في وقت متأخر من ليل الخميس 21 فبراير أصدر الرئيس المصري محمد مرسي مرسوما حدد فيه السابع والعشرين من شهر أبريل 2013 موعدا لانطلاق أولى جولات الانتخابات التشريعية التي ستجري على أربع مراحل، على أن تنتهي في يوليو. وجاء في المرسوم أن مجلس النواب الجديد سيجتمع في السادس من يوليو. ولم يحدد القرار الرئاسي مواعيد فتح باب الترشح على مقاعد المجلس النيابي البالغة 546 مقعدا، ولا مواعيد بدء الدعاية الانتخابية. عدد من الملاحظين أشاروا إلى أن قرار مرسي بتبكير موعد الانتخابات البرلمانية تجاهل مطالب المعارضة بتحقيق توافق وطني على القانون المنظم لها وضوابطها، مشيرين أنه نفس التصرف الذي قام به عندما تعلق الأمر بالتصويت على الدستور الجديد. قرار مرسي لم يكن مفاجئا لكثيرين، خاصة أولئك المعاراضين الذين فقدوا الأمل في أن تتخذ جماعة "الإخوان المسلمين" خطوات جدية للتقارب معهم والذين يطالبون الجماعة بالتخلص من الاستحواذية والاستبداد بالقرار وإدارة البلاد. قبل أن تمر 48 ساعة على قرار الرئيس المصري، أعلن أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى المصري يوم السبت 23 فبراير 2013 إن مرسي سيعدل موعد بدء الإنتخابات بعد طلبات من أعضاء مسيحيين بمجلس الشورى، احتجوا لأن التوقيت يتزامن مع أعياد أسبوع الآلام وعيد القيامة للأقباط الأرثوذكس. صحيفة الوطن المصرية ذكرت لاحقا أن المواعيد الجديدة للانتخابات البرلمانية هي 22 و23 أبريل لبداية الجولة الأولى. ملاحظون رأوا في هذا التقلب دليلا على زيادة تأزم الوضع السياسي الداخلي وتسرع الرئاسة وحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الاخوان من أجل ترسيخ سلطته قبل أن تحدث تحولات قد تكون أساسية خاصة على ضوء الغليان الذي يعرفه الشارع المصري. المظاهرات والعصيان المدني يوم الجمعة 22 فبراير تظاهر عشرات الآلاف من المصريين بميدان التحرير وبالميادين الرئيسية في عدد من المحافظات، مطالبين بإسقاط النظام، بينما أعلن محتجون، عن بدء "عصيان مدني إجباري" بالعاصمة المصرية اعتبارا من الأحد 24 فبراير، للمطالبة بإسقاط النظام،. داعين إلى التظاهر وإغلاق مباني "دار القضاء العالي"، ومحافظة القاهرة، وقطع طرق هامة. وعلق المحتجون لافتة على البوابة الرئيسية للقصر الرئاسي كتبوا عليها "القبض على مرسي إذا لم يدعُ إلى انتخابات رئاسية جديدة، ويحل جماعة الإخوان المسلمين، ويضع دستورا جديدا لكل المصريين". هذه المظاهرات المتجددة والتي عرفتها العديد من محافظات مصر جاءت في نطاق ما سمي ب"مليونية محاكمة النظام" التي دعا إليها 24 حزبا وحركة سياسية للمطالبة بمحاسبة النظام وإقالة النائب العام. وبحسب البيان الذي أصدرته هذه الحركات فإن "النظم السياسية تفقد شرعيتها عندما تعتدي السلطة الحاكمة على القانون، وقد فعلت جماعة "الإخوان" هذا عندما قامت بتعيين نائب عام يمثل أداة للرئاسة والإخوان لتصفية حساباتهما". وتابع "وجدناه يغض الطرف عن عمليات قتل المصريين، ووجدناه شريكا في كل جرائم القتل والسحل والتنكيل.. إن النائب العام الذي يحمل كذبا صفة محامي الشعب هو اليوم محامي الإخوان". في شمال شرق مصر وبمدينة بورسعيد