جهة قضائية يجوز لها إحالة نصوص القوانين على المحكمة. وكانت اللجنة استبعدت "أحمد شفيق" من سباق الرئاسة بعد إقرار البرلمان قانوناً يقضي بحرمان أقطاب نظام "مبارك" من ممارسة حقوقهم السياسية لمدة 10 سنوات، لكنها أعادته إلى السباق مرة أخرى بعد أن طعن أمامها في القرار وأحالت التعديلات على المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريتها. وأكدت المحكمة التي دخلت في صراعات مع البرلمان خلال الشهور الماضية في الحكم الثاني، عدم دستورية انتخابات مجلس الشعب الأخيرة وقالت إن تكوين المجلس بكامله باطل منذ انتخابه، والمجلس بالتالي غير قائم بقوة القانون بعد الحكم بعدم دستورية انتخابه من دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر ما يدحض بعض الحجج القانونية القائلة بأن حل المجلس يقتضي قراراً من رئيس الدولة لأن المجلس العسكري لا يخول له الإعلان الدستوري إصدار مثل هذا القرار. وكان المجلس انتخب على أساس الثلثين للقوائم الحزبية والثلث للنظام الفردي، وأقر المجلس العسكري في البداية عدم أحقية ترشيح الأحزاب على المقاعد الفردية، لكن أحزاباً هددت بمقاطعة الإنتخابات ما دفعه إلى التراجع عن القرار والسماح بترشيح الأحزاب على المقاعد الفردية البالغ عددها 160 مقعداً، فاز فيها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة "الإخوان"، ب 99 مقعداً وحزب "النور" السلفي ب 21 مقعداً، وحزب "البناء والتنمية"، الذراع السياسية ل "الجماعة الإسلامية"، ب 10 مقاعد، فيما فازت أحزاب مدنية ومستقلون ب 30 مقعداً. وقالت المحكمة الدستورية إن قانون الإنتخابات أتاح لمرشحي الأحزاب إحدى فرصتين للفوز بعضوية مجلس الشعب، إحداهما بوسيلة الترشيح بالقوائم الحزبية المغلقة، والثانية عن طريق الترشيح للنظام الفردي، بينما جاءت الفرصة الوحيدة المتاحة أمام المرشحين المستقلين غير المنتمين إلى تلك الأحزاب مقصورة على نسبة الثلث المخصصة للانتخاب بالنظام الفردي، يتنافس معهم ويزاحمهم فيها المرشحون من أعضاء الأحزاب السياسية، ما يمثل مخالفة للإعلان الدستوري . وأكدت أن العوار الدستوري الذي أصاب النصوص المطعون فيها يمتد إلى النظام الانتخابي الذي سنه المشرع بكامله، سواء في ذلك نسبة الثلثين المخصصة لنظام القوائم الحزبية المغلقة أو نسبة الثلث المخصصة للنظام الفردي وانتهت المحكمة إلى أن انتخابات مجلس الشعب أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، ومؤدى ذلك ولازمه أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلاً منذ انتخابه، بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون من دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر وذكرت أن ذلك "لا يؤدي البتة إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة، وحتى تاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية، إذ تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً أو يقضى بعدم دستوريتها بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بنى عليه هذا الحكم . وبخصوص تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية التي عُرفت إعلامياً بإسم "قانون العزل" فقد أكدت المحكمة أن "القانون خالف مبدأ المساواة، وذلك بأن مايز بين بعض من تقلد وظائف بعينها والبعض الآخر، من دون أن يرتكن ذلك إلى معيار موضوعي معتبر وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن