من المتوقع أن تنطلق اليوم جولة جديدة من الحوار الاجتماعي، بهدف تجاوز حالة الانغلاق والاحتقان، وإيجاد الحلول اللازمة للملفات المتراكمة . ومن الواضح أن هذه الجولة تجري في ظل أجواء تتسم بنوع من التوتر والانتظارية سواء على مستوى الشارع العام، أو على مستوى الفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين... والواقع أن هذه الجولة يجب أن ترسخ المكتسبات التي تحققت في عهد الحكومة السابقة، والتي سارت على نهج مأسسة الحوار الإجتماعي وتلبية جزء مهم من مطالب العاملين في القطاعين العام والخاص، والوفاء بمختلف الالتزامات وتفعيل جميع الاتفاقات السابقة، وبالتالي توفير شروط الاستقرار الاجتماعي، إن هذه الجولة يجب أيضا، أن تبتعد عن منطق التعامل الموسمي والوقائي كرد فعل ضد كل احتجاج نقابي أو حركة اجتماعية، حيث يفتقد الحوار للإرادة الحقيقية لحل المشاكل والانخراط الفعلي في سياسة اجتماعية واقتصادية تضمن المشاركة الحقيقية لمختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في تدبير الشأن العام بما يساهم في تسريع الدورة الاقتصادية وإنعاش الدينامية الاجتماعية. لقد كانت الضرورة تقتضي مواصلة نهج التشاور بين الحكومة والنقابات الذي دشن في شهر أبريل 2012 باجتماع لجنة القطاع العام،حيث حصل اتفاق بين الحكومة والنقابات على جدول أعمال سنة 2012 والخطوط العريضة لجدول أعمال سنة 2013 بالإضافة إلى إحداث ست لجن موضوعاتية، ويتعلق الأمر بلجنة إصلاح النظام الأساسي للوظيفة العمومية وإصلاح منظومة الأجور،ولجنة تنفيذ التزامات اتفاق 26 أبريل 2011، ولجنة مراجعة المرسوم المتعلق باللجن الإدارية المتساوية الأعضاء، ولجنة القانون التنظيمي للإضراب وتفعيل اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، إلا أن منطق الانتظارية كان سيد الموقف، حيث ظل عمل اللجن المذكورة بطيئا جدا،إن لم يكن مشلولا،وهو ما جعل الاتفاق المذكور غير ذي جدوى، أما على مستوى القطاع الخاص فحدث ولا حرج، حيث استمر مسلسل تسريح العمال دون الخضوع للمساطر القانونية المعمول بها بالرغم من علاتها، كما تواصل الهجوم على الحق في الإضراب وفي الحرية النقابية وغيرها. إن نجاح الجولة الجديدة من الحوار الاجتماعي رهين بتجاوز المنزلقات السابقة والقطع تماما مع منطق رد الفعل، واعتبار الحوار الاجتماعي مسلسلا متواصلا، يرتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية الاقتصادية وترسيخ المشاركة الديمقراطية والمساهمة في نجاح السياسات العامة وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، والإقتناع بأن غياب أو ضعف هذا الحوار يؤدي حتما إلى تفاقم الأزمة اقتصاديا واجتماعيا وتعميق مظاهر التوتر وعدم الاستقرار داخل المجتمع.