استمرت المظاهرات المتواصلة بشكل شبه يومي منذ نهاية شهر يناير 2013 للمطالبة بالعدالة لمتظاهرين قتلوا على يد الشرطة فيما دخل الاضراب العام يومه السادس على التوالي. وقد اغلقت اكثرية المصانع والادارات الحكومية أبوابها رغم حالة الطوارئ المفروضة والتي تحداها السكان منذ البداية. وسجل الملاحظون أن غضب السكان لم يخففه قرار الرئيس مرسي بإعادة فتح المنطقة الحرة في بورسعيد. ووقعت اشتباكات محدودة، مساء الجمعة، بين منتمين لقوى إسلامية وبين داعين لعصيان مدني بمدينة المحلة الكبرى شمال غرب القاهرة. وقال مصدر بالمدينة أن منتمين لقوى إسلامية متشددة هاجموا بالهراوات والأسلحة البيضاء نشطاء كانوا يدعون المواطنين إلى بدء عصيان مدني تضامنا مع العصيان في محافظة وللمطالبة بإسقاط النظام. إلى جانب الاحتقان في الشارع المصري عاد القضاة من جديد إلى واجهة الأزمة السياسية بعدما ابتعدوا عن الساحة لبضعة أسابيع عقب دخولهم في إضراب غير مسبوق في المحاكم والنيابات احتجاجا على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي في نوفمبر 2012، وحصن به قرارته من الطعن، وتعيينه لنائب عام جديد بالمخالفة للقانون. نادي القضاة، الممثل الوحيد والمنتخب لكل قضاة مصر، طعن في استمرار النائب العام المستشار طلعت عبد الله في عمله، خلافا للاتفاق الضمني الذي تم بين القضاة ووزير العدل المستشار أحمد مكي بحل المشكلة عقب عودة القضاة إلى عملهم. وقرر القضاة مخاطبة اتحاد القضاء الدولي بوصفه المظلة العالمية للقضاة، لإبلاغ موقف عموم قضاة مصر من رفضهم استمرار النائب العام في منصبه. و يلوح القضاة أيضا بإمكانية مقاطعة الاشراف على الانتخابات البرلمانية على ضوء حالة عدم الاستقرار والجو الملبد بالغيوم الذي تمر به البلاد، وغياب الضمانات التي تؤكد النزاهة، في إشارة إلى إعادة سيناريو الضغط الذي مارسه القضاة على نظام "الإخوان"، بإعلان رفضهم الإشراف القضائي على الاستفتاء على الدستور في ديسمبر 2012، ما وضع الرئيس محمد مرسي في موقف حرج، ودفعه إلى إجراء الاستفتاء على مرحلتين، وهو أمر لم يحصن العملية من انتقادات المعارضة، وجهات خارجية، خاصة مع وجود توثيق لمخالفات عدة شابت عملية الاستفتاء في ظل غياب إشراف قضائي كامل. تجاهل المحكمة الدستورية أشار عدد من الفقهاء الدستوريين إلى أن قانون الانتخابات الجديد الذي رفعه مجلس الشورى إلى الرئيس مرسي والذي اتخذ على اساسه قراره، تم من دون عرضه على المحكمة الدستورية العليا من جديد، تطبيقا لحقها في الرقابة اللاحقة على القوانين. هذا هو نفس الخطأ القديم الذي ارتكب قبل شهور، وأدى إلى صدور قرار من الدستورية العليا بحل البرلمان، عندما أصرت جماعة الاخوان عبر ذراعها السياسي على إلغاء المادة الخامسة من قانون الانتخابات، التي كانت تحظر على المرشحين للمقاعد الفردية الانضمام للأحزاب، أو ترشح الأحزاب على المقاعد الفردية، وهي المادة التي هددت حينها جماعة الاخوان بعدم خوض الانتخابات إذا لم يتم إلغاؤها، مما دفع المجلس العسكري الحاكم حينذاك لإلغائها. هذا الأمر فتح الطريق واسعا أمام الإخوان لاستغلال الموقف، بضم عشرات النواب الذين خاضوا