بدأ العصر الذهبي لقناة الجزيرة في الانحصار وصورتها تتدهور لدى الرأي العام العربي بعدما لم تعد تشكل الحدث ولا المرجع الإعلامي، وتتعدد الأسباب لكن العامل الرئيسي يبقى هو الدور السياسي الذي تقمصته بشكل كبير للغاية جعل منها طرفا ولاعبا سياسيا متجاوزا للحدود. وتحتل قناة الجزيرة مكانة خاصة في تاريخ الإعلام العالمي للمميزات التي طبعت مسيرتها وتتجلى أساسا في مساهمتها الرئيسية في خلق رأي عام عربي قوي من المحيط الى الخليج علاوة على الجالية العربية في الخارج. ومن ضمن المميزات الأخرى المفارقة الغريبة التي انفردت بها بحكم أنها روجت للديمقراطية رغم أن الممول الرئيسي لها هي دولة قطر التي تصنف من أسوأ الدول في حرية التعبير والديمقراطية في تقارير المؤسسات الدولية. ولا يمكن فهم اندلاع الربيع العربي بدون دور قناة الجزيرة التي عملت لمدة تفوق العقد من الزمن على تناول موضوعات حساسة للغاية مثل فساد الأنظمة العربية وخروقات حقوق الإنسان والتخلف وغياب الديمقراطية وجعلتها حديث الشارع العربي. إذ تجسد الجزيرة المقولة المعروفة في علوم الإعلام بالدور الرئيسي للصحافة في التغيير المجتمعي والسياسي. لكن هذه القناة التي حققت نسبة مشاهدة مرتفعة جعلتها ضمن الثلاث قنوات الأكثر تأثيرا في العالم وهي سي إن إن وبي بي سي ولعبت دورا في الربيع العربي تسجل تراجعا كبيرا في الوقت الراهن. وإذا كانت سنة 2012 قد حملت نهاية "العصر الذهبي" للقناة، فسنة 2013 قد تحمل معها نهاية ريادة الجزيرة للإعلام العربي وتحولها الى قناة عادية تعيش على "ماضيها المجيد" ومن خلال جرد وقراءة الإعلام العربي، يتبين تراجع الجزيرة كمصدر للأخبار بل بما في ذلك للإعلام الغربي. في الوقت ذاته، أصبحت الجزيرة الرياضية تحظى باهتمام على حساب الجزيرة الإخبارية، وهذا يعني النظر الى مؤسسة الجزيرة كمؤسسة إعلامية للترفيه بل التوعية. ولم يعد موقع القناة يسجل إقبالا كبيرا في العالم العربي. وهذه الصفات التي تبرز تراجع الجزيرة تسجل في جميع مناطق العالم العربي ومن ضمنها المغرب. وحول الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع الذي يتحدث عنه الجميع، رصدت ألف بوست ما يلي: - الدور السياسي المزدوج الذي قامت به قناة الجزيرة في الربيع العربي من خلال إرساء ربيعين، ربيع خاص بالأنظمة الجمهورية الذي برعت في تغطيته وخاصة تونس ومصر وليبيا وسوريا، وربيع مهادن في تغطيتها لما يجري في الأنظمة الملكية. فقد تقصمت الجزيرة دور اللاعب السياسي بشكل مثير للغاية في حالة الجمهوريات، وتاريخ الصحافة يؤكد الدور السياسي لوسائل الاعلام في التوجيه والتأثير لكن ليس بالشكل الملفت للجزيرة والتي جعلها منها أداة إعلامية منحازة أو ما يعرف ب "الاعلام الحزبي". - وعلاقة بهذه النقطة، يشكل ما يجري في سورية منعطفا، فالعالم العربي يرفض ما يقع الشام نم تقتيل ويندد بجرائم نظام حزب البعث بزعامة بشار الأسد، ولكنه لم يقبل صمت الجزيرة عن جرائم قوات الجيش الوطني الحر. وتبقى شبكة الإنترنت حبلة بالمقالات والمواقف التي تعبر عن هذا الرفض المزدوج. - انسحاب عدد من المراسلين والوجوه الكبيرة من الجزيرة، وشكل انسحاب غسان بن جدو ضربة قوية وخاصة بعدما أقدم على إنشاء قناة الميادين التي لا تخول بدورها من مفهوم "الاعلام المنحاز". - العجز عن الإبداع في إيجاد برامج جديدة، وأصبحت برامج شكلت "المنعطف" مثل "الاتجاه الماكس" بمثابة ظل لما كان عليه من قوة. - تغليب الديني وتغييب مطلق للعلمانية وعدم التوفيق بينهما، وهو ما جعل النخبة في العالم العربي ومن ضمنها في المغرب ترى في القناة وسيلة إعلام "للناخب الديني" وليس وسيلة إعلام للإخبار المحايد.