المادة 19 من الإعلان الدستوري تنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي مشيرة إلى أن ذلك يدل على عدم جواز توقيع عقوبة إلا بحكم قضائي لتحقيق استقلال السلطة القضائية بهذا الاختصاص . وحُكم حل البرلمان موجه أساساً إلى مجلس الشعب من دون أن ينصرف إلى مجلس الشورى إذ أن الدعوى التي أحالها القضاء الإداري على المحكمة الدستورية تخص مجلس الشعب فقط، لكن الشورى جرت انتخاباته بناء على القانون نفسه، ما يعني إمكان حله أيضاً في حال تحريك أي دعوى قضائية أمام القضاء الإداري وقد يتخذ المجلس العسكري قراراً بحله من تلقاء نفسه، أو ربما يحل هو نفسه بنفسه. وقال مسئول عسكري إن حل مجلس الشعب أصبح قانونياً بحكم المحكمة الدستورية ببطلان انتخاب ثلث أعضاء المجلس وأوضح أنه بحكم المحكمة أصبح مجلس الشعب غير دستوري، وحل نفسه بنفسه، من دون قرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة... إذا تطلب التصديق على ذلك من رئيس المجلس بحكم أنه يدير البلاد، فقد يتم ذلك وجوبياً، ووفقاً للقانون . وفيما يتعلق بتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، قال المصدر: من المقرر أن يتم إصدار إعلان دستوري من المجلس العسكري يتضمن تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور... وسيتم عقد اجتماع غداً للبحث في هذا الأمر وكان رئيس المجلس العسكري المشير "حسين طنطاوي" ترأس اجتماعاً يوم أمس ضم قيادات وأعضاء المجلس للبحث في الخطوات بعد حكم الدستورية العليا. وفور النطق بالحكم، سادت حال من الإرتباك أروقة البرلمان وأيضاً الأحزاب السياسية، خصوصاً الإسلامية منها التي دعت قياداتها إلى اجتماعات عاجلة لتدارس الأمر وفي وقت كانت لجان البرلمان النوعية منعقدة لمناقشة قضايا مطروحة على طاولاتها، استقبل نوابها الحكم كالصاعقة، وظلوا يتداولون حول ما إذا الحكم ينصرف على الثلث الفردي فقط أم البرلمان بكامله. فيما قال الأمين العام للمجلس "سامي مهران" الذي هو قيد التحقيق في بلاغات قدمت ضده في النيابة إن جلسة البرلمان المقررة الثلاثاء المقبل قائمة ولم يتم إلغاؤها خصوصاً أن المجلس لم يرده أي حكم أو مستند لتنفيذه سواء منطوق الحكم أو حيثياته وكي يتم تنفيذ الحكم لا بد من أن ينشر في الجريدة الرسمية وقال "مهران" إن المجلس تسوده حالة من التخبط والإرتباك بعد الحكم . من جانبه، قال وكيل البرلمان القيادي في حزب "النور" السلفي "أشرف ثابت" إن المجلس مستمر في جلساته واجتماعاته حتى ينتهي تفسير حكم المحكمة الدستورية وصدوره في شكل نهائي ووصوله إلى مجلس الشعب وشدد على احترام المجلس أحكام القانون وقال: نحن نرسخ دولة القانون وحكم الدستورية يتناول ثلث المجلس فقط وسيعقد المجلس اجتماعاً من أجل البحث في الوضع القانوني والحلول القانونية التي يجب أن يسلكها"، مشيراً إلى أن "الحكم لا يؤثر في قرارات وقوانين المجلس التي أصدرها". أما رئيس اللجنة القانونية لحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية ل "الإخوان"، "مختار العشري" فاعتبر أن حكمي المحكمة الدستورية "لهما أبعاد سياسية واضحة الملامح والدلالة". وأضاف أن "البرلمان مثل خلال الفترة الماضية الجهة الشرعية الوحيدة المنتخبة، ومع اقتراب حسم الإنتخابات الرئاسية يأملون أن يسلموا "أحمد شفيق" مرشح الفلول السلطة ليكون صاحب الشرعية الوحيدة في غياب مجلس الشعب"، مؤكداً أن "الشعب المصري لن يقبل بذلك وسيعزل