الانتخابات كمستقلين إلى الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، ليؤكد أغلبيته الكاسحة في البرلمان. حزب الحرية والعدالة في شخص رئيسه اتبع السيناريو ذاته في التعديلات التي أجريت على المواد التي أبدت المحكمة عدم دستوريتها، وعندما قام بتسريع اصدار القانون الانتخابي متجاهلا طلبات قوى المعارضة، بل وتلميحات أطلقها فقهاء دستوريون شددوا على حق المحكمة الدستورية العليا في الرقابة اللاحقة على القوانين. حزب الحرية والعدالة تجاهل التحذيرات، ليؤكد من جديد أنه لا يزال ينظر إلى أعلى هيئة قضائية ودستورية في البلاد باعتبارها خصما، رغم التعديلات التي أجراها الدستور الجديد على طريقة تشكيلها واستبعاد المستشارين الذين كانت ترى فيهم الجماعة أنهم ضد مصالحها. تؤكد عدة مجموعات من المعارضة "أن جماعة الاخوان تصر على بدء الانتخابات البرلمانية في نهاية إبريل 2013، من دون أن تدرك أنها تسير في طريق انتخابات مهددة بعدم الاكتمال، أو بتكرار نموذج البرلمان المشوه الذي عانى منه المصريون على مدار شهور سنة 2012، قبل أن تقضي المحكمة الدستورية بحله، وهو سيناريو يبدو أنه سيكون قابلا للتكرار، ما يعني بوضوح أن الجماعة لا تزال تدور في نفس الحلقة المفرغة، بسبب رغبتها في السيطرة على مفاصل الدولة المصرية، وفي القلب منها تشكيل البرلمان القادم، باعتباره بوابتها الملكية لتشكيل حكومة إخوان خالصة، وهي في طريقها إلى ذلك تنسى أهم درس في اللعبة، وهو الاستفادة من دروس الماضيّ. شرخ داخل جبهة الإنقاذ يشير ملاحظون إلى أن قرار مرسي حول الانتخابات التشريعية صنع شرخا داخل ّجبهة الإنقاذ"، الوعاء الأكبر للمعارضة المدنية. وبالرغم من أن "التيار الشعبي" الذي يتزعمه المرشح الرئاسي الناصري السابق حمدين صباحي، وهو الطرف البارز في "الجبهة"، قد استبق قرار مرسي، وأعلن عن عدم مشاركته في الانتخابات، إلا أن رئيس "الحزب المصري الديموقراطي" محمد أبو الغار العضو في الجبهة أيضا ألمح إلى إمكانية خوض حزبه الانتخابات مبررا ذلك ب "عدم إضعاف المعارضة"، ومطالبا بأن يحارب الجميع من أجل تحقيق الشروط التي تضمن نزاهة الانتخابات، علما أن "الحزب المصري الديموقراطي" فاز بنحو 16 مقعداً أي حوالي 3 في المئة في أول انتخابات برلمانية بعد تسليم الرئيس مبارك إدارة البلاد إلى المجلس العسكري. أما رئيس "حزب المصريين الأحرار" أحمد سعيد فعقب على قرار مرسي بالقول إن "الإخوان سيخوضون الانتخابات بمفردهم"، واصفا القرار ببدء الانتخابات بالمتعجل والمريب في ظل مناخ سياسي محتقن لا يمكن أن تجري فيه انتخابات نزيهة، بينما غرد رئيس "حزب الدستور" محمد البرادعي على "تويتر" معلقا على قرار مرسي بالقول إن "محاولة إجراء الانتخابات قبل التوصل الى توافق وطني أمر غير مسؤول وسيزيد الوضع اشتعالا". وبرغم التعليقات السريعة الصادرة عن رموز المعارضة، إلا أن "جبهة الإنقاذ" لم تصدر أي بيان تعليقا على قرار مرسي، وهو أمر فسره المتحدث باسم "الجبهة" حسين عبد الغني بالقول إن موقف "جبهة الإنقاذ" معلن مسبقا، وهو أنها لن تخوض أي انتخابات من دون وجود ضمانات لنزاهة الاقتراع والاستجابة لمطالبها، خصوصاً تشكيل حكومة محايدة ولجنة لتعديل الدستور. لكن عبد الغني ألمح إلى احتمال أن تقرر بعض الأحزاب المنضوية في "جبهة الإنقاذ" أن تخوض الانتخابات منفردة تبعا لتقديرها الخاص للموقف السياسي، مشيراً في ذلك إلى موقف "الحزب المصري الديموقراطي". وأوضح عبد الغني أن ذلك لا يعني انقسام "جبهة الإنقاذ" لأنها في الأساس تضم قوى متباينة في الأفكار والمنابع السياسية والثورية، ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف. وأشار عبد الغني إلى أن "جبهة الإنقاذ" ستعقد اجتماعا خلال الأيام القليلة المقبلة لمناقشة المستجدات في هذا الشأن. وتضم «"جبهة الإنقاذ" إلى جانب "حزب المصريين الأحرار" و"الحزب المصري الديموقراطي"، "حزب الوفد الليبرالي" الذي أعلن أكثر من مرة التزامه بموقف "الجبهة"، و"حزب الدستور" الذي ستشكل الانتخابات أول اختبار حقيقي لشعبيته في حال قرر خوضها، و"التيار الشعبي" الذي حل رئيسه حمدين صباحي ثالثا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الماضية بعدما حصد 4.2 ملايين صوت. ويرى المراقبون أن بإمكان "جبهة الإنقاذ" أن تحصد مجتمعة ما بين 100 و150 مقعدا، بما يمثل نحو 20 إلى 30 في المئة من إجمالي عدد المقاعد البالغة 504 مقاعد. أما "حزب النور" السلفي، الذي فاز بنحو مئة مقعد في الانتخابات الماضية، وبرغم استمرار خلافه العلني مع "الإخوان" في طريقة إدارة البلاد، فبدا على عكس "جبهة الإنقاذ"، حاسما قراره بخوض الانتخابات، بل والمنافسة على كل المقاعد البرلمانية. وقال رئيس الكتلة البرلمانية ل"حزب النور" في مجلس الشورى أي الغرفة الثانية في البرلمان عبدالله بدران، إن "وجهة نظر الحزب هي أن قرار الانتخابات كان بحاجة إلى التمهل لتهدئة الساحة السياسية، وإزالة الاحتقانات، وترك مساحة للتشاور والحوار، وأن هذا كان أحد دوافع الحزب عندما قدم مبادرته التي تقضي بإبعاد النائب العام عن منصبه، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، لكن مؤسسة الرئاسة لم تتعامل بجدية مع ذلك الأمر". ولفت القيادي السلفي إلى إمكانية التنسيق مع بعض القوى ذات المرجعية الإسلامية في بعض الدوائر، مستبعدا أن يتم ذلك مع "الإخوان". واعتبر بدران أن قرار "جبهة الإنقاذ" خاطئ، وستكون له تداعيات سيئة على الجميع، مشددا على أن "الجهة التي تقاطع هي الخاسرة دوما، لأنها تفتح الباب أمام تيار واحد للانفراد بالقرار". ولفت إلى أن "حزب النور" سيواصل جهوده من أجل تقريب وجهات النظر بين المعارضة و"الإخوان"، ودفع "جبهة الإنقاذ" لخوض الانتخابات، وهو ما أكده الأمين العام ل«"حزب النور" جلال المرة الذي قال إن "الحزب لن يتراجع عن خوض الانتخابات تحت أي ظرف، لأن حزب النور يعتبر الانتخابات أمانة يجب المشاركة فيها للوقوف إلى جانب الشعب"، مؤكدا أن الحزب ما زال يسعى "لتهيئة كل الأجواء لكي تكون هناك انتخابات نزيهة وشفافة وتشارك فيها جميع الأطراف". الأغلبية الصامتة مصادر رصد غربية وشرقية تتابع الأحداث عل الساحة المصرية، تقدر أنه رغم المواقف المعلنة للقوى السياسية المعروفة، معارضة أو مناصرة للسلطة القائمة، فإن قدرة الفصل في كل هذا الصراع توجد فيما يصفه المحللون السياسيون