أتباع النظام المخلوع شعبياً". فيما قال الناطق بإسم حزب "النور" "نادر بكار" إن "الحكمين يعودان بنا إلى أجواء ما قبل الثورة... كأننا يوم 27 كانون يناير 2011"، مضيفاً أن "الدولة تكلفت الملايين لإجراء الإنتخابات، ولم ينظر أحد لها... المسئول الأول عن هذه الحالة هو المجلس العسكري الذي كان يفترض أن يدرس دستورية القوانين التي يصدرها بدقة. العسكر أوصلونا إلى هذا النفق المسدود"، مشيراً إلى أن الحزب سيعقد اجتماعاً عاجلاً لمناقشة سبل التحرك وسط هذه المستجدات. وقد اعتبر المرشح الرئاسي السابق "عبد المنعم أبو الفتوح" في تغريدة قصيرة على موقع "تويتر" أن الإبقاء على المرشح العسكري "شفيق" والإطاحة بمجلس الشعب المنتخب بعد منح الشرطة العسكرية سلطة الضبطية القضائية، انقلاب كامل يتوهم من يتصور أن ملايين الشباب سيتركونه يمر . من جهة النائب "محمد البلتاجي" عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة والعضو السابق في البرلمان قبل حله، أكد أن أحكام الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، وإبقاء "أحمد شفيق" في سباق الرئاسة تشكل "انقلابًا كامل الأركان". ونقل "إخوان أون لاين" عن "البلتاجي" قوله: "إن الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية يوم أمس تأتي ضمن انقلاب كامل الأركان، يشطب أشرف ستة عشر شهرا في تاريخ هذا الوطن"، وتابع: "هذه هي مصر كما يريدها شفيق ومن وراءه". وأضاف، أن الإنقلاب بدأ ببراءة كل مساعدي وضباط الداخلية المتهمين بقتل المتظاهرين، ثم الأزمة المصطنعة مع القضاء، ثم إعطاء الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية، ثم حل البرلمان المنتخب، وفقًا لقانون أصدره المجلس العسكري، وإعطاء خاتم المشروعية الدستورية لترشح "شفيق" قبل بدء الجولة الثانية بأقل من 48 ساعة، والحديث عن تشكيل المجلس العسكري للجنة الدستور. وفي تصريح خطير للمستشار "طارق البشري" قال أنه سنرى من سيحكم "مصر" يوم الإثنين عصرا. فيما اعتبر المعارض البارز الدكتور "محمد البرادعي" أن "انتخاب رئيس في غياب دستور وبرلمان هو انتخاب رئيس له سلطات لم تعرفها أعتى النظم الديكتاتورية". وقد طرح حلان أولهما "التوافق على مجلس رئاسي يشكل لجنة تأسيسية وحكومة إنقاذ وطني ويشرف على انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إقرار الدستور" أو "انتخاب رئيس مؤقت مع حكومة إنقاذ وطني يشكل لجنة توافقية لوضع الدستور ثم انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إقرار الدستور". وقد دعا المجلس العسكري إلى "تأجيل الإنتخابات إلى أن يستوعب المصريون تداعيات الموقف ويتشاوروا جميعاً حول أفضل السبل ليعبروا بالوطن إلى بر الأمان". وانتقد "البرادعي تخويل القوات المسلحة صلاحيات اعتقال المدنيين، معتبراً أنه "عسكرة فجة للدولة وتعد صارخ على مدنيتها". وقد أخذ النواب الضربة الموجعة الثانية اليوم حيث قال الدكتور "أسامة هياسين" عضو مجلس الشعب والقيادى بجماعه "الإخوان المسلمين" في تصريح لقناة "أون تي في" أنه وجد البرلمان محاصر بعساكر وقوات من الشرطة والجيش. وقد أكد "ياسين" أن هناك تعليمات لهذه القوات بأن لا يدخل النواب البرلمان مرة أخرى مشيرا إلى أن هذا الحكم الذى أغضب كل المصريين سيرد علية ردا عمليا وترجمة هذا الغضب بحشد إنتخابي هائل في جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة التي ستجرى يومي السبت والأحد القادمين.