بالاغلبية الصامتة، والتي تحسب في مصر وعلى أساس الموقف القائم، إلى جانب المعارضة أكثر من كونها مؤيدة لحزب الحرية والعدالة. أثناء مظاهرات يوم الجمعة 22 فبراير بميدان التحرير بالقاهرة هتف متظاهرون "واحد اتنين الجيش المصري فين"، مطالبين بتدخل الجيش. كتب محلل عربي وفقًا لمسار الحروب، يلجأ العسكريون تكتيكا إلى ما يعرف ب "إعادة التمركز... وإعادة الانتشار". الآن يقوم جيش مصر بإعادة صياغة دوره، و"التموضع" سياسيا بصورة مختلفة. إن أهم ملمح في مواصفات الحالة الجديدة هو أنه يباعد المسافة بينه وبين مؤسسة الرئاسة، كما أن المؤسسة العسكرية تعيد تقديم نفسها باعتبارها فوق كل أطراف الصراع السياسي". خلال شهر فبراير 2013 رد الجيش بعنف شديد على شائعة تسربت بأن الرئيس محمد مرسي قد أقال وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي. ونشرت مختلف الصحف تصريحات لمصادر عسكرية مجهولة قالت إن الرئاسة لو فعلت ذلك تكون قد انتحرت سياسيا. قبل أن ينقضي اليوم كان الرئيس قد وجه خطاب شكر للقوات المسلحة معبرا عن تقديره لدورها في تأمين القمة الإسلامية بالقاهرة، وعلى الرغم من أن تلك القمة كانت قد عقدت أيام 6 و 7 فبراير، وشهدت محاولتين للهجوم بالأحذية على الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. وتزامن خطاب الرئيس مرسي، مع غزل واضح من قبل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، للجيش حيث وصفه بأنه "درع الوطن وسيف الدولة والأمة بأسرها"، مشيرا في رسالته الأسبوعية، إلى ما وصفه ب"حملة منظمة للإساءة المتعمدة لجيش مصر"، من قبل من وصفهم ب"من يكرهون لنا ولدول الربيع العربي الخير والنهضة، عبر أموال تدفع ومؤامرات تدبر، وخطط خبيثة تحاك من أجل إجهاض الثورة". الجيش المصري قبل على مضض إقالة الرئيس مرسي كلا من المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس أركانه الفريق سامي عنان رغم أنه تحت اشرافهما وصل الاخوان إلى الرئاسة، وبعد هذا بأسابيع استبعدت الرئاسة القائدين من احتفالات نصر أكتوبر السنوية ودعت إليها من قتلوا الرئيس الراحل انور السادات الذي صنع هذا النصر تحت قيادته. تلميحات حول دور الجيش يوم 17 فبراير 2013 أكد الفريق صدقي صبحي رئيس هيئة الأركان أن القوات المسلحة التي ظلت في مركز السلطة لعشرات السنين ستتجنب التدخل في السياسة لكن يمكن أن تقوم بدور إذا "تعقدت" الأمور. وقال صدقي إن حوارا وطنيا سيعقد في غضون أسبوع أو أسبوعين بين جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة وجماعات المعارضة، وأضاف أن الجيش لن يدعم أي حزب سياسي، ومضى قائلا إن رجال الجيش ليسوا سياسيين ولا يريدون المشاركة في الشأن السياسي لأنهم عانوا كثيرا بسبب ذلك في الشهور الستة الماضية، لكنه قال إن الجيش يمكن أن يساعد أحيانا في هذه المشكلة ويمكن أن نلعب هذا الدور إذا تعقد الموقف، ولم يذكر تفاصيل. في أعقاب ذلك نشرت صحف مصرية تأكيدات لمصادر عسكرية مصرية لم تذكر اسمها، ذكرت فيها أن هناك حالة من الغضب بين ضباط وصف ضباط وجنود القوات المسلحة، تم رصدها على مدار الأيام الماضية بعد تسريب معلومات ونشر أخبار تتناول المؤسسة العسكرية ورموزها، وتم الترويج لفكرة إقالات محتملة فى المؤسسة العسكرية، لكبار قادتها على رأسهم الفريق أول عبد الفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربى. وأوضح المصدر أن المؤسسة العسكرية لن تسمح بأى حال وتحت أى ظرف أن يتكرر سيناريو المشير حسين طنطاوى، والفريق سامى عنان مع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، مؤكدا أن المساس بقادة القوات المسلحة، خلال الفترة الراهنة سيكون أشبه بحالة انتحار للنظام السياسى القائم بأكمله، خاصة أن القوات المسلحة التزمت بالحياد والسلمية طوال الوقت، وحاولت قدر الإمكان الابتعاد عن المشهد السياسى الراهن بمختلف صراعاته بين النظام وقوى المعارضة، ووضعت المصالح العليا للبلاد فوق كل اعتبار، ولم تطمع أبدا فى السلطة، أو تطمح إليها، بل حرصت على تسليمها لرئيس مدنى منتخب، جاء من خلال صناديق الاقتراع، حتى ولو حصل على الأغلبية البسيطة "50 في المئة زائد 1". وعلق على ذلك اللواء محمد قدري سعيد رئيس وحدة الدراسات الأمنية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام قائلا: كل يوم تقريبا تخرج شائعة من هذا النوع، أما عن كلام رئيس الأركان فقال: أعتقد أنه لو تعقدت الأمور على الساحة السياسية من الممكن أن نجد مصر في حالة حرب أهلية، مثلما رأينا في بورسعيد والقناة، وبالتالي فهذا رد فعل طبيعي من داخل المؤسسة العسكرية ليؤكدوا أن القوات المسلحة لن تتدخل في السياسة، ولكننا لو وصلنا لهذه المرحلة فسوف تتدخل، وهذا شئ مهم وكان يجب أن يقال في هذا التوقيت. تشويش في نفس الوقت الذي تناقلت فيه المصادر الاعلامية تحذيرات الجيش، كشف المرصد الإسلامي المقرب من تنظيم الإخوان، عن أن التنظيم طمأن أعضاءه بخصوص العلاقة مع الجيش، وقال لهم: "الجيش معنا.. والرئيس محمد مرسي، أدب وزير الدفاع". وفي رسالة إلكترونية وزعها "المرصد" على أتباعه بعنوان "بشرى للأخوة، الجيش معنا.. والرئيس أدّب السيسي"، قال فيها: "علمنا من مصادرنا داخل الإخوان، أن اللقاء الذي جمع الرئيس مرسي ووزير الدفاع يوم الخميس 21 فبراير كان إيجابيا للغاية، والرئيس عنف السيسي، بسبب التصريحات التي صدرت مؤخرا عن رئيس الأركان وغيره من قادة الجيش التي تفيد بأن القوات المسلحة ستتدخل دون طلب من الرئيس إذا استدعى الأمر ذلك". واختتم المرصد الإسلامي رسالته بالقول: "الخلاصة أيها الأخوة أن الرئيس أدب السيسي وأفهمه جيدا أنه من جاء به، وفي يده إقالته وإرساله إلى منزله وتعيين وزير دفاع جديد، وفهم السيسي الرسالة جيدا، وجدد يمين الولاء للرئيس وتعهد بضبط أداء قادة القوات المسلحة، ومنعهم من التصريح لوسائل الإعلام بمثل هذه التصريحات غير اللائقة". الشعب والطريق المسدود لم يستبعد مراقبون دوليون أن يؤدي تصاعد التوتر وانعدام الأمن إلى تفكير الجيش في العودة الى الحكم رغم المعارضة الأمريكية والتهديدات المختلفة، خاصة وأن هذا الأمر سيقابل بإرتياح فئات كبيرة من الشعب خاصة مع تزايد يأس المصريين من احتدام الصراع، ووصوله الى طريق مسدود بين الرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين من جهة، والقوى العلمانية والليبرالية المعارضة من جهة أخرى. وقال مايكل جورج حنا الخبير المصري في مؤسسة القرن بنيويورك إنه "من حيث الجوهر، فإن الجيش لن يسمح بأن يوضع استقرار البلاد تحت التهديد أو أن يحدث انهيار في النسيج الاجتماعي المصري، أو أن يمتد الصراع الأهلي على نطاق أوسع، هذا ليس جيشا أيديولوجيا يريد زعزعة استقرار الحكم المدني، ولكنه أيضا لن يجلس مكتوف الأيدي إلى أن تصل البلاد إلى نقطة اللاعودة وتشتعل حرب أهلية". وأشارت مصادر غربية إلى أن السيسي أغضب الرئيس مرسي عندما صرح شهر يناير 2013 بأن الجيش على استعداد للتدخل، محذرا من أن البلاد من الممكن أن تنهار إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع للأزمة السياسية. وأشار السيسي بوضوح الى أن الجيش يجد صعوبة بالغة في الجمع بين حماية منشآت الدولة في مناطق الاحتجاجات، وفي الوقت نفسه الالتزام بقراره عدم استعمال القوة ضد المتظاهرين. وفي تصريح آخر له أوائل شهر فبراير شدد السيسي على "أننا لن نسمح للإخوان المسلمين أو أي فصيل آخر بالسيطرة على القوات المسلحة، أو العبث بهويتها الوطنية". ويفسر محللون سر الحدة في تصريحات السيسي تجاه الإخوان بوصول تقارير تفصيلية إلى مؤسسة الجيش عن مساع حثيثة من مرسي والمحيطين به لتمرير أجندة "أخونة الدولة" بأقصى سرعة، ويؤكد المحللون أن الشعب لن يقبل أي تدخل في شؤون القوات المسلحة، وسوف يتضامن معها إذا واجهت أي تحديات. وكانت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية قد قالت إن إشاعة إقالة السيسي كانت عبارة عن بالونة اختبار، أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين لقياس رد الفعل من قبل قيادات الجيش والرأي العام معا. مخطط الشرق الأوسط الجديد الحديث عن محاولة تقسيم مصر إلى أربع دويلات ليس جديدا ولا أمرا مبالغا فيه، فهو جزء من مخطط الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد والذي يقضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و56 دويلة. واشنطن وتل أبيب والبعض من حلفائهما في نطاق محاولتهم ركوب حركة التطور في بعض أجزاء المنطقة العربية وتحويلها إلى فوضى خلاقة يسعون وراء أنجاز هذا المشروع وبكل الطرق وبمحاولة استغلال كل القوى المؤثرة على الساحة. غزو العراق واحتلاله كان تطبيقا حرفيا لاستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة التي أعلنها الرئيس بوش، وكان عدد من الباحثين الأمريكيين المحافظين قد كتبوا موضحين كيف أن الغزو والاحتلال يجسدان ما يسمى "مذهب بوش"، ومن هؤلاء "توماس دونللي" الذي كتب في 25 مارس 2005 عقب الاحتلال الأمريكي للعراق يقول: "إن المناورات الدبلوماسية التي سبقت الحرب في العراق جسدت نهاية واضحة لعالم ما بعد الحرب الباردة، ذلك أن التباين الكبير "في مواقف الدول الكبرى" بين عامي 1989 و2003 أي التباعد بين واقع السيطرة الأمريكية العالمية والبنية متعددة الأطراف شكلا والمكونة من المؤسسات الدولية خصوصا الأممالمتحدة وحلف الناتو إنما كانت تنطوي على وهم أو خداع "بمعنى أن أمريكا هي بالفعل القوة العظمى الوحيدة التي يجب أن تقود النظام العالمي بطريقة وأحادية الجانب، وليس عبر عمل متعدد الأطراف". وفي كتاب دراسة "العرب والنزعة الإمبراطورية الأمريكية" يقول أحمد ثابت وخليل العناني: لم تقتصر الخطط الأمريكية في إعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط على الشق السياسي فحسب، بل وضعت خططا وتصورات عديدة لكيفية ربط الاقتصاديات الشرق أوسطية خاصة العربية منها بالاقتصاد الأمريكي. الرئيس الأمريكي جورج بوش دعا يوم 9 مايو 2003 إلى إقامة منطقة تجارة حرة بين بلاده وبلدان الشرق الأوسط يتم الانتهاء منها خلال عقد من الزمان. وبالتوازي مع مبادرة الديمقراطية التي أطلقها وزير الخارجية كولن باول في أواخر عام 2002 لإصلاح دول المنطقة سياسيا يأتي الشطر الاقتصادي لهذه المبادرة كي يكتمل بذلك البناء الهندسي الأمريكي الجديد لمنطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت بمثابة حقل تجارب لفكرة "الإمبراطورية الأمريكية" التي أطلقها صقور التيار اليمني المتطرف. إرضاء الجماهير التي تغلي بالغضب كتبت وكالة الأنباء اسوشيدت برس العالمية عبر الموقع الرقمي لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية يوم 21 فبراير 2013 : أن الجيش المصري ضاق ذرعا بالأوضاع المتأزمة بموازاة مع الضغوطات التي تواجه المصريين، الذين يشعر الكثير منهم باليأس، لعدم إيجاد نهاية وشيكة للمأزق السياسي وانتشار الفوضى، و زيادة معدل الجريمة، وتدهور الاقتصاد. وذكرت الصحيفة، أن الرئاسة والجيش يدعيان أن العلاقة بينهما قائمة علي أساس الحب والاحترام المتبادل، ولكن ما يحدث عكس ذلك، فالجيش ضرب بقرارات مرسي عُرض الحائط، عندما رفض مواجهة الجماهير وتطبيق قرار حظر التجوال في مدن القناة الثلاث شهر يناير. وفي تحد مباشر للرئيس، قال العديد من كبار القادة العسكريين أنهم لن يستخدموا القوة ضد المدنيين. وأضافت الصحيفة أنه مع تعمق الفوضى في البلاد، تعود الهتافات التي تطالب بتدخل الجيش أثناء المظاهرات، والتي سمعت أخر مرة بشكل جماعي خلال أحداث 25 يناير 2011 على استحياء. وفي هذا السياق، قال إبراهيم عيسى المستضاف لبرنامج حواري على أحد القنوات قبل أيام: "يريد ملايين المصريين من الجيش العودة لنقلنا بعيدا عن الفوضى"، وأضاف عيسى الناقد الشهير القاسي لمرسي والإخوان والجيش حين كان في الحكم: "هذه هو الشعور في الشارع المصري وتجاهله غبي". وذكرت الصحيفة، إنه ومنذ توليه السلطة في يونيو 2012، حقق مرسي تقدما قليلا في معالجة المشاكل الملحة في مصر، فقد ارتفعت الأسعار بشكل حاد، وزادت الجريمة، وتدهورت الخدمات، وحدث نقص في الوقود. ولفتت الواشنطن بوست الانتباه إلى أن الإخوان يسيطرون على البرلمان والحكومة عقب الفوز بكل انتخابات منذ تخلي مبارك عن السلطة، وقد أصبحوا متهمين باحتكار السلطة، وأشارت إلى الإنتقادات الموجهة إلى مرسي، بسبب الفشل في تنفيذ وعده بتشكيل حكومة شاملة، تمثل الأقلية المسيحية والليبراليين والفصائل السياسية العلمانية والمرأة. وقالت الصحيفة "هناك أسئلة جادة حول ما إذا كان تدخل الجيش يمكن حتى أن يحل أي من المشاكل المصرية في وقت قصير بما يكفي لإرضاء الجماهير التي تغلي بالغضب، بسبب فوضى ومشاق العامين الماضيين". [email protected]